تقلص خسارة حزب الله وحلفائه للأغلبية البرلمانية حظوظه في فرض سيطرته على القرار اللبناني واستثماره بما يخدم مصالحه، ما يفتح الباب أمام تحجيم نفوذه. إلا أن خصومه السياسيين بحاجة إلى توحيد الجهود من أجل تكريس ذلك على أرض الواقع.
بيروت – تعكس تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان التي قال فيها إن انتخابات لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك، أن الرياض بانتظار تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وموازين القوى داخلها لحسم موقفها تجاه لبنان سواء كان ذلك بالعودة لدعمها ماليا واقتصاديا أو مواصلة الانكفاء ما يعمق أزمة البلاد المنهكة اقتصاديا.
وتضررت العلاقات الخليجية مع لبنان بسبب تنامي نفوذ حزب الله المدعوم من إيران في بيروت والمنطقة، لكنها وصلت إلى مستوى متدنّ جديد العام الماضي عندما طردت السعودية ودول خليجية أخرى سفراء لبنان واستدعت سفراءها، قبل أن تعيد الرياض انفتاحها على لبنان لكن ذلك اقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية لهيئات غير حكومية.
ويمهد الانفتاح السعودي لأرضية جديدة في لبنان، إلا أنّ وضوح الصورة بشكل أكبر يتطلب الانتظار بعض الوقت لمعرفة معالم التوجهات الجديدة للمملكة.
وليد البخاري: نتائج الانتخابات اللبنانية تؤكد حتمية تغليب منطق الدولة
وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية، بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.
ويدعم حزب الله طهران في صراعها الإقليمي على النفوذ مع دول الخليج. ولدى حزب الله جناح مسلح أقوى من الجيش اللبناني ويدعم حلفاء موالين لإيران في المنطقة، ومن بينهم في سوريا. كما تمارس الجماعة وحلفاؤها نفوذا كبيرا على سياسة الدولة اللبنانية.
وتلقى حزبا الله وحلفاؤه في الانتخابات النيابية التي عقدت في الخامس عشر من مايو الجاري صفقة قوية بخسارته للأغلبية البرلمانية، مقابل تحقيق خصومه لنتائج إيجابية قالوا إنهم سيستثمرونها في مواجهة أجنداته الداخلية والخارجية.
وعلق السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على نتائج الانتخابات اللبنانية بالقول “نتائج الانتخابات النيابيّة اللبنانية تؤكّد حتميّة تغليب منطق الدولة على عبثيَّة فوائض الدُويلة المعطِّلة للحياة السياسيّة والاستقرار في لبنان”.
ويرى مراقبون أنه عمليا وبخسارة حزب الله للأغلبية البرلمانية بإمكان القوى المناهضة له تحجيم نفوذه في عدة ملفات، خاصة وأن نزع سلاحه والعمل على سيادة القرار الخارجي اللبناني مشترك يجمع بين مناوئيه بمختلف مشاربهم السياسية.
ويشير هؤلاء إلى أن الرياض بانتظار أفعال لا أقوال في هذا الاتجاه لتحدد سياساتها المستقبلية تجاه لبنان الذي يحتاج بشدة أكثر من أي وقت مضى للدعم المالي السعودي.
وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات مضت لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه إلى أيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.
وقدّمت المملكة المليارات في سبيل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لكنّها بدت في السنوات الماضية غاضبة جراء فشل القادة السياسيين في كبح جماح حزب الله المسلّح والنافذ المدعوم من إيران.
ومنذ مدة، يطلق المسؤولون اللبنانيون إشادات بدور السعودية وضرورة تواجدها على الساحة اللبنانية وتعهدات مكررة لجهة حماية أمن دول الخليج ومصالح الرياض، وهي تعهدات لم تعد تأتي أكلها خاصة وأن المسؤولين اللبنانيين لم يلتزموا بها في وقت سابق وينظرون إلى السعودية كداعم مالي دون التقيد بالتزاماتهم تجاهها وهو ما لم يعد ينسجم مع استراتيجيات الرياض الجديدة في المنطقة.
وكان ساسة لبنانيون في مقدمتهم رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري قد تعهد مرارا بتحجيم نفوذ حزب الله، إلا أنه لم يف بوعوده وبقي ينظر إلى الرياض على أنها جهة لضخ الأموال دون الالتزام بتعهداته ومطالبها.
وكانت السعودية ودول الخليج الثرية يوما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران.
وزاد الصدع في علاقات لبنان مع دول الخليج من الصعوبات التي يواجهها في الوقت الذي يكافح فيه أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها من أشد حالات الركود المسجلة على الإطلاق.
ووصلت العلاقات إلى مستويات متدنية جديدة في أكتوبر الماضي بعد أن انتقد وزير لبناني سابق التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
العرب