القاهرة- تحول التركيز نحو مصر وعدد من الدول الناشئة بعد تضاعف عدد الدول النامية التي تعاني من ضائقة مالية كبيرة وحجم دَين خارجي مرتفع ما يزيد من تعقيدات الخروج من الأزمة التي تفاقمت بسبب حرب روسيا على أوكرانيا.
وتضع الأزمة الاقتصادية الحكومة المصرية تحت ضغوط البحث عن حلول جديدة غير تقليدية للخروج من عنق الزجاجة، ومن أجل الاستمرار في الحفاظ على قدرتها المالية في سداد الأعباء والالتزامات الخارجية.
ماذا عن وضع الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي؟
وواصل الاحتياطي النقدي الأجنبي تراجعه وانخفض إلى 33 مليار دولار و375 مليون دولار نهاية الشهر الماضي، مقابل نحو 35 مليارا و495 مليونا نهاية مايو/أيار الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
ومنذ فبراير/شباط الماضي فقد الاحتياطي النقدي 7.2 مليارات دولار أو ما يعادل 18.5% من إجمالي 40.9 مليار دولار، على خلفية سداد مدفوعات ومستحقات والتزامات بالدولار.
وتراجع الاحتياطي جاء أيضا تحت ضغط ارتفاع فاتورة الاستيراد إلى 9.5 مليارات دولار في الشهر الواحد بعد حرب روسيا على أوكرانيا مقارنة بنحو 5 مليارات دولار، بحسب وزير المالية المصري محمد معيط.
وأضاف محمد معيط -في تصريحات صحفية- “نتوقع إيرادات هذا العام بقيمة 1.518 تريليون جنيه (82 مليار دولار)، بينما المصروفات 2.071 تريليون جنيه (112 مليار دولار) والعجز المالي 558 مليار جنيه (31.8 مليار دولار)”.
ماذا يعني تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية؟
هوى صافي الأصول الأجنبية (النقد الأجنبي) في البنوك المصرية إلى سالب 305.1 مليارات جنيه (16.2 مليار دولار) في مايو/أيار الماضي للشهر الثامن على التوالي، كما تراجعت حيازات الأجانب من أذون الخزانة المصرية إلى 180.5 مليار جنيه (9.62 مليارات دولار) بنهاية أبريل/نيسان الماضي.
وهو ما فسّره الخبير المصرفي شريف عثمان “بانكشاف مراكز البنوك من النقد الأجنبي بعد أن قامت البنوك ببيع الدولار ولم تستطع تغطية تلك المراكز المفتوحة مجددا نتيجة ارتفاع سعر شراء الدولار وقلة المعروض”.
وأوضح الباحث الذي يعيش في الولايات المتحدة للجزيرة نت، أن استمرار تراجع صافي الأصول الأجنبية يزيد الطلب على الدولار وبالتالي يولد ضغوطا متواصلة على الجنيه المصري حتى أنه وصل إلى أقل سعر له أمام الدولار في 6 سنوات.
واعتبره عثمان مؤشرا على استمرار تراجع الجنيه أمام الدولار مستقبلا ما لم تغلق البنوك تلك المراكز المكشوفة، وحتى تفعل ذلك ستتكبد خسائر مالية كبيرة؛ لأنها سوف تضطر لشراء الدولار بسعر أعلى.
ما وضع السندات السيادية المصرية؟
في غضون ذلك تواجه السندات السيادية الدولارية للحكومة المصرية ضغوطا جديدة في ظل ارتفاع مؤشر الدولار في الأسابيع القليلة الماضية بالتزامن مع ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأميركية.
وشهدت السندات السيادية الدولارية المصرية موجة بيع قوية نهاية الشهر الماضي، ما أدى إلى تراجع أسعارها وارتفاع العائد عليها وتراجعت السندات ذات الآجال الطويلة بما يصل إلى 1.3 سنت لتسجل مستوى قياسياً جديداً، وفقًا لبيانات “تريد ويب”.
وأفادت البيانات بأن السندات التي يحل أجلها في 2040 انخفضت 57.5 سنتا، فيما جرى تداول العديد من الإصدارات الأخرى بانخفاضات ما بين 60 و65 سنتا، وسط توقعات بأن ترفع مصر العائد على السندات الدولارية مجددا لمواجهة ارتفاع نظيرتها الأميركية وجذب المستثمرين.
كيف يبدو مستقبل السندات السيادية المصرية؟
يقول الخبير الاقتصادي هاني توفيق إن السندات المصرية انخفضت بنحو 55% من قيمة السندات الدولارية السيادية، إلا أنه اعتبرها فرصة ذهبية لكن “للواثقين” في قدرة الاقتصاد المصري على المدى الطويل.
