مجتمع الميم في لبنان يؤمن بأن من حقه أن يعيش مع بقية الناس في بلاده التي من واجب حكوماتها أن تحميه من الاعتداءات التي يتعرض لها، إلا أن الواقع عكس ذلك إذ تؤجج الحكومة خطاب الكراهية ضد الفئات المهمشة لتشتت انتباه الشعب عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيش فيها.
كريم شيهيب
بيروت – لم يشعر نور قط بالأمان التام بصفته من أفراد مجتمع الميم في لبنان. لكن الصيدلي البالغ من العمر 25 عاما بدأ في التخلي عن حذره خلال السنوات القليلة الماضية، والتقى بأصدقائه في أماكن صديقة لمجتمع الميم في بيروت حتى أنه شارك في عروض الدراغ التي تتميز بالممثلين بلباس النساء.
لكنه يخيّر اليوم البقاء في المنزل، خوفا على سلامته بعد موجة خطاب الكراهية ضد مجتمع الميم إثر قرار وزارة الداخلية اللبنانية الشهر الماضي إيقاف أي حدث يهدف إلى الترويج لـ”الشذوذ الجنسي”.
وجاء القرار ضمن حملة أوسع على الفئات المهمشة والحريات، يقول ناشطون إنها تهدف إلى تشتيت انتباه الجمهور عن الأزمة الاقتصادية والمالية المتصاعدة في لبنان، والتي دفعت أكثر من ثلاثة أرباع السكان إلى براثن الفقر.
ولا يزال الملايين في الدولة ذات الدخل المتوسط يكافحون مع ارتفاع معدلات التضخم وانقطاع التيار الكهربائي المتفشي ونقص الأدوية، بينما غادر عشرات الآلاف البلاد بحثا عن فرص لحياة أفضل.
قوات الأمن قمعت مؤخرا العديد من الأحداث المرتبطة بمجتمع الميم، مما أجبر منظميها على الاستسلام في نهاية المطاف
وقال نور، الذي طلب استخدام اسم مستعار لأنه لا يريد أن تتعرف عائلته عليه، لوكالة الأسوشيتد برس، “شعرت حقا بأنهم يريدون صرف انتباه الجماهير عن كل ما يجري والتركيز على هذا الموضوع الساخن”.
وقمعت قوات الأمن منذ ذلك الحين العديد من الأحداث المرتبطة بمجتمع الميم، مما أجبر منظميها على الاستسلام في نهاية المطاف. كما نظمت زيارة إلى مكاتب “حلم”، وهي أول منظمة غير حكومية للدفاع عن المثليين في لبنان والمنطقة العربية، وطلبت أوراق تسجيل الجمعية ووثائق أخرى.
وجاءت هذه الخطوة إثر شكاوى من مسؤولين دينيين معارضين لمجتمع الميم، حيث لا يرون أنه يتماشى مع العادات اللبنانية. وقالت وزارة الداخلية في بيان لها في 24 يونيو إن الأحداث الداعمة لمجتمع الميم تنتهك عادات المجتمع وتقاليده وتتعارض مع مبادئ الأديان الإبراهيمية.
وانتقد طارق زيدان، المدير التنفيذي لجمعية حلم، التصريح قائلا إنه “يحرض اللبنانيين ضد بعضهم البعض. كان من الواضح أنه كان قرارا مقصودا يهدف إلى خلق ذعر أخلاقي لصرف الانتباه عن الكارثة السياسية والاقتصادية العامة التي يعيشها لبنان اليوم”.
ويعاني لبنان منذ أواخر سنة 2019 من أزمة اقتصادية خانقة يقول البنك الدولي إنها من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وقد خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، ويكافح الكثير من السكان لمواجهة ارتفاع أسعار وقود الديزل والبنزين والأدوية والمواد الغذائية.
ويرى مواطنون وخبراء أن عقودا من سوء الإدارة المالية وفساد النخبة الحاكمة الراسخة هما ما سببا الأزمة في لبنان. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن الانتكاسة الأخيرة لمجتمع الميم هي جزء من حملة قمع أوسع للحقوق والحريات المدنية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية.
