تعم حالة من الغضب الشارع العراقي على خلفية هجوم تركي على منتجع سياحي في شمال البلاد خلف ضحايا مدنيين بينهم نساء وأطفال، وسط شكوك في إمكانية أن تقدم بغداد على اتخاذ إجراءات رادعة بحق أنقرة التي تبدو مطمئنة لهذا الأمر.
بغداد – شيع العراق الخميس الضحايا المدنيين التسع الذين سقطوا في قصف تحمّل السلطة المركزية في بغداد أنقرة المسؤولية عنه، وسط حالة من الغضب والحزن تعم الشارع العراقي الذي يطالب بقطع العلاقات مع تركيا بما يشمل العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وعدم الاكتفاء بالشجب والتنديد.
وفي مطار أربيل عاصمة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، أرسلت طائرة عسكرية لنقل جثامين الضحايا إلى بغداد، ونقلت التوابيت التسعة بسيارة إسعاف، بينها تابوت طفل صغير، ولفّت بالعلم العراقي وأكاليل الورود. وحمل وزير الخارجية فؤاد حسين ورئيس الإقليم نجيرفان بارزاني نحو الطائرة التابوت الصغير، قبل أن تقلع إلى بغداد.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الخميس يوم حداد وطني. وأغلب الضحايا من وسط وجنوب البلاد، يتوجهون إلى المناطق الجبلية في كردستان المحاذية لتركيا هرباً من الحرّ.
متظاهرون عراقيون يحرقون الأعلام التركية، رافعين صوراً للرئيس رجب طيب أردوغان كتب عليها “إرهابي”
وأعربت الكثير من الدول الغربية والعربية عن إدانتها للهجوم على غرار الولايات المتحدة وألمانيا ومصر والكويت والبحرين، حيث طالبت هذه الدول بضرورة فتح تحقيق في القصف، وشددت على أهمية احترام سيادة العراق.
واتهم العراق القواّت التركية بشنّ القصف الدامي الذي أصاب الأربعاء منتجعاً سياحياً في قضاء زاخو من محافظة دهوك، يقصده الآلاف من العراقيين.
ومن بين الضحايا الذين سقطوا أطفال ونساء، وأحدهم لم يمض على زفافه سوى خمسة أيام وكان أتى إلى المنتجع لقضاء شهر العسل.
ونفت أنقرة مسؤوليتها عن الهجوم متهمةً مقاتلي حزب العمال الكردستاني بالمسؤولية عنه، وهو تنظيم تصنّفه تركيا وحلفاؤها الغربيون “إرهابيّا”، ويشنّ تمرداً ضدّها منذ العام 1984.
وتشنّ أنقرة، التي تقيم منذ خمس وعشرين عاماً قواعد عسكرية في شمال العراق، مراراً عمليات عسكرية ضدّ متمردي حزب العمال الذي يملك مخيمات تدريب وقواعد خلفية له في المنطقة.
وتزيد العمليات العسكرية التركية في شمال العراق الضغط على العلاقات بين أنقرة والحكومة المركزية العراقية التي تتهم تركيا بانتهاك سيادة أراضيها، رغم أنّ البلدين شريكان تجاريان هامّان.
وغالباً ما تستدعي بغداد السفير التركي إلى وزارة الخارجية للاحتجاج، لكن ذلك يبقى معظم الوقت دون نتيجة.
وطالب أعضاء في مجلس النواب العراقي الخميس بطرد السفير التركي في بغداد علي رضا كوناي، وسحب نظيره العراقي من أنقرة وإيقاف عملية التبادل التجاري بين البلدين.
وقال النائب المستقل محمد النوري في مؤتمر صحافي عقد في البرلمان بمشاركة عدد من النواب “نطالب برد فعلي على الانتهاكات التركية وطرد السفير التركي في العراق وسحب السفير العراقي من أنقرة”.
ودعا عدد من النواب المشاركين في المؤتمر إلى ضرورة قطع عملية التبادل التجاري مع الجانب التركي ومقاطعة البضائع التركية، قائلين “نحن سوف نقدم مقترح قانون لتنظيم العلاقات العراقية – التركية”.
