المعركة العراقية الكردية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»: تقارير من الجبهة

المعركة العراقية الكردية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»: تقارير من الجبهة

lead_960-e1439470562131

“في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب مايكل نايتس ولاهور طالباني منتدى سياسي في معهد واشنطن. ونايتس هو زميل “ليفر” في المعهد، وكان قد قام مؤخراً بجولة مع قوات التحالف في العراق دامت ثلاثة أسابيع. وطالباني هو رئيس جهاز المخابرات “زانياري” (المعلومات) في كردستان وعضو مؤسس لـ “مجموعة مكافحة الإرهاب”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما”.

مايكل نايتس

تقف قوات الائتلاف في العراق على عتبة ما يمكن أن يسمى بحملة الجزيرة، وهي الحرب بين نهري دجلة والفرات. ومن المتوقع أن تركز عمليات هذه القوات في العام المقبل على المساحة بين الموصل والرمادي امتداداً باتجاه الشمال نحو معقل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») في الرقة في سوريا. وسيؤدي الأكراد دوراً تتزايد أهميته في هذه الحملة إذ إنهم فاعلون على إثنين من الجبهات الرئيسية الثلاث ضد ما يعرف بـ تنظيم «الدولة الإسلامية». ويتوجه الائتلاف نحو اعتماد مفهوم القوة البرية فيقوم بتسليح وتجهيز الوحدات القائمة التي يمكنها أن تحقق انتصرات على أرض المعركة بدلاً من محاولة بناء وحدات جديدة وهائلة. وسيؤدي اثنان من القوات الكردية – وهي البيشمركة المنبثقة من «حكومة إقليم كردستان» في شمال العراق وعناصر من “قوات سوريا الديمقراطية” – دوراً رئيسياً في هذا المفهوم.

إن أحد الأدوار الذي سيؤديه الأكراد يتمثل بقطع خط تنظيم «داعش» من الموصل إلى الرقة الذي لا يشكل خطاً عسكرياً فحسب، بل اقتصادياً وسياسياً أيضاً. وحالياً، يتنقل الدعم المتوفر لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» بتأهب بين هاتين “العاصمتين”، ويتطلب قطع هذا الخط، شن هجوم على مناطق مثل سنجار والحسكة والهول والشدادي. وسيكون الدعم الكردي مركزياً لهذه الجهود ولقطع الجزء الجنوبي الشرقي من أراضي تنظيم «داعش» في محافظتي ديالى وصلاح الدين جنوب بيجي. ويستطيع الأكراد أيضاً دعم هجمات القبائل السنية على “المفصلة” في الحويجة والزاب، التي تقع مباشرةً غرب كركوك.

وعلى الرغم من أن الوحدات الكبيرة مهمة في الحفاظ على المناطق وإدارتها (على سبيل المثال، يستخدم كل من تنظيم «داعش» وقوات الأمن العراقية والأكراد غالبية قوتهم البشرية لهذه المهام)، إلا أن الوحدات الأصغر حجماً هي التي تفوز بالمعارك المنفردة التي تحدد من سيفوز بالحرب. إن السيطرة على ساحات القتال الرئيسية مثل بيجي والرمادي لا تتطلب قوات هائلة جديدة، حيث يمكن لوحدات راسخة ومتماسكة كـ “المجموعة الكردية لمكافحة الإرهاب” و “قسم مكافحة الإرهاب” أن تهزم القوات الصغيرة التي يستخدمها تنظيم «الدولة الإسلامية» عادةً في مثل هذه الحالات. على سبيل المثال، كان لـ تنظيم «داعش» 400 إلى 600 جندي في الرمادي فقط. وباختصار، لا يواجه الائتلاف قوة بشرية هائلة.

ويقيناً، أن العراقيين الأكراد يواجهون عدداً من التحديات في توفير مساعدة عسكرية أكبر. وأحد التحديات هو التصور بأن تقدم الأكراد محدود، فإذا تقدموا بعمق كبير داخل مناطق عربية ليس مرحب بهم فيها، من الممكن أن يثيروا غضب السكان المحليين. ومع ذلك، فقد أشار الأكراد مؤخراً إلى أنهم مستعدون لتجاوز حدود معينة لغرض تحقيق هدف أكبر وهو إلحاق الهزيمة بـ تنظيم «داعش»، علماً بأن مثل هذه الإشارات ستستقطب دعماً أكبر للائتلاف.

