جاءت قوى التغيير الديمقراطية، الجبهة السياسية الجديدة في العراق، لتقدم نفسها بصفتها جبهة وطنية جديدة هدفها مصلحة البلد، لكنها لا تستطيع رغم ذلك إخفاء بعض “خياناتها” السابقة وتحالفها مع قوات خارجية ضد العراق، ولا أن تقنع نفسها والعراقيين بنسيان تجاربها الفاشلة سابقا والتي ستظل تلقي بكامل ثقلها على الجبهة، وبالفعل بدأت تظهر نتائجها بعد أقل من شهر على تأسيسها.
لندن – يبدو الحزب الشيوعي العراقي مولعا بتشكيل الجبهات، في حين أن جبهاته مولعة بالفشل وانفراط العقد على التناحر. وتجمع قوى التغيير الديمقراطية في العراق هو أحدث محاولة لبناء جبهة وطنية، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستصمد أمام عاتيات الأيام.
تأسست قوى التغيير الديمقراطية في الثاني من أغسطس الجاري لتضم أحد عشر كيانا سياسيا، هي: الحزب الشيوعي العراقي، البيت الوطني، التيار الاجتماعي الديمقراطي، حزب الأمة العراقية، حركة نازل آخذ حقي، الحركة الفيلية، البيت العراقي، حزب الوعد، حزب أبناء النهرين، المجلس التشاوري، حركة تشرين الديمقراطية. ولكن لم يمض أسبوعان حتى صارت بياناتها توقع من تسعة كيانات، ولم يظهر في القائمة البيت الوطني وحزب أبناء النهرين، في إشارة أولى إلى أن عقد التحالف ليس متينا، ويمكن أن ينفرط في أي وقت.
وقالت قوى التغيير الديمقراطية في بيانها الأول إنها “لم تكن ولن تكون جزءاً من أي صراعات لا تخدم مصالح العراقيين وتطلعاتهم”. وذلك لتأكيد البراءة من إرث السنوات التي أعقبت احتلال العراق في العام 2003.
تحالف لا يقوم على أساس قواعد دستورية ومدونة سلوك، وصياغات تمثيلية وانتخابية متينة، لن يعمّر طويلا
والبراءة من هذا الإرث غير منجزة. فالحزب الشيوعي العراقي كان ممثلا في “مجلس الحكم الانتقالي” الذي قاده بول بريمر أول “حاكم مدني” أميركي للعراق بعد “تحريره” المزعوم على يد القوات الأميركية.
ويقول بريمر في مذكراته “حينما كنا نعمل على توسيع مجلس الحكم في الأسبوع الأول من يوليو 2003 جاء البريطانيون بفكرة ضم شخص ما من الحزب الشيوعي العراقي… وسألوني عما إذا كان لدي اعتراض مبدئي على الفكرة، فأجبت بالنفي، شريطة أن نجد شخصا نبذ الأفكار الشيوعية الخاطئة من أساسها حول كيفية إدارة الاقتصاد”.
وتشكل المجلس في 13 يوليو 2003 لتمثيل ما صار يسمى “الفسيفساء العراقية”، وتم بناؤه على أسس المحاصصة الطائفية، ليضم “14 شخصية شيعية عربية، و4 شخصيات سنية عربية، و5 شخصيات كردية سنية، وسيدة تركمانية وشخصية مسيحية”.
وأجرى بريمر لقاءات مع شخصيتين كبيرتين في الحزب الشيوعي هما أمينه العام السابق عزيز محمد وأمينه العام الجديد حميد مجيد موسى، ووقع اختياره على موسى، لأنه “شيعي”، لينضم بالتالي إلى “حصة الشيعة” في المجلس.
وأصدر الحزب في ذلك اليوم بيانا أثنى فيه على تشكيل المجلس قائلا “إن مجلسا بهذه الصفات هو وحده القادر على كسب ثقة العراقيين، وإشاعة الأمل في نفوسهم، وهو الوحيد المؤهل لاستقطاب تأييد أوسع الجماهير وتحشيد إسنادهم له”؛ فهذا المجلس بحسب البيان هو “توافق بين الرغبة العامة للعراقيين في تأسيس حكومة ائتلافية وطنية عراقية مؤقتة وبين نظام الحكم الذي أقره مجلس الأمن الدولي بقراره المرقم بـ1483”.
بعد هذا الإرث غير “المجيد” انخرط الحزب في تحالف مع التيار الصدري. ولكي يبدو متبنيا للمشروع الطائفي أصبحت خطاباته وبياناته تبالغ في استخدام المفاهيم الحسينية، إلى درجة أنه كاد يشكل “موكبا” للتطبير واللطميات في عاشوراء كتأكيد على أنه مقتنع بالمشروع الجديد.
وبالرغم من كل ذلك لم يثبت الحزب أنه حزب جماهيري كما كان. ولم يحصل في أول انتخابات للبرلمان إلا على مقعدين فقط من مجموع 329 مقعدا، لأن انخراطه في المشروع الطائفي بدد مكانته الوطنية السابقة، ولم يؤهله لمنافسة الطائفيين الذين استولوا على السلطة وتقاسموها بموجب نظام المحاصصة.
ويقول مراقبون إن التحالف الجديد يمكنه أن يشكل بداية أخرى، إلا أنها لا تزال بداية ملغومة بإرث الفشل.
وطالب بيان التحالف الأول بحل مجلس النواب وتشكيل حكومة تحظى بقبول سياسي وشعبي، وتكون مهمتها الشروع في اتخاذ خطوات عملية على طريق التغيير، وتشمل محاسبة قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير الناشطين المغيبين وتحريك ملفات الفساد الكبرى وتقديم الفاسدين إلى العدالة واتخاذ إجراءات ملموسة لحصر السلاح بيد الدولة والاستفادة من الفائض المالي المتأتي من الغاز والنفط في تحسين معيشة العراقيين.
كما طالب البيان الحكومة بأن تأخذ على عاتقها العمل من أجل ضمان تحقيق مستلزمات إجراء الانتخابات العادلة والنزيهة بإشراف أممي، ومنها تطبيق قانون الأحزاب، بما يمنع الفاسدين والأحزاب التي لديها أذرع مسلحة من المشاركة في العملية الانتخابية، وضمان استقلالية المفوضية العليا للانتخابات.
وقال ياسر السالم، عضو المكتب السياسي للحزب، إن “الحزب يعمل مع أحزاب وحركات سياسية في إطار تجمع قوى التغيير الديمقراطية من أجل تشكيل تحالف سياسي يكون بديلا سياسيا عن قوى المنظومة المتورطة في الأزمة”.
وتشير مصادر من التجمع الجديد إلى أنه “بدأ في إعداد برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، أساسه الدولة المدنية والمواطنة والعدالة الاجتماعية”، ويقول إنه “منفتح على جميع القوى المدنية والديمقراطية المتطلعة والعاملة من أجل التغيير الجدي والشامل”.
قوى التغيير الديمقراطية تؤكد في بيانها أنها “لم تكن ولن تكون جزءاً من أي صراعات لا تخدم مصالح العراقيين وتطلعاتهم”
ويقول شيوعيون سابقون إن إحدى المشكلات التي يعانيها الحزب هي أنه يعتبر إصدار البيانات والاشتغال على صياغتها بما يتوافق مع القواعد النظرية لئلا تفلت من مساطر الماركسية اللينينية أهم من التقاط جوهر المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد. ولهذا السبب أصبح من السهل أن تزيغ أبصاره عن رؤية موطئ القدم، حتى وجد نفسه شريكا لقوى الاحتلال، كما وجد نفسه شريكا لأطراف المشروع الطائفي ومنخرطا في نظام المحاصصة الحزبية، متخليا بذلك عن هويته الوطنية ومشروعه التحرري، ليصبح جزءا من مشروع استعماري أميركي أولا، وأميركي – إيراني ثانيا.
وتقوم الرؤية التي وقفت وراء تشكيل تجمع قوى التغيير الديمقراطية على أساس بيانات توجز تطلعات شعبية عريضة. ولكنها ليست كافية لإثبات جدارة أي كيان سياسي، لا يتحول إلى تيار ويصمد فيه.
وبحسب التجارب الجبهوية السابقة، فإن تحالفا لا يقوم على أساس قواعد دستورية ومدونة سلوك وصياغات تمثيلية وانتخابية متينة، تؤهل كل طرف لأن يحظى بمكانته المشروعة، لن يعمر طويلا تحت واقع المنافسة غير المنظمة أو تحت واقع الضغوط والتأثيرات الجانبية وحالة الفوضى التي تعم البلاد.
ورغم ذلك يقول التجمع الجديد إنه يؤمن بالتغيير السلمي وبمؤسسات الدولة المدنية، ويدعو إلى مراجعة القوانين المتعلقة بالانتخابات وتفسيرات “الكتلة الأكبر” ونصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وخرق التوقيتات الدستورية. إلا أن الاعتقاد الضمني بين أطراف التحالف هو أنهم يسعون إلى تشكيل قوة برلمانية لعلها تستطيع أن تكون طرفا تفاوضيا، بين الأطراف الأخرى، لإحداث تغييرات تدريجية على المسار السياسي الراهن. لكن التحدي الذي سيواجه التجمع، إذا تمكن من الصمود، هو ما إذا كان قادرا على الانخراط في تيار للتغيير الشامل، وليس احتلال “موقع تفاوضي” بين القوى التي لا مصلحة لها فيه.
العرب