وفي مايو، انفجر غضب رجال الدين بعد أن روّج مشرعون منتخبون مؤخرا وجماعات مناصرة للزواج المدني وقوانين الأحوال الشخصية المستقلة عن المحاكم الدينية.
وفي الشهر الماضي، مثلت الفنانة الكوميدية والناشطة الحقوقية شادن فقيه أمام المحكمة العسكرية. واتهِمت بالمسّ بسمعة قوى الأمن الداخلي وتحقيرها. وجاء الاتهام بسبب نشرها اتصالا فكاهيا أجرته خلال فترة الحجر الصحي طلبت فيه إذنا للخروج من المنزل لشراء الفوط الصحية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الحكومة اللبنانية أنها تجري محادثات مع سوريا بشأن خطة عودة قسرية للاجئين لأكثر من مليون سوري في البلاد. ويقول بعض النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان إن السلطات اللبنانية تحاول العثور على كبش فداء لأنها تعطل التحقيقات المرتبطة بمجموعة من الجرائم المالية وتفجير ميناء بيروت في 2020 وتصاعد حالات العنف الأسري والاعتداء الجنسي.
وقالت آية مجذوب، وهي باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش، لوكالة أسوشيتد برس “تبدو الدولة غير راغبة أو غير قادرة على قمع انتهاكات الحقوق الجسيمة مثل الفساد والتعذيب وخطاب الكراهية. ولكنها تتحرك بسرعة كبيرة تحت ضغط من المؤسسات الدينية وغيرها من المؤسسات القوية في البلاد لقمع حقوق الفئات المهمشة”.
واستجاب السكان أنفسهم في بعض الحالات للزعماء الدينيين. ففي حي الأشرفية الذي تقطنه أغلبية مسيحية، أفسدت منظمة مسيحية تطلق على نفسها اسم “جنود الرب” لوحة إعلانية تروج لأحداث شهر الفخر (برايد) الذي يحتفل به المثليون في يونيو من كل سنة. وتجمع سكان منطقة الطريق الجديدة السنية لإدانة أحداث مجتمع الميم وأنصارهم، متهمين إياهم بـ”التسلل” إلى مجتمعهم.
◙ منظمات حقوق الإنسان تقول إن الانتكاسة الأخيرة لمجتمع الميم هي جزء من حملة قمع أوسع للحقوق والحريات المدنية إلى جانب الأزمة الاقتصادية
وتعاطف القس عبدو أبوكسم، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، مع المحتجين الغاضبين، رغم معارضته لأي عنف وتنمر. وقال، “لديك حريتك في المنزل، لكن لا يمكنك الترويج لذلك في المجتمع لأنه في الواقع ضد الطبيعة. ينص القانون على ذلك ويلتزم جميع اللبنانيين به”. واعتبر أن الاحتجاجات الغاضبة كانت رد فعل.
وعلى الرغم من المعركة المستمرة التي تحارب التمييز وسوء المعاملة، فإن مجتمع الميم اللبناني هو الأكثر حيوية وانفتاحا في العالم العربي وقد حقق مكاسب كبيرة في السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من أن المثلية الجنسية لا تزال تعتبر جريمة، إلا أن في البلاد مجموعات نشطة للدفاع عن مجتمع الميم، بالإضافة إلى الحانات والنوادي التي تقدم خدماتها إلى أفراده بشكل علني.
لكن نور وأصدقاءه يتجنبون الاجتماع في أماكنهم المعتادة خوفا من المداهمات والمضايقات. وأوضح قائلا، “لدينا مجموعة على واتساب. وعندما يخرج شخص ما، نعلم بعضنا البعض مع توقيت العودة إلى المنزل المتوقع”.
ومع استمرار تدهور الاقتصاد اللبناني، يخشى النشطاء أن تواصل السلطات استهداف الفئات المهمشة لتشتيت الانتباه عن القضايا الملحة. وقال طارق زيدان، “نشهد بدايات هجوم شامل لأن هذا النظام الحاكم بدأ يخشى أن يفقد السيطرة. ما نقوله بصوت عالٍ وواضح هو أنهم يستهدفوننا جميعا. لاحقوا اللاجئين ولم يهتم أحد. ثم بدؤوا يحاربون مجتمع الميم ولم يهتم أحد أيضا”.
العرب