خيارات القوات الكردية وسط قرع طبول حملة عسكرية تركية شمال سوريا

خيارات القوات الكردية وسط قرع طبول حملة عسكرية تركية شمال سوريا

في سياق المبادرات الروسية السابقة، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، إن موسكو تحاول إقناع الكرد بالتسوية مع النظام السوري، ودمج قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في صفوف قوات النظام السوري، لتجنب مغبة التطور السلبي للوضع في سوريا، في إشارة إلى الحملة العسكرية التركية المرتقبة. وفي تصريح لافرنتييف نقلته وكالة «نوفوستي» عن موقع «RT»، الجمعة، إذ أشار لافرنتييف إلى أن عملية تركية في شمالي سوريا «قد تدفع الكرد نحو إقامة دولة، وستكون لها عواقب بعيدة المدى».

مبادرة روسية تجنب «قسد» المواجهة التركية وتضمن احتواءها ضمن قوات النظام السوري

وأضاف «قلنا لزملائنا الأتراك إن هذا قد يؤدي إلى زيادة المشاعر الانفصالية بين الكرد وتحفيزهم على إقامة دولة، وهذا ليس في مصلحة سوريا أو تركيا أو إيران أو العراق»، مؤكدًا أن «الوفد الروسي في مفاوضات (أستانة) بذل قصارى جهده لمحاولة إقناع الجانب التركي بالنتائج المضادة لهذه الخطوة». وأعرب عن أمله في أن يمتنع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن تنفيذ العملية، محذرًا من أنها قد تتسبب في مواجهة مباشرة بين جيش النظام السوري والقوات التركية، وأن «العملية التركية ستشكّل تهديدًا لأنقرة نفسها، لأن حزب (العمال الكردستاني) و(قسد) لن يختفيا في ظل هذا السيناريو».

شروط مستحيلة

وكشف لافرنتييف، أن حكومة بلاده «تدرس الوضع القائم على الأرض بالتزامن مع قيام تركيا بعملية عسكرية شمالي سوريا»، التي تعتبرها موسكو «خطوة غير عقلانية»، داعياً إلى حل القضية بين أنقرة و»قسد» بشكل سلمي عبر الحوار. ومن المعلوم، أن المبادرة الروسية المتعلقة بمستقبل قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في منطقة شرق وشمال شرق سوريا، ليست بطرح جديد، فقد كانت موسكو قد تسلمت مطلع شهر نوفمبر /تشرين الثاني/ من العام الفائت، ردا رسميا من اللجنة الروسية بدمشق، بعدم الموافقة على المبادرة الروسية القائمة على احتواء القوات العسكرية لقسد ضمن قيادة الفيلق الخامس التابع لموسكو، حيث أكد النظام السوري في رده، رفض مبدأ التسويات الجماعية، مرحبًا بفتح باب التسوية الفردية وتسليم السلاح بشكل كامل.
ولبحث خيارات «قسد» أمام الضغط الجاد من الجانبين الروسي والتركي، قال الباحث في الشؤون الكردية بدر ملا رشيد إن موضوع الحوار وانضمام « قسد / مسد « إلى النظام، ليس جديداً، حيث انخرط الجانبان في عدة عمليات حوارية تتعلق بكيفية الوصول لصيغة توافق شاملة بينهما، وبدأت هذه الحوارات المباشرة فيما يتعلق بموضوع الانضمام من عام 2016 مع انتهاء عملية درع الفرات، ثم عادت إلى الواجهة أكثر من مرة، قبل كل عملية عسكرية تقوم بها تركيا. ورغم ذلك، لم يتمكن الجانبان حتى الآن من الوصول إلى صيغة نهائية رغم أن حزب العمال ومنذ قرابة ثلاث سنوات كانت معظم تصريحاته تدفع في اتجاه ضرورة اعتراف «قسد» بالمشروعية الكاملة للنظام وهذا ما شهدناه إبان الحديث عن استثناء واشنطن شركة نفط من العقوبات لتستثمر في حقول النفط الواقعة تحت سيطرة «قسد»، وفق المتحدث.
وتحدث ملا رشيد لـ «القدس العربي» عن شروط «قسد» التي وصفها بالمستحيلة، حيث قال: مؤخراً أعاد «الشيخ رياض درار طرح موضوع انضمام قسد لجيش النظام لكن في حال تم تغيير هيكليته، وهذا الشرط من المستحيلات التي يمكن أن يقبل بها النظام، فأي توزيع للسلطة ضمن الجيش أو الأفرع الأمنية تعني عملياً دق جرس تغيير نظام الأسد بشكل شبه كامل، ولا تكمن معوقات قسد من الانضمام للنظام فقط بعقلية النظام، فهناك عوامل مجتمعية وعسكرية تتعلق بطبيعة قوات قسد وخزانها البشري الذي يُعتبر معارضاً وحتى مقاتلاً للنظام بأجزاء مهمة منه».