وأضاف توفيق في منشور له على صفحته الشخصية فيسبوك أنه “يمكن شراء السندات الآن وتحقيق عائد يقدر بنحو 13% سنويا على الدولار.. يا بلاش”.
فيما توقع الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأميركية هاني جنينة أن “ترفع الحكومة الفائدة على السندات الدولية الجديدة لتتراوح بين 10% و12%، لجذب المستثمرين، وتقلل تخوفهم من مخاطر الاستثمار بها واحتمال التعثر في السداد”.
سعر الفائدة الحقيقي
رغم أن مصر كانت أعلى بلد به معدل فائدة حقيقي في العالم، فإن سعر الفائدة الحقيقي أصبح بالسالب نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، بحسب تصريحات وزير المالية المصري الذي تحدث عن هروب “الأموال الساخنة”، مؤكدا ضرورة الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتبلغ أسعار الفائدة حاليا 11.25%، و12.25%، و11.75%، على أسعار عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي، بعد قرار البنك تثبيت أسعار الفائدة نهاية الشهر الماضي عقب عدة ارتفاعات متتالية.
وخرجت استثمارات أجنبية في أذون الخزانة المصرية بنحو 55 مليار دولار على مدار 4 سنوات، منذ 2018 الذي شهد خروج 15 مليار دولار أثناء أزمة الأسواق الناشئة و20 مليار دولار بسبب جائحة كورونا خلال 2020، في حين تسببت الحرب الروسية الأوكرانية بخروج 20 مليار دولار في 2022.
وأقر وزير المالية المصري بأن الأموال الساخنة واستثمارات الأجانب في أذون الخزانة على نحو خاص لا يمكن الاعتماد عليها من أجل بناء اقتصاد قوي ومن الخطأ التعامل معها باعتبارها استثمارات حقيقية، مؤكدا أن “الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة، لأنها تأتي من أجل العائد الكبير فقط.. مصر يجب أن تتعلم الدرس”.
روشتة الحكومة للخلاص
وتتلخص خطة الحكومة المصرية للخروج من الأزمة في الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر والعمل على تعزيز دور القطاع الخاص والاعتماد على الاقتصاد الحقيقي وتحسين بيئة العمل والاستثمار من أجل جذب المستثمرين والعمل على قطاعات يمكنها حماية الاقتصاد بالفعل.
ومن أجل تحقيق ما سبق أطلقت الحكومة المصرية مؤخرا، وثيقة “سياسة ملكية الدولة” من أجل إعادة الثقة إلى مناخ الاستثمار المحلي وجذب المستثمرين الأجانب من خلال التخلي عن سيطرتها على بعض القطاعات الاقتصادية أو تخفيفها في البعض الآخر.
وكذلك مضاعفة حصة القطاع الخاص إلى أكثر من 65% من الاقتصاد بدلًا من حصته الحالية التي تمثل 30%، حيث أعدت الحكومة أصولًا ومشاريع بقيمة 40 مليار دولار من أجل طرحها للبيع للقطاع الخاص أو للشراكة معه خلال السنوات الثلاث المقبلة.
جدوى بيع أصول الدولة للعبور من الأزمة
ينقسم المصريون حول جدوى بيع بعض الأصول لمواجهة ارتفاع تكاليف الاقتراض من الأسواق الدولية بين مؤيد ومتحفظ، إذ يرى رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ هاني سري الدين، أن “ذلك يدل على ثقة المستثمرين الأجانب وخاصة العرب فى مستقبل الاقتصاد المصري”.
وأوضح سر الدين -وهو نائب رئيس حزب الوفد- في مقال له أن بيع الأصول يُمثل بديلاً أقل مخاطر من الاقتراض بالسندات الدولارية للحصول على العملة الصعبة، وهو فى ظني الخيار الأفضل في الوقت الحالي.
في المقابل، يعرب رئيس الهيئة العامة للاستثمار ورئيس هيئة الرقابة المالية سابقا الدكتور زياد بهاء الدين عن عدم ارتياحه لتلك الخطوة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وبرر –في مقال سابق له– سبب عدم الارتياح “بعدم إمكان تجاهل أن البيع يتم في ظروف اقتصادية عالمية ومحلية غير مواتية للبائعين وفي مصلحة المشتري القادر على اقتناص فرص عظيمة بأسعار متدنية، وعلى اختيار ما يحلو له من الشركات المصرية الناجحة”.
ومن أجل دعم التحول نحو الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد المصري، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي -منتصف الشهر الماضي- دول الخليج إلى تحويل ودائعها لدى البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة.
تأتي هذه الدعوة ضمن خطط الحكومة المصرية للاعتماد على الاستثمار الحقيقي في اقتصاد البلاد بدلا من الاعتماد على الودائع والأموال الساخنة التي زادت من غلة الديون الخارجية إلى 145.5 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي.
المصدر : الجزيرة