وأكدوا “نحن ماضون بعقد جلسة طارئة وتم جمع أكثر من 100 توقيع وستقدم إلى رئيس المجلس لعقد الجلسة في أقرب وقت ممكن”.
وكان 91 نائباً عراقياً طلبوا عقد جلسة برلمانية لمناقشة الهجوم التركي بحضور رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ويرى مراقبون أن الحكومة العراقية في موقف صعب وهي تبدو حذرة حيال اتخاذ خطوات تصعيدية حقيقية، لاسيما وأن تركيا تملك أكثر من ورقة للضغط على العراق ومنها ملف المياه الذي هو محل خلاف طويل بين الجانبين.
ويرجح المراقبون أن تعمد الحكومة إلى احتواء حالة الغضب الراهنة، وهو ما تبدو مطمئنة إليه أنقرة التي تعاطت بهدوء مع ردود الفعل العراقية.
وتظاهر العشرات صباح الخميس أمام مركز لمنح تأشيرات دخول إلى تركيا، وسط إجراءات أمنية مشددة، مطالبين بطرد السفير التركي من العراق.
وبُثّت أغان وطنية عبر مكبّرات صوت، فيما رفع بعض المتظاهرين لافتة كتب عليها “أنا عراقي، أطلب طرد السفير التركي من العراق”.
ومن بين المتظاهرين علي ياسين (53 عاماً) الذي قال “تركيا والسفارة التركية نقول لهم يكفي”، مضيفاً “السلمية لا تفيد. حرق السفارة التركية مطلبنا بعد أن نخرج السفير التركي لأن حكومتنا لا ترد وغير قادرة”.
وجرت تظاهرات مماثلة ليل الأربعاء في مناطق مختلفة من البلاد أمام مراكز منح تأشيرات الدخول، مثل كركوك شمالاً، والنجف وكربلاء، أكبر مدن جنوب العراق.
وحرق المتظاهرون الأعلام التركية، وقاموا بدوسها، رافعين صوراً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كتب عليها “إرهابي”.
وغالباً ما تأتي هذه التحركات بمبادرة من التيار الصدري، تيار الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة.
وصعّدت بغداد ليل الأربعاء النبرة بمطالبتها بانسحاب الجيش التركي من أراضيها. كما أعلنت السلطات العراقية استدعاء القائم بأعمالها من أنقرة “وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا”، بحسب بيان رسمي.
وجاء التنديد مباشراً من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي ندّد بارتكاب “القوات التركية مجدداً انتهاكاً صريحاً وسافراً للسيادة العراقية”، في حين أعرب رئيس الجمهورية برهم صالح عن استنكاره لـ”القصف التركي”، معتبراً أنه “يُمثل انتهاكاً لسيادة البلد وتهديداً للأمن القومي العراقي”.
وقدّمت السفارة التركية على حسابها في تويتر “العزاء على إخوتنا العراقيين الذين استشهدوا على يد منظمة بي كاكا الإرهابية”.
من جهتها اعتبرت الخارجية التركية أنّ “مثل هذه الهجمات” تقوم بتنفيذها “منظمات إرهابية”، داعية في بيان العراق إلى “ألّا يقوم بإعلانات تحت تأثير البروباغندا الإرهابية”، في رد عدّ استفزازيا وساهم في تأجيج الغضب الشعبي في العراق.
ويتعرض العراق منذ سنوات لانتهاكات متكررة من قبل جارتيه تركيا وإيران، في ظل عجز العراق عن المواجهة وفرض سيطرته على أراضيه، ويعود ذلك إلى ارتهان القوى السياسية المشكلة للمنظومة العراقية لهتين القوتين، فضلا عن حالة الضعف التي تعاني منها القوات العسكرية والأمنية.
ويرى المراقبون أن فرض السيادة العراقية يستوجب تغيير كامل المنظومة الحالية، بغير ذلك ليس من المنتظر رؤية عراق مستقل حقيقة أو يتمتع بسيادته على أراضيه.
العرب