ويتمثل تحدٍ آخر في أن المؤسسات العسكرية في «حكومة إقليم كردستان» غير متطورة إلى حد كبير مقارنة بسائر أنحاء البلاد. ونتيجة لذلك، يفتقر الأكراد القدرة على الاستفادة من المساعدة الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة وتحويلها إلى وحدات جديدة. فهم لم يتمتعوا قط ببرامج تدريب وتجهيز كبيرة من الولايات المتحدة على غرار بقية مناطق العراق، وعليهم بالتالي تطوير هيكلية تدريب أكثر وضوحاً. فإذا أراد الأكراد الحصول على تجهيزات بمستوى حجم لواء، عليهم توفير أرقام تجنيد ومناطق تدريب تتناسب مع حجم لواء.

ويشكل عدم وحدة عناصر القيادة الكردية، تحدٍ آخر. وهذا هو الحال حتى على الخطوط الأمامية حيث يعم التنافس بين الأكراد في سنجار وغيرها من المواقع الرئيسية. وتنقسم القوات العراقية الكردية في ثلاثة توجهات: «الاتحاد الوطني الكردستاني، «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، ووزارة البيشمركة التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» (التي تم تعليق مهام المسؤول الأكبر فيها بسبب خلافات سياسية). ويعوق هذا الانقسام دعم الائتلاف وحتى الأداء في ساحات القتال.

وخلاصة القول، تحتاج الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى مساهمات أكبر من الجبهة الشمالية. فإذا لا تستطيع الأطراف الكردية أن تتخطى اختلافاتها وتتخذ موقف الهجوم، فإن دعم الائتلاف لها سيتضاءل تدريجياً. إنها مسألة متعلقة بالأداء: إذا استطاع الأكراد المساعدة في استعادة الموصل من خلال عزل المدينة من الغرب والجنوب، سيحصلون على دعمٍ أكبر من الائتلاف. وينطبق الأمر نفسه على القوات الكردية في سوريا إذا اندفعت نحو الرقة.

لاهور طالباني

ينبغي التعامل مع الساحتين العراقية والسورية في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وكأنها ساحة واحدة. فقد تآكلت الحدود بين البلدين، ولا تبعد الرقة عن الموصل سوى أربع ساعات. أما في كردستان العراق، فينبغي أن يتم قطع هذه الصلة في سنجار، مما قد يزيد بشكل كبير من الوقت اللازم لنقل الامدادات من الرقة إلى الموصل.

إن الخبر السار هو أنه بينما لا يزال تنظيم «داعش» يشكل الخطورة الأكبر في المنطقة، إلا أنه لم يعد بالقوة التي كان عليها قبل عام. وتتضح نقاط ضعف التنظيم عندما يواجه قتالاً مدروساً. لذلك من الضروري شنّ هجوم من عدة اتجاهات بهدف إنهاك قواته، المحدود عددها في الكثير من المناطق. على سبيل المثال، يوكل التنظيم في بعض الأحيان 10 رجالٍ للقيام بدوريات في منطقة كبيرة وهو على يقين أن القوات الكردية لن تتخطى حدوداً معينة إلى داخل الأراضي السنية العربية. إن إدراك التنظيم لهذه القيود الكردية يسمح له بأن يركز قواته في المناطق التي يريد أن يقاتل فيها، إما ضد الجيش العراقي أو ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا. لذلك، يمكن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال وضع خطة أكثر تركيزاً تشمل «وحدات حماية الشعب»، و”قوات سوريا الديمقراطية” (بما فيها وحدات عربية)، وقوات الأمن العراقية، والقوات العراقية الكردية.

وستواجه الحملات لاستعادة الرقة والموصل تحديات مختلفة، وستكون الموصل أكثر صعوبة نظراً لافتقار الائتلاف إلى قوة أو شخصية سنية موحِّدة. فقد تعهد حوالي ثلات أرباع قادة القبائل العربية السنية في المدينة بالولاء لتنظيم «داعش»، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى افتقارهم إلى أي خيار آخر: إما الميليشيات الشيعية أو تنظيم «الدولة الإسلامية» السني.

وقد يكون الوضع في الرقة مختلفاً، لأن بإمكان القوات القبلية السنية العربية المتماسكة المشاركة في القتال من أجل تحرير نفسها. وهذا أمر أساسي، لأن «وحدات حماية الشعب» ليست محتمسة للإستيلاء على الرقة دون شركاء عرب. وفي الواقع، تمثلت إحدى أفضل قرارات السياسة الخارجية لحكومة الولايات المتحدة بدعم «وحدات حماية الشعب» في المعركة للسيطرة على كوباني. وأصبح هذا الانتصار رمزاً – إذ أصبح الدليل الأول بأنه يمكن تحطيم تنظيم «داعش» وهزيمته. وعلى الرغم من وجود حساسيات فيما يتعلق بتركيا، إلا أن «وحدات حماية الشعب» هي من بين القوات الوحيدة على أرض المعركة في سوريا التي تنقل المعركة إلى معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» وتحدث الفرق. وقد أرسل قادة «وحدات حماية الشعب» إشارات إلى أنقرة بطرق مختلفة مفادها أنهم لا يريدون أن يشكلوا أي خطر على تركيا. فعلى سبيل المثال، وعلى عكس حدود تركيا مع العراق ، لم تشكل الحدود مع سوريا ممراً لهجمات «حزب العمال الكردستاني». على أنقرة أن تتقبل أن لواشنطن تأثيراً كبيراً على «وحدات حماية الشعب»، وأن العمل مع هذه الجماعة آمن بالنسبة لتركيا أيضاً.

أما بالنسبة لـ «إقليم كردستان» العراق، فعليه مواجهة العديد من التحديات المالية والسياسية. فـ «حكومة إقليم كردستان» لم تتمكن من دفع رواتب الجنود أو الموظفين المدنيين لعدة أشهر، وقد تأثر مدخولها بشدة بسبب هبوط أسعار النفط. ويبحث الأكراد عن سبل لإصلاح هذه المشكلة، ولكن من الغير المتوقع أن تتبدد كلياً في العام المقبل.

بإمكان هذه المشاكل المتعلقة بالميزانية أن تؤثر على القتال ضد تنظيم «داعش». على سبيل المثال، مع اقتراب فصل الشتاء، قد يحاول التنظيم اختراق خطوط قوات البيشمركة، ولا تزال «حكومة إقليم كردستان» غير قادرة حالياً على توفير تجهيزات الشتاء اللازمة لقواتها. وفي حين أنها ممتنة لجميع المساعدات التي تلقتها خلال العام والنصف الماضيين، لكنها ما زالت تفتقر للذخيرة الكافية في مخزونها وتحتاج إلى المزيد. ويشكل تقديم الدعم للبيشمركة أمراً ضرورياً، فحتى لو لم تتقدم هذه القوات أكثر من ذلك، إلا أنها تؤدي دوراً حاسماً في مواجهة قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» على جبهة واسعة.

وينبغي على الفصائل الكردية العمل معاً بشكل أوثق. فقبل أربع سنوات، تم تأسيس “مجلس الأمن الاقليمي” لـ «حكومة إقليم كردستان» لزيادة تبادل المعلومات بين الوكالات الاستخباراتية المختلفة. وعلى الرغم من أنه لم يقم بمهامه وفقاً لما هو مخطط له حتى الآن، لا يزال من الممكن الاستفادة منه لجمع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و «الاتحاد الوطني الكردستاني» وغيرهما من الأحزاب لتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية.

وأخيراً، على الأكراد أن يكونوا واقعيين عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى الاستقلال. إن اقتصاد «حكومة إقليم كردستان» في حالة من الفوضى، بينما الوضع العسكري المتعلق [بمكافحة] تنظيم «داعش» والضغط المفروض من البلدان المجاورة يجعلان الأمر واضحاً بأن الآن ليس الوقت المناسب لمناقشة مسألة الاستقلال. ربما، في المستقبل، ولكن ليس اليوم.

مايكل نايتس و لاهور طالباني

معهد واشنطن