يرى بول بيلار، المحلل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية لشؤون الشرق الاوسط، أن الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا أدت إلى تغيير المشاعر والمواقف الأمريكية تجاه روسيا، أكثر من تغييرها للتهديدات الروسية للمصالح الأمريكية، موضحا أنه من المؤكد أن أكبر حرب برية تشهدها أوروبا منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، لها تأثيرات من الناحية المادية وليس فقط من ناحية اتخاذ المواقف ، ويمثل المدى القصير مخاطر للتصعيد لحرب أوسع نطاقا.
وقال بيلار في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية، إن العلاقات بين الغرب ونظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كانت تتسم بوجود مشاكل بالفعل قبل اندلاع الحرب، وكانت تنطوي على مخاوف بشأن ضعف دول البلطيق أمام روسيا. ولا تزيد العمليات العسكرية التي تنفذها روسيا في أوكرانيا من قدرتها على العمل ضد الغرب، وقد أظهر ما قامت به أنها أقل تهديدا مما كان يفترضه الكثيرون.
وأضاف بيلار أنه يجب على الولايات المتحدة أن تحذر من أن يصبح فرض العقوبات على روسيا وعزلها، مجرد تعبيرات عن الغضب إزاء الحرب الوحشية التي يشنها بوتين. وأضاف أن الغضب مبرر، إلا أن الغضب المبرر ليس مثل السياسة الفعالة. فالسياسة الأمريكية تحتاج إلى أن تأخذ بعين الاعتبار الحقائق المستمرة بشأن روسيا، بما في ذلك حالات انعدام الأمن والتي لم يتسبب فيها بوتين وحده، ووضع روسيا كقوة عظمى تمتلك إحدى أكبر ترسانتين نوويتين في العالم.
وأوضح أن الحديث بشأن الإستراتيجية الأمريكية الكبرى يدور بشكل متزايد حول قضية تنافس القوى العظمى. ويعد ذلك أفضل بالمقارنة مع القضية السابقة وهي “الحرب العالمية على الإرهاب”، والتي كانت لها عواقب وخيمة تفوق التهديدات التي كان يفترض أن مثل هذه الإجراءات قد اتخذت لمواجهتها.
وأضاف بيلار أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدير علاقاتها مع القوى الكبرى الأخرى بأسلوب واقعي لا يتعامل بصورة مطلقة ولا يكون الغضب أساسه. ولا يضع مثل هذا النهج خطوطا غير قابلة للمحو بين الأخيار والأشرار. إنه مفتوح للقيام بأنشطة تجارية مع الجميع في كل شيء. وهو يلجأ للدبلوماسية ولكل الأدوات الأخرى، بأي تركيبة تكون أنسب، لاستخلاص السلوكيات المرغوب فيها من القوى الأخرى.
وقال بيلار إنه في هذا العالم متعدد الأقطاب، يتلاعب رجل الدولة الواقعي بالعلاقات لكي يضع بلاده في أفضل وضع ممكن لتعزيز مصالحها. أما اليوم، فإن الولايات المتحدة في الوضع المعاكس فيما يتعلق بالصين وروسيا، حيث أن علاقاتها بكل منهما تعد اسوأ من العلاقات بين موسكو وبكين. ويجب أن يكون هدف الولايات المتحدة هو قلب هذا الوضع. ومن الواضح أن هناك بعض الأمور اللازمة للقيام بذلك تفوق قدرة الولايات المتحدة ، ولا سيما العوامل الثنائية التي تشكل العلاقات بين الصين وروسيا.
ولا يجب أن تكون العقوبات، مثل العقوبات الاقتصادية على سبيل المثال، مجرد تعبير فقط عن الغضب بسبب سلوك سيء حدث في الماضي؛ ولكن يجب أن تكون دافعا لاتباع سلوك أفضل في المستقبل، بحسب بيلار، الذي يرى أن ذلك يتطلب على الأقل قدرا كبيرا من التفكير في وضع شروط من أجل رفع العقوبات.
ويقول بيلار إن السياسة الداخلية للقوى الكبرى الأخرى تفوق أيضا سيطرة الولايات المتحدة إلى حد كبير. فعلى أية حال، سوف تتغير الأنظمة أو قادتها بسبب السياسات الداخلية للدولة، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تهيء نفسها للاستفادة من ذلك عندما يحدث. وسواء كانت الشائعات التي تتردد بشأن سوء صحة بوتين صحيحة أم لا، فإنه لن يظل حيا أبد الدهر. وسواء كان من سيأتي بعده سيمثل تحسنا عاما من وجهة نظر الولايات المتحدة أم لا ، ستوفر القيادة فرصة لتغيير العلاقات الأمريكية الروسية. وسوف تضيع هذه الفرصة إلى حد سيجعل العقوبات مفروضة بشكل دائم.
ويوضح بيلار أن الولايات المتحدة ليست في وضع جيد يسمح لها بشن حرب باردة جديدة مع روسيا أو مع الصين أو مع الاثنين معا، حيث أنه ليس لديها ميزة أيديولوجية بقدر ما كانت في الحرب الباردة الحقيقية. ولا يمكن أن تكون الديمقراطية – رغم ضرورة الحث عليها ودعمها في جميع أنحاء العالم – هي القضية الحاسمة في مثل هذه المواجهة العالمية الجديدة. والأهم من ذلك، هو أن الولايات المتحدة لم تعد نموذجا جيدا، حيث تظهر ديمقراطيتها عيوبا كبيرة وهي عرضة للانهيار التام.
ويقول بيلار إن غزو روسيا لأوكرانيا أكد على أهمية التمسك بمبادئ عدم الاعتداء واحترام السيادة الإقليمية، إلا أن صفحة الولايات المتحدة ليست بيضاء بالنسبة لهذا الأمر أيضا، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
(د ب أ)