حينما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية، وعمل على اقتطاع أجزاء من سورية والعراق، لإعلان دولته، كان الجميع يتخوف من اللحظة التي سينفرط فيها عقد تلك الدولة، لأنها ببساطة سوف توزع مسلحيها على العالم، على دولهم التي جاؤوا منها، وربما هذا ببساطة يفسر لنا ما حدث في باريس، وما يمكن أن يحصل، ويحدث في عواصم غربية أخرى.
يضم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية أكثر من 60 جنسية حول العالم، بعضهم أمضى مع هذا التنظيم وقتاً طويلاً، ربما يمتد إلى عام أو عامين حتى، وهي مساحة زمنية طويلة في عمر التعامل مع هذه التنظيمات المسلحة.
وعلى الرغم من كل الإجراءات التي اتخذتها دول العالم، لمنع مواطنيها من السفر إلى مناطق وجود هذا التنظيم في العراق وسورية، إلا أن الإحصائيات تشير إلى التحاق نحو 20 إلى 50 مقاتل إلى صفوف هذا التنظيم يوميا، وهي نسبة قلت عما كانت عليه قبل ستة أشهر، إذ كانت تصل إلى مائة مقاتل.
نتفق تماما مع أن مسلحي هذا التنظيم هم الأبناء الشرعيون لتنظيم القاعدة، إلا أن فكر هذا التنظيم، حرفيته في التعامل مع أنصاره وأعدائه، شعاراته التي يرفعها، كلها شكلت عوامل جذب لآلاف من المقاتلين، ناهيك طبعاً عن العراقيين والسوريين، لب هذا التنظيم وعقله، من الذين فقدوا كل أمل في نصرة العالم لهم، على الرغم من كل انتهاكات وفظاعات حكومة بغداد، خصوصاً في حقبة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وعلى الرغم من انتهاكات بشار الأسد وفظاعاته التي وصلت إلى استخدام الكيماوي ضد شعبه.
إلى وقت قريب، كانت أجهزة المخابرات الأميركية تتساءل: أيهما أخطر على أمنها وأمن العالم، تنظيم القاعدة أم الدولة الإسلامية؟ كان خبراء أميركيون عديدون يرون أن تنظيم القاعدة أخطر من تنظيم الدولة الإسلامية، كون الأول يعتمد على سياسة مهاجمة الغرب، ويعتبرها استراتيجية أساسية، بل ربما هي سبب وجود هذا التنظيم، ناهيك عن أن هذا التنظيم ليس له أرض يقيم عليها ويدافع عنها.
ظلت السياسة الأميركية والغربية تتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية على أساس مصالحها، متناسية مصالح الشعوب التي نبت فيها هذا التنظيم. وسعت واشنطن، ومعها عواصم القرار الغربي، إلى الاستفادة من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، كل بحسب حاجته إلى هذا التنظيم، بل لا مبالغة إن قلنا إن بعض هذه الدول غضت الطرف عن سفر مواطنيها إلى العراق وسورية، اعتقاداً أن ذلك سيكون بمثابة التخلص من العناصر التي لديها أفكار متطرفة.
وكانت أميركا، مثلاً، تشاهد كيف فعل جزارو بغداد ودمشق بشعبيهما، بقيت ساكتة، ما خلا تصريحات هنا أو أخرى هناك، ذرًا للرماد في العيون، وقد كشف الفيلم الوثائقي “الصندوق الأسود” الذي بثته قناة الجزيرة عن نوري المالكي، في إحدى وثائق ويكيليكس، عن معرفة أميركية بسجون المالكي السرية، وما يمارس فيها من تعذيب بحق السُنة، بالإضافة إلى معرفتها بتفاصيل إقصاء وقمع وتهميش وتهجير كثير، مورس بحق السنة إبّان فترة حكم المالكي التي امتدت ثماني سنوات. ومع ذلك، صمتت راعية الديمقراطية، حتى إذا ما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية، عقب الخروج الأميركي من العراق، بدأت واشنطن الآسفة على خروجها من العراق، تخطط للعودة إلى العراق من بوابة داعش، وهو ما كان.
ويبدو أن سياسة واشنطن تجاه التعامل مع هذا التنظيم دخلت مرحلة جديدة في أعقاب التفجير الذي استهدف الطائرة الروسية فوق سيناء، خصوصاً بعد أن تأكد لدى واشنطن أن التنظيم فعلا يقف وراء العملية، حيث ذكرت صحيفة واشنطن بوست، قبل أيام، أن أميركا بدأت اعتماد سياسة جديدة في التعامل مع تنظيم الدولة، تعتمد، بالدرجة الأساس، على استهداف حقول النفط التي يسيطر عليها التنظيم، وفي شرق سورية، وتحديدا منها حقل العمر في دير الزور. ووفقا للصحيفة الأميركية التي نقلت عن مسؤولين أميركيين، فإن واشنطن تهدف إلى تجفيف مصادر تمويل التنظيم، والتي تبلغ أكثر من 50 مليون دولار شهرياً.
وبالتزامن مع هذه العملية، دعمت واشنطن الهجوم العسكري الكبير الذي شنته قوات البشمركة الكردية لاستعادة سنجار، وهي المدينة التي تمثل حلقة الربط بين الموصل والرقة، الأمر الذي يعني، أيضاً، قطع الشريان الحيوي لهذا التنظيم.
قريبا من عملية سنجار واستهداف آبار النفط التابعة للتنظيم، جاءت عملية باريس. وهنا، لا أقول إنها كانت ردة فعل على ما جرى في سنجار، وقبلها حقول النفط السورية، وإنما هي خطة يبدو أن التنظيم عمل عليها مطولاً، فكلما زاد عليه الضغط ضربت عناصره في عواصم غربية أو غير غربية حتى.
إياد الدليمي
صحيفة العربي الجديد