بدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) أخيرا اهتماما متزايدا بموريتانيا تعزز أكثر خلال قمته في مدريد في نهاية يونيو/حزيران الماضي التي دُعيت إليها دولتان فقط من خارج الحلف، هما موريتانيا والأردن.
وتقود إسبانيا مبادرة للتقارب بين موريتانيا والناتو، إذ ترى مدريد أن الخطر يأتي من الجنوب كما يأتي من الشرق، في إشارة إلى حالة انعدام الاستقرار التي قد تنفجر في منطقة الساحل الأفريقي.
وتضم منطقة الساحل الأفريقي (غربي القارة) كلا من موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الموريتانية، نُشرت في الثاني من يوليو/تموز الماضي، قال خافيير كولومينا نائب الأمين العام المساعد للحلف للشؤون السياسية والسياسة الأمنية إن دور نواكشوط في منطقة الساحل كبير وضروري لسببين: أولهما أنها الشريك الوحيد للحلف في منطقة الساحل، وهي “الوحيدة التي يمكنها النفاذ إلى بعض أدواتنا بطريقة منهجية لأنها شريك”.
أما السبب الثاني فهو أن “موريتانيا الدولة الوحيدة في منطقة الساحل التي تسيطر على أراضيها وحدودها، وهي دولة تتمتع باستقرار سياسي وأمني، لذا فإن التعاون معها أفضل في نظر الحلف”.
وفي قمته بمدريد، أعلن الناتو عزمه تقديم حزمة مساعدات لموريتانيا، من دون الكشف عن حجمها ولا نوعيتها، في حين أفاد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بأن هذه المساعدات ترمي إلى دعم جهود موريتانيا في التعامل مع أمن الحدود والهجرة غير النظامية والإرهاب.
وقال الصحفي المتخصص في الشؤون الإسبانية محمد الأمين ولد خطاري إن “التقارب بين موريتانيا والناتو لا يمكن قراءته إلا في سياق ما سماه الحلف في قمة مدريد بالمفهوم الإستراتيجي الجديد والصراع المحتدم بين روسيا والغرب الذي فجرته الحرب الروسية في أوكرانيا”.
ولفت ولد خطاري إلى أن حضور روسيا في مناطق أفريقية يثير قلق الأوروبيين بدرجة كبيرة في ظل المشهد العالمي المتشكل وفق خريطة جديدة، تحاول موسكو من خلالها لعب أدوار إستراتيجية في أفريقيا وآسيا.
وأضاف “لا شك أيضا أن الحضور الروسي في مالي وما أُعلن من مساعدات عسكرية روسية لباماكو أثار مخاوف الناتو، وعزز ما سماه الجناح الجنوبي للحلف في قمته الأخيرة”.
وشدد ولد خطاري على أن الصراع الحالي بين روسيا والحلف هو صراع نفوذ للحصول على موطئ قدم إستراتيجي، خصوصا على منافذ البحر، “والكل يعرف أن موريتانيا تمتلك شواطئ ممتدة حتى الاتحاد الأوروبي، وتمتد في تداخل مياهها الإقليمية إلى المياه الإقليمية الإسبانية”.
ومن هنا، فإن حضور الروس في مالي وقربهم من المنطقة ربما يثير مخاوف الخبراء الإستراتيجيين الأوروبيين من وصول روسيا إلى منفذ عبر المحيط الأطلسي.
وقال ولد خطاري إن هذه التطورات عززت مخاوف دول الاتحاد الأوروبي، وجعلت الناتو يؤسس لمفهوم إستراتيجي جديد يجعل من خلاله موريتانيا شريكا في عمليات التصدي للنفوذ الروسي في المنطقة، وإن كان غير معلن رسميا حتى الآن.
ولفت إلى أن موريتانيا بحكم موقعها الإستراتيجي تعدّ منصة أساسية في الرؤية الجديدة للناتو بحكم الحدود المتداخلة مع جزر الكناري.
وأضاف أن الجماعات الإرهابية يمكن أن تستغل حالة انعدام الاستقرار التي تعرفها المنطقة، خصوصا في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية وهو ما قد يؤثر على الحدود الأوروبية ممثلةً في إسبانيا البوابة الأوروبية الأولى للحلف.
وتابع “وهذا أسّس وفق المنظور الإستراتيجي الجديد لحالة التداخل الأمني بين موريتانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن موريتانيا مرشحة بشكل كبير لتصبح القاطرة الأولى الفاعلة في سياق هذه التحولات الإستراتيجية الجديدة”.
علاقة تقليدية
وقال ولد خطاري إن العلاقة بين نواكشوط ومدريد في السياقات الأمنية هي علاقة تقليدية ومؤسسة على تراكمات من التبادل الاستخباراتي والأمني والعسكري بحكم التداخل بين جزر الكناري وموريتانيا، باعتبارها الجار الأفريقي الأقرب إلى الحدود الإسبانية، بعد المغرب والجزائر.
ومن خلال هذا التداخل حاولت إسبانيا اللعب بورقة تقريب موريتانيا لدول الناتو وتعزيز مكانة الأمن الإستراتيجي الإسباني، ولكن وفق المظلة الأوروبية أو مظلة الحلف.
أما المحلل السياسي الموريتاني الولي ولد سيدي هيبه فيذكّر بأن علاقة الحلف ونواكشوط قديمة، وتشمل التعاون والتنسيق في مجالات محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
ويلاحظ ولد سيدي هيبه أن الحلف عمل في السنوات الأخيرة على دعم موريتانيا في مجالات التدريب العسكري.
ويشدد على أن القمة الأخيرة للحلف في مدريد مع ما أعقبها من زيارات لمسؤولين أوروبيين إلى نواكشوط تؤكد أن هذا التعاون سيتعزز.
المصدر : وكالة الأناضول