ارتفاع أسعار الطاقة ينعكس على حجم الواردات والأمن الغذائي في العالم

ارتفاع أسعار الطاقة ينعكس على حجم الواردات والأمن الغذائي في العالم

“تقرير جديد للأمم المتحدة عن توقعات الأغذية والأزمة المقبلة”

الباحثة شذى خليل*
وفقًا لتقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة من المتوقع أن ترتفع الفاتورة العالمية للواردات الغذائية بما قدره 51 مليار دولار أمريكي مقارنة بعام 2021، منه 49 مليار دولار أمريكي نتيجة ارتفاع الأسعار. و أن تشهد أقل البلدان نموًّا انكماشًا بنسبة 5 في المائة في فاتورة وارداتها الغذائية هذا العام، بينما من و أن تسجّل كل من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومجموعة البلدان النامية المستوردة الصافية للأغذية زيادة في مجموع تكاليفها رغم انخفاض الكميات المستوردة.
أزمة طاقة:
كما هو معروف ان الاقتصاد العالمي قادر إلى حد كبير على تحمل ارتفاع أسعار الطاقة حتى الآن. لكن الأسعار قد تستمر في الارتفاع إلى مستويات غير مستدامة حيث تحاول أوروبا أن تنأى بنفسها عن النفط الروسي، وربما الغاز، قد يؤدي نقص الإمدادات إلى بعض الخيارات الصعبة في أوروبا، بما في ذلك التقنين.
اكد جو ماكمونيجل، الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي، إنه يتفق مع هذه التوقعات المحبطة من وكالة الطاقة الدولية، وأضاف ما نصه “لدينا مشكلة خطيرة في جميع أنحاء العالم، أعتقد أن صانعي السياسة قد استيقظوا للتو، إنها نوع من العاصفة القوية.”
سيكون لتلك العاصفة عواقب واسعة النطاق، مما قد يهدد الانتعاش الاقتصادي من كوفيد_ ١٩، وبالتالي يساهم في تفاقم التضخم، ويؤجج الاضطرابات الاجتماعية ويقوض الجهود المبذولة لإنقاذ الكوكب من الاحتباس الحراري.
وقال روبرت ماكنالي الذي شغل منصب كبير مستشاري الطاقة للرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش: “إنها أزمة مؤسف أن العالم غير مستعد لها.” وأنّ “هذه مؤشرات تنذر بالخطر من منظور الأمن الغذائي حيث أنها تدلّ على أنّ المستوردين سيجدون صعوبة في تمويل ارتفاع التكاليف الدولية، ما قد يؤدي إلى تراجع قدرتهم على الصمود أمام ارتفاع الأسعار”.
اما خبراء ومديرو شركات شحن عالمية، قالوا إن أسعار الشحن تتجه نحو مزيد من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة بفعل هذه العوامل، وأضافوا أن أسعار الوقود والتوترات السياسية والتحديات الاقتصادية كالتضخم مثلاً، دفعت أسعار بوليصات الشحن وخاصة البحري منه إلى مزيد من الارتفاعات القياسية، في خضم تلاشي العالم لقيود جائحة «كورونا» التي تسببت بدورها في نقص حاد بالحاويات البحرية، وإغلاقات تجارية حدَت بدورها وأبطأت من سلسلة التوريد والإمداد من دول المنشأ نحو بقية دول العالم.
حيث ارتفعت أسعار الشحن والخدمات اللوجستية في الدول العربية مثلا بمقدار 3 إلى 4 أضعاف خلال العامين الماضيين، أسوة بالمتغيرات العالمية، ويعود هذا الارتفاع نتيجة عدة عوامل ساهمت كلها في الازدياد المطرد في مؤشرات وتحركات أسعار الشحن، واهمها الإغلاقات التجارية التي تسببت فيها جائحة «كورونا» وكان لها الأثر الكبير في هذا الارتفاع.
وكذلك أسعار الوقود التي قفزت بدورها في الفترة الأخيرة ومدى الارتباط الكبير نتيجة للتوترات الجيوسياسية في مناطق جغرافية عالمية، سرّعت من وتيرة الارتفاع الكبير في أسعار ومؤشرات الشحن، حيث من المعلوم أن الوقود هو جزء أساسي ومهم في أي دورة اقتصادية ومن بينها العمليات التشغيلية لسلسلة الإمداد والنقل، ناهيك عن الموجة التضخمية العالمية التي يشهدها العالم ونتيجة لارتفاع التكلفة الأولية للصناعات المتعددة، كل تلك الأسباب، خلقت جواً نحو التوجهات العالمية في ارتفاع أسعار الشحن.
خبراء اكدوا انه نظرا إلى الارتفاع الحاد في أسعار المدخلات، والشواغل المتعلقة بأحوال الطقس، وزيادة أوجه انعدام اليقين في الأسواق الناشئة عن الحرب في أوكرانيا، تشير وفقا لأحدث توقعات المنظمة إلى احتمال انحسار أسواق الأغذية وتسجيل الفواتير العالمية للواردات الغذائية لمستوى قياسي جديد”.
وكانت قد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو”، أن الفاتورة العالمية للواردات الغذائية على وشك تسجيل رقم قياسي جديد قدره 1.8 تريليون دولار العام الجاري، بيد أن القسم الأكبر من هذه الزيادة المتوقعة يعزى إلى ارتفاع الأسعار وتكاليف النقل، أكثر من حجم الواردات نفسها.
ومن المتوقع أن ترتفع الفاتورة العالمية للواردات الغذائية بما قدره 51 مليار دولار، مقارنة بعام 2021، منه مبلغ 49 مليار دولار نتيجة ارتفاع الأسعار.
وقالت المنظمة في تقريرها الصادر عن توقعات الأغذية إن “العديد من البلدان الضعيفة تتكبد تكلفة أكبر ولكنها تحصل على كميات أقل من الأغذية، وهو أمر مقلق”.
و أن من المتوقع ان تسجل اقل البلدان نموا انكماشا 5 في المائة في فاتورة وارداتها الغذائية هذا العام، بينما من المتوقع أن تسجل كل من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومجموعة البلدان النامية المستوردة الصافية للأغذية زيادة في مجموع تكاليفها رغم انخفاض الكميات المستوردة.
ويشير التقرير إلى أن “هذه مؤشرات تنذر بالخطر من منظور الأمن الغذائي، حيث إنها تدل على أن المستوردين سيجدون صعوبة في تمويل ارتفاع التكاليف الدولية، ما قد يؤدي إلى تراجع قدرتهم على الصمود أمام ارتفاع الأسعار”.

