الحرب تعيد الغزيين للعلاج الشعبي.. مستشفيات غزة في “مهمة مستحيلة”

الحرب تعيد الغزيين للعلاج الشعبي.. مستشفيات غزة في “مهمة مستحيلة”

غزة- كانت إسراء حمدان بصدد التوجه بطفلها الرضيع محمد إلى “العيادة الخارجية” في مستشفى “الشهيد أبو يوسف النجار” بمدينة رفح بجنوب قطاع غزة، غير أنها تراجعت خشية على حياتهما، بفعل حدّة الهجمات الإسرائيلية، وبسبب توقف الخدمة الطبية للمرضى.

ولن يكون بمقدور إسراء (أم فوزي) مراجعة العيادة في الوقت الحالي، إثر قرار وزارة الصحة الفلسطينية بغزة “وقف العمل في العيادات الخارجية بكل المستشفيات الحكومية”، والتفرغ للتعامل مع الضحايا من الشهداء والجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة.

وقالت أم فوزي -للجزيرة نت- إنها لجأت إلى صيدلية صغيرة قريبة من منزلها لشراء علاج مؤقت لطفلها (5 أشهر)، إلى حين تراجع حدة العدوان الإسرائيلي والتمكن من مراجعة المستشفى الحكومي.

واستعانت الأم لـ3 أطفال، أصغرهم محمد، بوالدتها السبعينية لمساعدتها بـ”وصفة شعبية” من السوائل والأعشاب، لصغيرها الذي تعتقد أنه “يعاني من انتفاخ في البطن” تسبّب له بأوجاع وعدم قدرة على النوم.

ويتعرض قطاع غزة منذ ظهر الجمعة لهجوم عسكري إسرائيلي أسفر -حتى ظهر اليوم الأحد- عن استشهاد 29 مواطنا منهم 6 أطفال و4 نساء، وجرح نحو 253 بينهم عشرات في حالة خطرة، فضلًا عن تقييد قدرة المدنيين على الحركة في الشوارع التي تحولت إلى ساحات موت.

طفلة مصابة تصل إلى أحد المراكز الطبية بمدينة رفح في جنوب قطاع غزة بعد تعرض منزلها للقصف الإسرائيلي (الأناضول)
في عين العاصفة
وتضع موجات التصعيد العسكرية الإسرائيلية المتجددة على غزة القطاع الصحي للمدينة في عين العاصفة، وتشكل ضغطًا هائلًا على مرافقه المنهكة أساسًا بفعل سنوات الحصار الطويلة.

وبعد نحو 24 ساعة فقط من العدوان الإسرائيلي المباغت، اضطرت وزارة الصحة في غزة إلى وقف العمل في العيادات الخارجية في جميع المستشفيات الحكومية، ووقف العمليات الجراحية المجدولة، لمنح الفرصة كاملة لإجراء العمليات الطارئة لجرحى العدوان.

ومن شأن هذه الخطوة إلحاق الضرر بآلاف الحالات المرضية التي تفوق سوءًا حالة الرضيع محمد حمدان، غير أن “وزارة الصحة وجدت نفسها مضطرة إلى ذلك لمحدودية خياراتها وإمكاناتها” كما علق مسؤولوها.

واستنفرت الوزارة كل طواقمها وكواردها الطبية والتمريضية لمواكبة التنامي الحاد في أعداد الضحايا من الشهداء والجرحى، وسط خشية عالية من توقف الخدمات الطبية الحكومية كليًّا في غضون ساعات قليلة؛ بفعل توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل، إثر منع إسرائيل دخول إمدادات الوقود منذ الثلاثاء الماضي.

تشغيل الفيديو
مدة الفيديو 02 minutes 15 seconds
02:15
مخزون لأيام محدودة
وقال الدكتور محمد أبو سلمية، مدير مجمع الشفاء الطبي الذي يعدّ الأكبر في قطاع غزة، “إن حياة كثير من المرضى معلقة بتوفر الكهرباء على مدار الساعة؛ اللازمة لتشغيل الأقسام والمرافق الحيوية في المستشفيات”.

ونتيجة لإعلان سلطة الطاقة توقف محطة التوليد، تعمل شركة توزيع الكهرباء وفق “برنامج طوارئ”، بحيث تمدّ الكهرباء المنازل والمرافق الحيوية ومنها المستشفيات نحو 4 ساعات يوميا في مقابل قطع للتيار يدوم أكثر من 16 ساعة.

ويحتاج مجمع الشفاء إلى 400 لتر من السولار في الساعة الواحدة لتشغيل مولدات الكهرباء وضمان سير العمل في أقسامه المختلفة.

وما يتوفر في مخازنه حاليًّا يكفي المجمع الطبي 4 أو 5 أيام في أفضل تقدير، حسب ما صرح به أبو سلمية للجزيرة نت، وقد بدا منهكًا بعد ساعات عمل طويلة لم يخلع فيها الرداء الأبيض؛ أسوة ببقية زملائه العاملين في القطاع الصحي.

وزاد العدوان الحالي من الضغوط على القطاع الصحي، الذي يعمل منذ 15 عامًا في ظل ظروف معقدة. وقال أبو سلمية “يأتي التصعيد الجديد والقطاع الصحي منهمك في مجابهة جائحة كورونا، وأقسام المستشفيات مكتظة بالمصابين بالفيروس، ومرضى آخرين”.

ساعات صعبة وعجز شديد
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة إن العدوان الإسرائيلي اندلع والقطاع الصحي يعاني بالأساس من “حالة مأساوية بالغة السوء”، نتيجة القيود الإسرائيلية وسنوات الحصار الطويلة التي أنهكت المنظومة الصحية وجعلتها في “حالة عوز مستمرة”.

وعكست الأرقام التي أوردها القدرة الواقع الدوائي المتردّي في مخازن وزارة الصحة، التي تعاني عجزًا شديدًا في الأدوية الأساسية بنسبة 40%، وعجزًا بنسبة 32% في المستهلكات الطبية، مع 60% من النقص في لوازم المختبرات وبنوك الدم، فضلًا عن منع الاحتلال توريد أجهزة طبية ضرورية للأقسام الحيوية في المستشفيات.

وإزاء هذا الواقع الصحي المأساوي، قدّر القدرة أن “الساعات القليلة القادمة ستكون صعبة وقاسية”، إذا زادت وتيرة العدوان الإسرائيلي، وما يسفر عنها من سقوط جرحى وضغط حاد على المستشفيات بإمكاناتها المحدودة، الأمر الذي يشكل “تهديدًا حقيقيًّا على قدرتها بالاستمرار في تقديم خدماتها”.

وتواجه مرافق وزارة الصحة ومستشفياتها في كل حرب على غزة، بما فيها العدوان الحالي، ضغوطًا تفوق قدراتها. وحسب القدرة، فإن تطور العدوان الحالي واستمراره أياما أخرى قادمة يضع المنظومة الصحية في غزة أمام “مهام مستحيلة”.

ويعدّ هذا العدوان المستمر على غزة، لليوم الثالث على التوالي، الأعنف منذ الحرب الرابعة التي شنّتها إسرائيل في مايو/أيار من العام الماضي، واستمرت 11 يومًا، وخلّفت مئات الشهداء والجرحى، ودمارًا هائلًا في المنازل السكنية والمنشآت والبنى التحتية.

المصدر : الجزيرة