تونس- قالت أوساط سياسية تونسية إن التشدد الذي أبداه الرئيس قيس سعيد تجاه إضراب القضاة ودعوته الحكومة إلى الخصم من رواتب المضربين يمثلان رسالة واضحة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يلوح بإضراب عام في المؤسسات الحكومية، فضلا عن إطلاق أيدي النقابات لإعلان إضرابات عشوائية بشكل متزامن ضمن مسار يهدف إلى الضغط على الرئيس سعيد لمراجعة موقفه من مشاركة الاتحاد في الحوار الوطني.
ويأتي هذا في وقت مرت فيه الحكومة إلى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية المطلوبة من صندوق النقد الدولي، كما أشارت إلى ذلك وزيرة المالية سهام البوغديري، في خطوة تظهر موقفا واضحا من قبل الحكومة يفيد بأنها لن ترهن مصير تلك الإصلاحات لمزاج قادة الاتحاد أو لأي أجندة سياسية من داخل الاتحاد أو خارجه.
سهام البوغديري: مراجعة رواتب موظفي القطاع العام ستكون في حدود ما تسمح به إمكانيات الدولة
ولفتت هذه الأوساط إلى أن قرار خصم أيام الانقطاع عن العمل -بعد أن قرّر القضاة القيام بإضراب- يرسل إشارة صريحة مفادها أن الدولة قوية، وأنها لن تخضع للابتزاز من أي جهة كانت، وأن الحميّة القطاعية لن تربك الدولة خاصة أن تحرك القضاة هو تحرك سياسي ولا صلة له بمطالب أهل القطاع ذات البعد الاجتماعي.
وطالب الرئيس التونسي بخصم أيام العمل من إضراب القضاة المعلن في محاكم البلاد على مدى أسبوع قابل للتجديد، في مؤشر على تصاعد التوتر بين الرئاسة والسلطة القضائية.
ودعا قيس سعيد وزيرة العدل ليلى جفال إلى خصم أيام العمل واتخاذ إجراءات أخرى حتى “لا يتم المساس بمصالح المتقاضين”.
وألغيت الجلسات على نطاق واسع في أغلب محاكم البلاد الاثنين ردا على قرار الرئيس قيس سعيد عزل 57 قاضيا لاتهامهم بالفساد.
ويتوقع مراقبون أن يقابل الرئيس قيس سعيد تصعيد القضاة بإجراءات حازمة، مستبعدين أن يبدي أي تراجع في معركة “تطهير القضاء” كونها بوابة رئيسية لتنفيذ الإصلاحات السياسية من ناحية، ومن ناحية ثانية هي جزء من معركته في الحرب على الفساد التي يكسب بها تعاطف الشارع التونسي.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن موقف الرئيس سعيد قوي داخليا وخارجيا في مواجهة الإضراب؛ ففي الداخل لا يلبث الشارع التونسي أن يثور في وجه القضاة لأن الإضراب يعطل سير مصالحه ونيل حقوقه، وفي الخارج سيجد تفهما دوليا واسعا خاصة أن الكثير من دول العالم المتقدم تمنع بشكل مطلق إضراب مؤسسة القضاء أسوة بمنع إضراب الجيش والشرطة.
وحث رابح الخرايفي، أستاذ القانون في الجامعة التونسية، الرئيس سعيد على حل جمعية ونقابة القضاة، معتبرا أن هذه الخطوة “جزء من إصلاح القضاء”.
وقال الخرايفي، الذي عرف بدعمه للرئيس سعيد، إن “القضاء سلطة مستقلة لا تحتاج إلى نقابة أو جمعية، هذا فضلا عن أن قرارات الجمعية والنقابة باطلة بقوة القانون”، مضيفا أن “الجمعيات والنقابات أجسام غريبة عن القضاء”.
ووصلت رسالة الحزم التي أبداها الرئيس سعيد تجاه إضراب القضاة إلى اتحاد الشغل؛ إذ لم يخف صلاح الدين السالمي، الكاتب العام المساعد للاتحاد، قلقه مما أسماه استخفاف الحكومة بالإضراب العام وبالاتحاد، ذلك أنها لم تتصل بالاتحاد ولم تعرض عليه مفاوضات لتجنب الإضراب ولم تقدم مقترحات تسهّل على الاتحاد التراجع عن مواقفه التصعيدية.
ويعتقد المراقبون أن الحكومة تلتزم بموقف الرئيس سعيد الذي يعتبر أن كل طرف اجتماعي عليه أن يتحرك وفق الهامش الذي يسمح به القانون، وأن الدولة فوق الجميع ولا يمكن لأي جهة أن تهددها أو تلوي ذراعها، وأن العلاقة مع الاتحاد تقوم على التفاوض والتوافق على الحد الأدنى المشترك، فضلا عن رفضه أن يلعب الاتحاد دورا سياسيا بأي شكل من الأشكال بالرغم من التصريحات المستمرة التي تدلي بها قيادات النقابة، وخاصة أمينها العام نورالدين الطبوبي.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد لإجراء مفاوضات مشروطة مع الحكومة تقوم أساسا على تنفيذ رؤيته للإصلاحات بدأت الحكومة تنفّذ الإصلاحات من جانب واحد، وذلك في علاقة بمسائل مهمة ذات صلة بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي؛ مثل خفض فاتورة الرواتب وتجميد الزيادات في القطاع العام وإقرار خطة للخفض التدريجي في دعم الطاقة والغذاء خلال العام المقبل مع صرف مساعدات مالية للأسر الفقيرة.
وقالت وزيرة المالية الثلاثاء إن الحكومة تتجه إلى مراجعة رواتب موظفي القطاع العام، ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية أشمل.
وذكرت البوغديري، في تصريحات على هامش ندوة صحافية للإعلان عن وثيقة إصلاحات اقتصادية، أن “مراجعة رواتب موظفي القطاع العام ستكون في حدود ما تسمح به إمكانيات الدولة”.
وبحسب بيانات حكومية يبلغ عدد الموظفين العموميين حتى 2021 نحو 661.7 ألف موظف، بإجمالي فاتورة أجور سنوية 20.3 مليار دينار (6.8 مليار دولار)، تعادل قرابة 35 في المئة من إجمالي الميزانية.
وأعلنت وزيرة المالية عن برنامج يهدف إلى مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية في البلاد، هدفه إعادة ضبط التوظيف وفاتورة الأجور.
وقالت وزيرة الطاقة التونسية نائلة نويرة في مؤتمر صحافي إن أسعار الغاز للأُسر ستزيد ابتداء من العام المقبل، وأنه من المنتظر أن تواصل أسعار الوقود المحلية ارتفاعها إلى أن تصل إلى مستويات السوق خلال ثلاث سنوات.
العرب