المدخلات الزراعية والتوقعات المستقبلية
وتشير التقارير أن عدد سكان العالم سيصل إلى نحو 9.7 مليار نسمة في العام 2050، ويواجه العالم خلال هذا المستقبل المنظور، ثلاثة تحديات؛ ندرة المياه، إذ سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني من نقص المياه بحلول العام 2025، ونقص الغذاء الذي عانى منه 821 مليونًا في العام 2018، والتغير المناخي نتيجة زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
إلا أن الآثار السلبية لهذه الظاهرة تزداد انتشارًا بمعدلات متسارعة؛ نظرًا لارتفاع درجات الحرارة الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري، في حين يؤكد مختصون أن العامل البشري ساهم بتسريع زحف الصحارى إلى المناطق الخضراء.
إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية – وارتفاع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية ليسجّل أعلى مستوى له على الإطلاق، وارتفاع أسعار عدة مواد غذائية أساسية خلال العام الماضي – تشهد القطاعات الزراعية قيودًا على الإمدادات بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات، ولا سيما الأسمدة والوقود، ما قد يحفّز ارتفاع أسعار الأغذية.
وغالبًا ما تكون أسعار المواد الغذائية المرتفعة نعمةً للمنتجين، بما أنها تؤدي إلى ارتفاع أرباح المزارع. ولكنّ الارتفاع السريع في تكاليف المدخلات بالتزامن مع ارتفاع تكاليف الطاقة والقيود التي تفرضها جهات فاعلة رئيسة في القطاع على صادرات الأسمدة الرئيسة، يعوّض بأشواط عن هذه الأرباح، وفي حال طال أمد هذه الفترة، سيطرح ذلك مخاوف بشأن ما إذا كانت الاستجابات على مستوى الإمدادات سريعة وكافية على السواء.
ان “الارتفاع الحاد في أسعار المدخلات يطرح تساؤلات عمّا إذا كان المزارعون في العالم قادرين على تحمّل كلفة هذه المدخلات”.
فقد يقلّص المزارعون من استخدام هذه المدخلات أو ينتقلون إلى زراعة محاصيل لا تعتمد على الاستخدام المكثّف للمدخلات، الأمر الذي لا يقلّل من إنتاجيتهم فحسب، بل يؤثر أيضًا سلبا على صادرات المواد الغذائية الرئيسة إلى الأسواق الدولية، ما يزيد من الأعباء التي تواجهها البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على البلدان المصدّرة الرئيسة، مع الإشارة إلى أنّ بعض المزارعين في أمريكا الشمالية مثلًا ينتقلون من زراعة الذرة إلى الصويا التي تتطلّب قدرًا أقل من الأسمدة النيتروجينية.
ويسجّل اليوم المؤشر العالمي لأسعار المدخلات، وهو أداة جديدة وضعتها المنظمة في عام 2021، رقمًا قياسيًا جديدًا، وقد ارتفع بوتيرة أسرع من تلك التي سجّلها مؤشر المنظمة لأسعار الأغذية خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.
ويشير هذا إلى انخفاض الأسعار الحقيقية للمزارعين (وتراجعها) رغم ارتفاع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين. ويعيق هذا بدوره الحوافز لزيادة الإنتاج في المستقبل. ولكنّ زيادة الإنتاج تقتضي إما تراجع المؤشر العالمي لأسعار المدخلات وإما ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية بقدر أكبر، أو كلاهما معًا.
أما اليوم، واستنادًا إلى الظروف الراهنة، فإن الحالة “لا تبشّر بالخير بالنسبة إلى الاستجابة على مستوى الإمدادات التي تقودها الأسواق، والتي قد تعجز عن كبح جماح الزيادات الأخرى في أسعار المواد الغذائية للموسم 2022-2023 والموسم اللاحق ربما”، بحسب ما جاء في التقرير.
ويقول الخبراء نظرًا إلى الارتفاع الحاد في أسعار المدخلات، والشواغل المتعلقة بأحوال الطقس، وزيادة أوجه انعدام اليقين في الأسواق الناشئة عن الحرب في أوكرانيا، من المتوقع ، انحسار أسواق الأغذية وتسجيل الفواتير العالمية للواردات الغذائية لمستوى قياسي جديد”.