أهداف الحملة

وحول الموقف الأمريكي، قال المتحدث «هناك شروط أمريكية تتعلق بعملية الاتفاق بين الجانبين، فواشنطن لا ترغب في تسهيل الواقع الصعب الذي يعيشه النظام وروسيا وإيران أيضاً، في كيفية إدارة الملف الاقتصادي والحوكمي في سوريا، وهي عملياً لا تنفق ما يذكر كميزانية فعلية لإدامة هذا الضغط على النظام وحلفائه». وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد هدد قسد مطلع الشهر الفائت، خلال اجتماع برلماني في أنقرة، بمرحلة جديدة تستهدف مناطق سيطرتها، وذلك لتأمين عمق 30 كيلومتراً في الدخل السوري المتاخم للحدود الجنوبية مع تركيا.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن أردوغان القول «تركيا سوف تطهر تل رفعت ومنبج من الإرهابيين». وتسيطر ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية السورية (واي بي جي) على المنطقتين، بينما تعتبر أنقرة وحدات (بي واي جي) منظمة إرهابية وتشتبه في أن لها صلات بالمتمردين المحليين. وتتهمها بمهاجمة قوات الأمن التركية في سوريا. وقال اردوغان إن العمليات العسكرية التركية سوف تستمر بشكل تدريجي في أجزاء أخرى من شمال سوريا.
وحول الإصرار التركي على الحملة العسكرية، والأهداف الاستراتيجية للعمليات التركية في سوريا، قال د. باسل معراوي إن الهجوم التركي المحتمل يؤكد على مكانة تركيا كقوة إقليمية صاعدة تلعب دورا هاما بملفات عديدة بالشرق الاوسط وأفريقيا والخليج وشرق المتوسط وآسيا الوسطى التركية، كما أن عمليات عسكرية جارية وستجري في سوريا والعراق ضرورية لضمان أمن تركيا القومي لممارسة دورها الذي تخطط له بالإقليم.
كما تسعى الحملة المرتقبة إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني وامتداداته، عسكرياً ودعوياً ومدنياً «بحيث أن المساس بأمن تركيا المجتمعي ومحاولة تأليب سكانها الأكراد الأتراك عبر هبوب رياح انفصالية جنوبية تعد أمراً محسوماً وغير قابل للنقاش وليس للتفاوض». ووفق قراءته لوجهة النظر التركية قال المعراوي لـ «القدس العربي» إن تركيا بقوانينها المعمول بها ليس لديها قانون لجوء بالمعنى المتعارف عليه في دول الاتحاد الاوربي أو غيرها، وبالتالي منحت بطاقة حماية مؤقتة، وهي تستوعب ثلثي حجم اللاجئين في الخارج تقريباً، ومضى زمن عشر سنوات على التغريبة السورية بدون أفق لحلها، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة الكثير من حوادث الاعتداء التركية على لاجئين سوريين، ونظراً لاستغلال أحزاب المعارضة لهذه الورقة انتخابياً وضد حكومة العدالة والتنمية، فقد أطلق المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي وعوداً بمشروع وطني تركي لإعادة مليون لاجئ سوري إلى سوريا، خلال عام، كما وعدوا ببناء مجمعات سكنية بـ13 موقعاً في المناطق المحررة.
وأضاف «يعتقد الجميع أن المناطق الخاضعة الآن للنفوذ التركي لا تستوعب عودة سريعة لتلك الأعداد لأسباب كثيرة، وسواء أكانت وعوداً انتخابية أم قابلة للتحقيق فإن إعادة مليون سوري (وربما أكثر) من تركيا تتطلب أراضي جديدة وفيها بنية تحتية مقبولة وموارد مائية وزراعية (كحالة منبج وريفها)..أمراً مهماً ويشكل سبباً منطقياً لعملية (أو عمليات) عسكرية مقبلة. ولا شك أن توسيع سيطرة أنقرة على مزيد من الأراضي والسكان، تأخذ من رصيد خصوم أنقرة أوراقاً وتضعها بالحقيبة التركية لاستعمالها عندما يتم فتح الحقائب وإخراج الأوراق على طاولة الحل السوري. ولدى قوات سوريا الديموقراطية مجموعة من الخيارات للردّ على العمليّة العسكريّة التركيّة المحتملة شمال سوريا، تحدث عنها مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، حيث تُجري «قسد» حراكاً سياسياً وعسكرياً، كخطوات استباقية لمواجهة العملية العسكريّة التركيّة المحتملة.
الخطوات التي تتخذها «قسد» تتضمن، وفق المصدر، نقل تعزيزات عسكريّة إلى مواقع حدودية، وسلسلة لقاءات مع قيادات عسكرية أمريكيّة وروسيّة، في ظل تأكيد تركيا المستمر على ضرورة استكمال المنطقة الآمنة بعمق 30 كم، عَبْر إطلاق عملية عسكرية جديدة، قد تشمل منطقة أو عدّة مناطق في الرقّة وحلب؛ أي عين عيسى ومنبج وعين العرب وتل رفعت. ويبدو أنّ قسد تستعدّ لمواجهة العملية العسكرية التركية المحتملة عَبْر واحد أو أكثر من الخيارات التالية:

3 سيناريوهات

أولاً التفاهُم مع روسيا: وهو خيار يعني أنّ قسد ستكون مستعدّة لتقديم تنازُلات إلى روسيا من أجل توسيع وجودها ونشاطها العسكري شرق الفرات على أمل أن يُساهم ذلك في الحيلولة دون شنّ عملية عسكرية جديدة، وقد يشمل هذا السيناريو التعهُّد بتطبيق مذكّرة سوتشي (2019)؛ أي الانسحاب من المنطقة الآمنة بعُمق 32 كم، لا سيما عين العرب/ كوباني، لتهيئة الظروف أمام أي وساطة روسيّة محتملة. وقد ينتهي هذا السيناريو غالباً بإعادة انتشار النظام أو استحداث مربّعات أمنية تابعة له في مناطق العمليات المحتملة، دون أن يعني ذلك الانسحاب منها أو تسليم إدارتها له، على أنّ هذا الخيار قد يكون خُطوة متقدّمة في إطار استئناف المباحثات الثنائية المنعقدة بين الطرفين منذ عام 2018.
ثانياً، التفاهُم مع الولايات المتحدة: وهو خيار تأمل «قسد» أن تستطيع بموجبه إقناع قوّات التحالف الدولي بإعادة انتشارها عسكريّاً بشكل جزئي في عدد من المناطق مثل عين العرب/ كوباني ومنبج، بدعوى أنّ أي عملية عسكرية على هذه المناطق ستؤدي لتقويض جهود مكافحة الإرهاب والاستقرار الاقتصادي.
ثالثاً، التنسيق مع إيران: وهو خيار يبدو أنّ قسد لجأت إليه في منطقة تل رفعت عَبْر تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمواجهة أي عملية عسكرية محتملة. يُمكن القول: إنّ روسيا لن تعترض على وجود ردّ عسكري مشترك من قِبل «قسد» وقوّات النظام والميليشيات الإيرانية في تل رفعت. ويُفترض أن تتعامل الولايات المتّحدة مع هذا الخيار بناءً على تأثيره على عمليات مكافحة الإرهاب والاستقرار، وقد يختلف ذلك بين منطقة تل رفعت وبقية المناطق. ورغم الخيارات المتاحة أمام قسد، لكنها قد لا تتمكّن بالضرورة من تجنُّب العمليّة العسكريّة التركيّة المحتملة في حال توصلت أنقرة إلى تفاهُمات مع روسيا و/ أو الولايات المتّحدة، تضمن لها عدم الاعتراض على أي تحرُّك عسكري جديد شمال سوريا.

القدس العربي