قاربت الثورة السورية دخول عاملها الخامس وسط تطورات تكاد تلغي الأسباب التي قامت من أجلها، فقد نجح رئيس النظام بشار الأسد وحلفاؤه، الإيرانيون والروس، إضافة إلى الفشل العربي والغربي، في فتح الباب على مصراعيه أمام الجماعات الإرهابية لتدخل من كل حدب وصوب، ومن ثمة تمنحه قبلة الحياة وتمنح الثورة قبلة الموت، وها هي سوريا فضاء خرب تتصارع فيه كل القوى العالمية، وها هو شعبها صاحب الثورة يقتل ويذبح ويشتت في الأرض بحثا عن مأوى.
المفكر اليساري سلامة كيلة في كتابه “الصراع الطبقي في سوريا -الثورة في صيرورتها” الصادر عن منشورات المتوسط – إيطاليا، يغوص في الثورة كاشفا عن كثير ممّا هو غائب الآن عن صراع طبقي قامت عليه الثورة ولا يزال يلعب دورا مؤثرا في ما يجري الآن، مؤكدا أنَّ الحل لم يعد سوريا بل بات يخضع لتوازنات القوى العالمية، وللدور الإقليمي لكل من إيران والسعودية. ويلفت إلى أن الصراع ليس محليا فقط، بل إقليميا دوليا. لهذا بات هناك من يرفض أن يسمّي ما يجري ثورة، أو حتى تنازعا داخليا، بل يربط ما يجري بالصراع العالمي، وخصوصا “الصراع” الروسي الأميركي، ومسار السيطرة على العالم، حيث ظهر الوضع السوري كمفصل لكي تُظهر روسيا استقلاليتها ومركزيتها في الصراع العالمي، وفي السعي إلى تشكيل عالم جديد. كل ذلك قائم، ويظهر الآن بأنَّ الثورة السورية باتت في مأزق، وأنَّ الصراع كله في استعصاء. ولقد تلاشى الكثير من المطالب والشعارات التي رُفعت في بداية الثورة؛ فقط ما بقي هو هدف إسقاط السلطة، التي تتلخص في نظام الأسد.
ورأى كيلة أنه “منذ البدء حاولَت بعض الأجهزة الأيديولوجية إطلاق تسمية ‘صراع طائفي’ على ما يجري في سوريا. والبعض الآخر، خصوصا ‘الإعلام الغربي’ استخدم مصطلح “الحرب الأهلية”. وربما يُؤكِد ما وصل إليه الوضع السوري على هذه أو تلك من المصطلحات، حيث أصبحت قوى أصولية (سلفية جهادية) هي التي تتصدر المشهد في الصراع، بعضها يقاتل السلطة وبعضها يخدمها. وباتت السلطة تستند في استمرار سيطرتها على قوى طائفية أرسلَتها السلطة في إيران (من حزب الله إلى كتائب أبو الفضل العباس وفيلق بدر وعصائب أهل الحق من العراق، إلى الحرس الثوري الإيراني).
وأضاف أنَّ اختلاط الصراع فَرَضَ الاستعصاء، ومن ثمة قاد إلى أن يرتبط الحل بقوى خارجية، مشيرا إلى أنه وبغض النظر عن الشكل القائم الآن للصراع فإن “المحرِّك هو صراع الطبقات”، صراع المفقّرين ضد الطبقة المافياوية المسيطرة. ولأنه كذلك فهو مستمر بغض النظر عن الشكل الراهن له، حيث سوف تفرض التجربة على المفقرين بلورة بديلهم الثوري بعيدا عن كل أوهام الماضي أو تخيلات “الجنة”، وسيتخذ شكلا واضحا متجاوزا الاستعصاء القائم، والذي قام نتيجة الشكل الأصولي الذي اتخذه وحدَّ من توسّع الثورة لتصل إلى “نقطة ضعف السلطة”، أي هنا البيئة الاجتماعية التي تتغذى منها “بنيتها الصلبة”، وقوتها الضاربة. رغم أن هذه القوة دمّرت كذلك خلال الثورة لتجد السلطة في “حلفائها الطائفيين” مسندا تقف عليه.
وقال كيلة “رغم هذا الشكل ‘الطائفي’ الذي يظهر في الصراع فإن الصراع الطبقي هو الجوهر الذي يحكم كل ما يجري. فالقوى الطائفية المغرقة في التشدد والجهل، والتي استُجلبت من الخارج، تعتمد على بيئة ‘خارج التاريخ’ ومهمشة حضاريا في سوريا، لكنها بيئة محدودة الوجود، ومحصورة في مناطق محدَّدة (ريف حلب، واللاذقية، والبيئات المحافظة في المدن)، وليست بيئة الصراع الطبقي الحقيقي، رغم أنه ظهر أنها تُهيمن على الثورة”.
محمد الحمامصي