أعلنت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي في منتصف أغسطس/آب 2022، عن بدء تنفيذ خطة لترشيد استخدام الكهرباء. ووفق وسائل الإعلام المصرية، فإن خطة ترشيد الكهرباء خلال الفترة المقبلة تتضمن محاور عدة، أهمها؛ ترشيد استهلاك الكهرباء بكافة المباني والمرافق التابعة للدولة، والالتزام بالغلق التام للإنارة الداخلية والخارجية لها عقب انتهاء مواعيد العمل الرسمية، وكذلك تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية والمحاور الرئيسية.
وتطال خطة الترشيد الأماكن الخاصة، مثل تخفيض الإضاءات القوية التي توجد على واجهات المحلات التجارية، وترشيد الإنارة بالإعلانات المضاءة وبجميع دور العبادة، إلى جانب التزام المحلات العامة بالإغلاق في المواعيد القانونية.
ومن المنتظر أن يتم إلزام الجهات الحكومية والمجمعات التجارية وغيرها بخفض أنظمة التكييف، بحيث لا تقل درجة الحرارة عن 25 درجة مئوية، بالإضافة إلى تخفيض استهلاك الكهرباء والغلق التام للإنارة الخاصة بالصالات والملاعب الرياضية عقب انتهاء الفعاليات.
ماذا وراء خطة الترشيد؟
يرى قطاع واسع من الشارع المصري هذه الخطوة إيجابية، إذ تسهم في ترشيد الإنفاق الحكومي وترشيد استخدام الموارد. لكن السؤال هو لماذا لجأت الحكومة لهذه الخطوة في هذا التوقيت؟
وفق قواعد اقتصاديات السوق التي أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العمل وفق آلياتها منذ وصوله إلى السلطة، يجب إتاحة الكهرباء لمن يريدها طالما يدفع مقابل، وبدون دعم. ووفق البيانات الحكومية المنشورة عبر البيان المالي للموازنة العامة، فإن دعم الكهرباء في مصر أصبح صفرا منذ العام 2020/2019، وبالتالي يتحمل المواطن كافة تكاليف استهلاكه للكهرباء.
كما أعلنت الحكومة غير مرة، أنها نجحت في توفير الكهرباء للسوق المحلي، وأن لديها فائضا للتصدير، بعد أن أعادت هيكلة البنية الأساسية لإنتاج الكهرباء، من خلال تجديد محطات التوليد القائمة، وإنشاء العديد من المحطات الجديدة.
ومن جهة أخرى فإن بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تفيد بأن إنتاج مصر من النفط والغاز الطبيعي، يحقق فائضا منذ سبتمبر/أيلول 2018؛ ففي سبتمبر/أيلول 2018 بلغ إنتاج مصر من النفط والغاز 6.9 ملايين طن، بينما كان الإنتاج بحدود 6.6 ملايين طن، واستمر هذا الوضع حتى مارس/آذار 2022، من تحقيق فائض في الإنتاج يزيد على الاستهلاك.
إلا أن نشرة المعلومات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تبين في عددها ليونيو/حزيران 2022، أن الوضع اختلف في أبريل/نيسان 2022، إذ عاد الاستهلاك وتجاوز معدلات الإنتاج، فبلغ 6575 ألف طن، بينما الإنتاج بحدود 6572 ألف طن، أي أن الاستهلاك يفوق الإنتاج بنحو 3 آلاف طن.
الحاجة إلى المزيد من البيانات
وفي الوقت الذي تظهر فيها البيانات أن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من النفط والغاز ليست كبيرة (نحو 3 آلاف طن فقط)، نجد أن النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص غير النفطي يعاني من ركود على مدار سنوات، فلماذا ارتفع الاستهلاك فوق معدلات الإنتاج؟
وإذا كانت الأمور أفضت في النهاية إلى وجود عجز كمي في وضع النفط والغاز الطبيعي بمصر، فلماذا تسفر نتائج أعمال ميزان المدفوعات للفترة من يوليو/تموز 2021 إلى مارس/آذار 2022 عن فائض في الميزان السلعي النفطي؟
وبلغت الصادرات النفطية خلال هذه الفترة 13 مليار دولار، بينما كانت الواردات النفطية بحدود 8.9 مليارات دولار، أي أن الميزان أسفر عن فائض قيمته 4.1 مليارات دولار تقريبا.
لا شك أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية له دور في تحقيق هذا الفائض، لكن تأثير ارتفاع أسعار النفط يقع على جانبي المعادلة من صادرات وواردات. وللقيام بقراءة صحيحة لواقع أداء الميزان النفطي، لا بد من الحصول على المزيد من البيانات، ومعرفة حصة الشريك الأجنبي من الصادرات النفطية على وجه التحديد.
وكيف تستقيم الأمور بين حالة ركود يعاني منها القطاع الخاص غير النفطي منذ سنوات، وزيادة الاستهلاك فوق معدل الإنتاج مؤخرا؟
أعباء الإنتاج
من المعلوم أن ما قامت به مصر في مجال تحسين وضع إنتاج محطات الكهرباء بعد عام 2013، وكذلك إنشاء العديد من المحطات الجديدة، تم عبر الديون الخارجية، وبخاصة من خلال التعاقدات مع شركة “سيمنس” (Siemens) الألمانية.
وبعد قرابة 10 سنوات على تنفيذ خطة زيادة معدلات إنتاج محطات الكهرباء، فإن التزامات الديون المترتبة عليها، أصبحت واجبة السداد، وعلى ما يبدو أن حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وجدت في التصرف بفائض إنتاج تلك المحطات مخرجا لسداد الديون المستحقة عليها. لذلك، يبدو أن هدف الحكومة المصرية من تطبيق خطة الترشيد لا يكمن في توفير نفقات الإنتاج أو توجيه المنتج من الكهرباء لحاجة المصانع أو المؤسسات الخدمية، بل للوصول إلى حالة من توفير النفط والغاز المستخدمين في محطات الكهرباء، وتصديرهما للخارج، للإفادة من ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية.
حكومة مدبولي تعاني بشأن النقد الأجنبي؛ فميزان مدفوعات البلاد خلال الفترة من يوليو/تموز 2021 إلى مارس/آذار 2022 أسفر عن عجز بنحو 7.3 مليارات دولار، فضلا عن تراجع قيمة العملة المحلية منذ بداية عام 2022 حتى وصل إلى ما يزيد على 19 جنيها للدولار.
ويبقى السؤال هل دفعت أزمة النقد الأجنبي لتطبيق خطة ترشيد استهلاك الكهرباء؟ أم كانت رغبةً في توفير الطاقة للقطاع الصناعي وغيره من قطاع الاقتصاد القومي؟ أم أن الخطوة تأتي في إطار إستراتيجية عامة لترشيد حقيقي لإدارة موارد المجتمع؟
المصدر : الجزيرة