وقد اقترحت المنظمة إنشاء مرفق عالمي لتمويل الواردات الغذائية بهدف دعم ميزان المدفوعات للبلدان المنخفضة الدخل التي تعتمد أكثر من غيرها على الواردات الغذائية كاستراتيجية لحماية أمنها الغذائي. وتمثّل الدهون الحيوانية والزيوت النباتية أهمّ المواد المساهمة في ارتفاع قيمة فواتير الواردات المتوقعة لعام 2022، وتأتي الحبوب في مرتبة ليست ببعيدة بالنسبة إلى البلدان المتقدمة. وتعمل البلدان النامية بالإجمال على خفض وارداتها من الحبوب والبذور الزيتية واللحوم، ما يظهر عدم قدرتها على تغطية هذه الزيادة في الأسعار.
ويقدم التقرير عن توقعات الأغذية الذي يصدر مرتين في السنة، الاستعراضات التي تجريها المنظمة للعرض في الأسواق واتجاهات الطلب على المواد الغذائية الرئيسة في العالم، بما في ذلك الحبوب والمحاصيل النباتية والسكر واللحوم ومنتجات الألبان والأسماك. ويبحث هذا التقرير كذلك في الاتجاهات بأسواق العقود الآجلة وتكاليف شحن السلع الغذائية. وتتضمن النسخة الجديدة من التقرير أيضًا فصلين خاصين يتناولان دور ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، مثل الوقود والأسمدة، والمخاطر التي تطرحها الحرب في أوكرانيا على الأسواق العالمية للسلع الغذائية.
ختاما على الحكومات في جميع أنحاء العالم التفكير في اتخاذ خطوات جذرية لخفض الطلب على النفط، والاعتماد الذاتي لتطوير الزراعة ، ورفع شعار الاكتفاء الذاتي ، اما الحرب المهلكة غعليها التوقف من خلال الحلول الدبلوماسية السريعة والحازمة التي يجب أن تفضي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا والسماح برفع العقوبات عن روسيا بمثابة تغيير في أصول اللعبة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية