اتفاق حدود إسرائيلي – لبناني مرتقب يتضمن تنازلا ثنائيا

اتفاق حدود إسرائيلي – لبناني مرتقب يتضمن تنازلا ثنائيا

ينتظر اللبنانيون بتفاؤل عودة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود عاموس هوكشتاين إلى بيروت الأسبوع المقبل حاملا الرد الإسرائيلي على المقترح اللبناني للتسوية، فيما تناقلت تقارير إعلامية إسرائيلية تفاصيل تسوية مرتقبة.

بيروت – يسود منسوب من التفاؤل لدى لبنان كما إسرائيل باقتراب تسوية الخلاف الحدودي البحري الذي سيسمح للطرفين باستخراج كميات بترولية هامة تدر عائدات مالية يحتاجها لبنان بشدة، إلا أن التفاؤل مرفوق بتحذيرات إسرائيلية من تصعيد مفاجئ لحزب الله قد يدفع إلى الحرب.

وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل سيتضمن تنازلا إسرائيليا عن مقطع داخل البحر، مقابل تنازل لبناني عن منطقة أكثر قربا من الساحل.

وأفادت التقارير بأن الاتفاقية الناشئة ستتضمن تخلي تفاصيل إسرائيل عن منطقة معينة في أعماق البحار، مقابل تنازل لبنان عن منطقة أقرب إلى الساحل.

وأوضحت أن حتى موعد التوقيع المتوقع الأسبوع المقبل، ستبقى المنطقة في حالة تأهب أمني قصوى.

ويتنازع لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، وفق خرائط مودعة من الطرفين لدى الأمم المتحدة، وتتوسط الولايات المتحدة في المفاوضات غير المباشرة لتسوية النزاع بينهما.

الاتفاق سيتضمن تخلي إسرائيل عن منطقة معينة في أعماق البحار، مقابل تنازل لبنان عن منطقة أقرب إلى الساحل

وكانت مفاوضات “غير مباشرة” انطلقت بين بيروت وتل أبيب في أكتوبر 2020، برعاية الأمم المتحدة، بهدف ترسيم الحدود بين الجانبين، حيث عُقدت خمس جولات من التفاوض كان آخرها في مايو 2021.

وخلال إحدى جولات التفاوض قدّم الوفد اللبناني خارطة جديدة تدفع بحق لبنان في 1430 كيلومترا إضافية، وبأن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كيلومترا، وهو ما رفضته إسرائيل وأدّى إلى توقف المفاوضات.

وبين أكتوبر 2020 ومايو 2021 عقد الطرفان خمس جولات من المحادثات في مقرّ الأمم المتحدة بمنطقة الناقورة جنوبيّ لبنان، إلا أن المحادثات جُمّدت لاحقا بسبب خلافات جوهرية.

ويأمل سياسيون لبنانيون في أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها.

ومن شأن الاتفاق أن يجلب أرباحا للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان في التخلص من أزمته الاقتصادية.

ووفق الاتفاق البحري المحتمل، ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق بالبحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة.

ومنذ أكثر من عامين، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية “الليرة” وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى هبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.

وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الاثنين حزب الله اللبناني من أن أي هجوم على حقل الغاز البحري الحدودي كاريش قد يؤدي إلى حرب. وجاءت تصريحات غانتس فيما يخوض البلدان مفاوضات لترسيم الحدود البحرية منذ مدة.

سياسيون لبنانيون يأملون في أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها

ويقول الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب إن “تصعيد حزب الله مزايدة لم تكن في محلّها قانونيا وشرعيا ودوليا، لأنه أعلن مرارا أنه خلف قرار الحكومة اللبنانية”.

واعتبر أن “الحكومة اللبنانية عندما تنازلت عن الخط 29، أصبح حقل كاريش حقلا إسرائيليا بالكامل، ما يعني أن المسيّرات التي أطلقها الحزب فوق هذا الحقل بلا معنى وليس لها مبرّر أو مستند رسمي لبناني”.

وبحسب ملاعب “لا يمكننا الحديث عن استخراج النفط والغاز من مياهنا بمعزل عمّا يجري في أوروبا”.

وأكد أن “الهدف الأميركي هو البحث عن بديل للغاز الروسي، وهذا الأمر لم يكن فقط نتيجة الأحداث الأوكرانية الأخيرة”، مشددا على أن “الاهتمام الأميركي بالغاز بشكل عام هو ما يحرّك ملف الترسيم بين لبنان وإسرائيل”.

وأشار ملاعب إلى أن “تنازل لبنان عن الخط 29 الذي يقع ضمنه جزء من حقل كاريش هو أقصى ما يمكن تقديمه مقابل اعتراف إسرائيل بسيادة لبنان الكاملة على حقل قانا الذي يقع ضمن الخط 23”.

وحول الردّ الأنسب للطرفين المنتظر من الوسيط الأميركي، تساءل ملاعب “هل سيأتي هوكشتاين بردّ أن إسرائيل تستخرج الغاز من حقل كاريش مقابل السماح للبنان بالتنقيب في حقل قانا؟”.

وتصاعد التوتر بين الجانبين في يونيو بعدما قامت إسرائيل باستقدام سفينة إنتاج وتخزين تابعة لشركة “إنرجيان” ومقرها لندن، للعمل على استخراج الغاز من حقل كاريش الذي تعتبر بيروت أنه يقع في منطقة متنازع عليها. وقوبلت الخطوة الإسرائيلية حينها بتهديدات من حزب الله.

وفي الثاني من يوليو قالت إسرائيل إنها اعترضت ثلاث مسيّرات تابعة لحزب الله اللبناني كانت متّجهة إلى منطقة حقول الغاز في مياه المتوسط.

وقال غانتس الاثنين إن عمليات استخراج الغاز ستبدأ “عندما يكون الحقل جاهزا للإنتاج”، مشددا على أن حقل كاريش يقع ضمن المياه الإقليمية للدولة العبرية.

وصرّح وزير الدفاع لإذاعة “103 أف.أم” قائلا إن “دولة إسرائيل على استعداد لحماية مقدراتها والتوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية بوساطة أميركية بشأن حقل صيدون”، وهو حقل غاز آخر يعرف في لبنان باسم “حقل قانا”.

وأضاف “أعتقد أن سيكون هناك حقلان للغاز في المستقبل، واحد من جانبنا والآخر من جانبهم (لبنان)”.

وعبّر غانتس عن أمله في “ألا نضطر إلى خوض جولة أخرى من المواجهات قبل ذلك الوقت”.

وفي معرض رده على سؤال حول احتمال نشوب حرب في حال شن حزب الله هجوما على حقل غاز إسرائيلي، رد غانتس “نعم قد يؤدي ذلك إلى رد فعل”.

وأكد الوزير أن ذلك قد يؤدي إلى “قتال لعدة أيام وإلى حملة عسكرية، نحن أقوياء ومستعدون لهذا السيناريو، لكننا لا نريد ذلك”.

وفق الاتفاق البحري المحتمل، ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق بالبحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة

ولبنان وإسرائيل في حالة حرب رسميا. وفي العام 2006 خاض حزب الله الذي يتمتع بنفوذ سياسي كبير في لبنان، حربا دامية ضد إسرائيل استمرت 33 يوما.

وعكس ما يبديه حزب الله من تصعيد تجاه إسرائيل تزامنا مع المفاوضات غير المباشرة بين الحكومة اللبنانية وتل أبيب، يسود تفاؤل باقتراب استخراج الغاز الحدودي بين البلدين والتوصل إلى تسوية للخلاف البحري. ويرى مراقبون أن تصعيد حزب الله موجه للاستهلاك الداخلي وأنه لا يعارض في حقيقة الأمر التوصل إلى تسوية في أقرب الآجال.

ويقول الباحث السياسي أمين قمورية إن “العمل العسكري غير وارد في الوقت الحالي، وإذا كان هناك عمل عسكري لا بد سيكون محدودا جدا وينتهي بردّ محدود جدا”.

ورأى أن “الغاية من تهديد حزب الله ورفع مستواه هي الضغط على الحكومة اللبنانية لمنع استغلال إسرائيل للظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، واستخدامها ذريعة لتقديم تنازلات”.

وتابع “الطرفان، إسرائيل وحزب الله، لا يريدان الحرب لأسباب داخلية، وخاصة إسرائيل المقبلة على انتخابات برلمانية مبكرة ومن ثم تشكيل الحكومة”.

ورجّح أن “تذهب الأمور إلى تأجيل وليس تفجير، لأنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ولا لبنان بحاجة إلى مشكلة جديدة، وإنما التسوية واردة وكذلك سحب فتائل الانفجار مثل توقف العمل بحقل كاريش بانتظار تسوية ما”.

العرب