الكويت – قالت أوساط سياسية كويتية إن تأخر إصدار المرسوم الأميري بتكليف الشيخ محمد صباح السالم رئيسا للوزراء يعود إلى تمسكه بالحصول على الضمانات التامة التي تمكنه من أن يؤدي مهمته على أكمل وجه قبل موافقته على ترشيحه لرئاسة الحكومة في الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، وهو ما أربك دوائر النفوذ داخل الأسرة الحاكمة التي تريد شخصية مطواعة تحركها كما تريد.
وكشفت هذه الأوساط عن أن الشيخ محمد صباح السالم، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق، لم يرفض التكليف من حيث المبدأ، لكنه تمسك بتغيير قواعد لعبة الحكم الحالية القائمة على الترضيات والمحاصصة بين مختلف الأطراف الفاعلة سواء داخل الأسرة الحاكمة أو خارجها، وأنه اشترط أن يكون المسؤول الأول عن الحكومة وتركيبتها، وهو ما سيؤهله لأن يسير على خطى رؤساء الوزراء الأقوياء في الكويت مثل عبدالله السالم ووالده صباح السالم وجابر الأحمد وسعد العبدالله السالم.
وأثار تأخر الإعلان عن تعيين الشيخ محمد صباح السالم رئيسا للحكومة، بالرغم من انتشار الخبر وتحوله إلى معلومة عامة بين الكويتيين، اهتمام الشارع الكويتي وسط دعوات واسعة إلى الاستمرار في جهود إقناع الرجل، وهو المرشح الرسمي والشعبي، وعدم ترك المسؤولية لشخصية أخرى بلا تجربة أو شخصية تكون عاجزة عن الوقوف بقوة في وجه المتسببين باستمرار الانسداد السياسي في الكويت.
الأسرة الحاكمة تحتاج إلى محمد صباح السالم وتاريخه وتاريخ والده ومصداقيته بين الكويتيين من أجل ضبط الوضع
ويقول متابعون للشأن الكويتي إن الأسرة الحاكمة في البلد بدأت تفهم أن من مصلحتها التوقف عن اللعبة السياسية القائمة على توتير الوضع وتعقيد الأزمة وتحريك الدمى من وراء الستار، ولهذا تحتاج إلى محمد صباح السالم وتاريخه وتاريخ والده ومصداقيته بين الكويتيين من أجل إعادة ضبط الوضع على أسس سليمة.
ويضيف المتابعون أن الشيخ محمد صباح السالم يعرف أن من يسعون لتكليفه في حاجة إليه لإنقاذ الوضع، ولأجل هذا يضع سلسلة من الشروط القاسية والحاسمة التي من شأن القبول بها أن يساعده على خوض معركته ضد المتسببين بالأزمة من موقع قوة.
وكانت صحيفة “القبس” الكويتية قد عزت الأربعاء أسباب تأخر عملية التعيين إلى رفض الشيخ محمد صباح السالم تشكيل حكومة قصيرة العمر وكذلك “مطالبته بضمانات قاطعة بعدم التدخل في التشكيل الوزاري أو فرض المحاصصة أو أسماء الوزراء الشيوخ”.
وخلال الأيام الماضية تعامل الكويتيون بتفاؤل كبير مع خبر تعيين الشيخ محمد صباح السالم رئيسا للحكومة، معتبرين أنه الرجل المناسب لتشكيل حكومة كويتية في مستوى انتظاراتهم.
وكانت أوساط سياسية كويتية قد قالت لـ”العرب” في عدد سابق إن “تعيين الشيخ محمد صباح السالم رئيسا للحكومة أمر متوقع ضمن التوازنات الداخلية للأسرة الحاكمة، خاصة أن الأزمة السياسية التي كانت في ظاهرها صراعا بين الحكومة والبرلمان مثلت -في أحد جوانبها- استعراضًا للقوة بين مكونات الأسرة الحاكمة لاسيما ممن لم يحصلوا على المناصب التي سعوا لها وجنحوا إلى التمترس وراء نواب من البرلمان لإدامة الأزمة”.
الشيخ محمد صباح السالم يطالب بضمانات قاطعة بعدم التدخل في التشكيل الوزاري أو فرض أسماء وزراء
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الاختيار يحمل بصمة ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي يعمل على تثبيت أركان الحكومة بعد سنوات من تشكيلها واستقالتها من جهة، ومن جهة ثانية يسعى لقطع الطريق على مجموعات من الأسرة الحاكمة -وبعضها من فرع الجابر- تستعين كيديًّا بأعضاء من مجلس الأمة للنيل من هيبة الحكومة والدولة.
وسيحل تعيين الشيخ محمد صباح السالم رئيسا للحكومة، بالرغم من تأخر الإعلان عنه، مشكلة مهمّة تعاني منها الكويت تتمثّل في مستقبل جناح السالم في الأسرة الحاكمة واستمرار استبعاده من موقع الأمير بعدما كان هناك توافق على المداورة بين جناح السالم وجناح الجابر.
وحدثت القطيعة بالتداول بين فرعي الأسرة الحاكمة بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد وتولي الشيخ سعد العبدالله السالم الحكم لفترة قصيرة قبل أن يتم عزله بدواعي المرض لصالح الشيخ صباح الأحمد الجابر.
وبعد وفاة الشيخ صباح الأحمد تم اختيار الشيخ نواف الأحمد أميرا للبلاد والشيخ مشعل الأحمد وليا للعهد.
ويحوز استرضاء جناح السالم -عبر تعيين الشيخ محمد صباح (67 عاما)، خريج جامعة هارفارد وابن الأمير السابق الشيخ صباح السالم، رئيسا للوزراء- دعمَ جناح السالم، كما يلقى دعما من بقية مكونات الأسرة الحاكمة ومن بعض النواب الذين يراهنون على أن استلامه لرئاسة الحكومة سيساهم في تجاوز حالة الانسداد السياسي في البلد.
وأدى الاحتقان السياسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى تعطيل الإصلاحات المالية المهمة. كما تعطلت كل خطوات الإصلاح الاقتصادي التي يرفضها أغلب النواب، ويصرون على أن على الحكومة أولا أن تبذل جهودا في محاربة الفساد وإيقاف ما يصفونه بهدر الأموال العامة.
وشهدت العلاقة بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة السابقة برئاسة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح حالة احتقان سياسي حاد، منذ أدائها اليمين الدستورية. وتعرض رئيس الحكومة -الذي اضطر إلى الاستقالة- لثلاثة استجوابات متتالية، استهدفت المعارضة من خلالها وزراء في الحكومة، بمعدل استجواب كل شهر تقريبا.
وشكل هذا البرلمان تحديا حقيقيا للحكومة التي عانت من أزمات اقتصادية وسياسية في ظل جائحة كورونا، ومن انخفاض أسعار النفط قبل أن ترتفع في الأشهر الأخيرة.
وأعلن الشيخ مشعل -الذي يتولّى معظم صلاحيات أمير البلاد- في يونيو الماضي حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات عامة جديدة وفقا للدستور.
وقال وليّ العهد الكويتي “قررنا مضطرين ونزولا عند رغبة الشعب.. واستنادا إلى حقنا الدستوري المنصوص عليه في المادة 107 من الدستور أن نحل مجلس الأمة حلا دستوريا والدعوة إلى انتخابات عامة”.
وهذا هو أول حل للبرلمان في عهد أمير الكويت الحالي الشيخ نواف الذي تولى الحكم في سبتمبر 2020 بعد وفاة أخيه الشيخ صباح الأحمد الصباح. وكانت آخر مرة تم فيها حل البرلمان عام 2016.
لكن مراقبين قالوا إن هذه الخطوة تظل منقوصة طالما أنها لم تحل عقدة البرلمان وإزعاجه، وإن الوضع سيعود كما هو بعد الانتخابات المبكرة وبالأساليب نفسها حتى وإن تغيرت بعض الوجوه.
العرب