من الصعوبة بمكان النظر إلى الانفلات الأمني الذي شهده مؤخرا إقليم كردستنان العراق والمتمثل في الاعتداء على مقرات حزب الديمقراطي الكردستناني في مدينة السليمانية التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، والتي ردت عليه حكومة إربيل بمنع رئيس البرلمان الكردستناني يوسف محمد صادق والمنتمي إلى حركة التغيير من دخول أربيل عاصمة الإقليم، أنه جاء نتيجة تأخر صرف الرواتب والتراجع المخيف في مستوى الخدمات، بمعزل عن أزمة قضية رئاسة الإقليم والتي كانت سببا مباشرًا في الخلافات السياسية بين الأحزاب السياسية الرئيسة الشريكة في المشهد السياسي الكردي. دخلت الأزمة السياسية في إقليم كردستان العراق منعرجاً جديداً ببلوغ التوتر مرحلة تنذر بالخروج عن قواعد الشراكة والتعايش السلمي والعودة إلى الصدام، الذي سبق أن وصل في مراحل سابقة حدّ الاحتراب الداخلي.
أطراف الأزمة
ويدور الآن صراع يتسيّده الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، الذي يريد بقاء مسعود البرزاني رئيساً، متذرعاً بتعقيدات الوضع العام والحرب، حتى إن أعضاء الحزب، يعتبرون أن زعيمهم بات يحمل نوعاً من الحصانة، التي تضعه بمكانة تفوق حتى كرسي رئاسة الإقليم. ومن جهة أخرى، ترفض أحزاب أخرى وبالذات حزب الاتحاد الوطني الكردستناني، وحركة التغيير”كوران” حصانة البرزاني وتتمسك في مطالبتها بإصلاحات دستورية في الإقليم، وتطالب بإجراء انتخابات الرئاسة.
خلفية الأزمة
كان الرئيس مسعود البرزاني قد أمضي عشر سنوات في منصبه، بعد أن اختاره البرلمان كأول رئيس للإقليم في العام 2005، ثم أُجريت انتخابات لاختيار رئيس جديد، تنافس فيها عدد من المرشحين، وفاز فيها مسعود البرزاني مجدداً في العام 2009. ومع انتهاء ولايته الثانية في العام 2013، وانشغال برلمان كردستان بوضع مشروع دستور للإقليم، يطرح على الاستفتاء العام ليدخل حيز التنفيذ، دون تحقيق أي تقدّم يسمح بالبت بإجراء انتخابات جديدة لرئاسة الإقليم، تم التوافق على تمديد ولاية الرئيس لعامين
إلا أن مشروع الدستور بأكمله وُضع جانباً في حزيران/ يونيو 2014، بعدما دخل الأكراد في حرب هي الأعنف لهم مع تنظيم الدولة الإسلامية، مانحة الرئيس مسعود البرزاني شرعية شعبية، كونه القائد العام لقوات البيشمركة، ودائم التواجد في جبهات القتال، والمشرف على المعارك والمخطط لها، ما دفع بسياسيين أكراد بارزين من أحزاب مختلفة، إلى طرح فكرة بقاء البرزاني في رئاسة الاقليم لحين انتهاء الحرب ضد داعش في أقل تقدير
ولم يؤدي المرسوم الاقليمي، الذي اصدره مسعود البارزاني، في 13/6/2015، حول اجراء الانتخابات العامة لاختيار رئيس اقليم كردستان في الـ20 من شهر آب/اغسطس المقبل، الا إلى المزيد من الاعتراضات الحزبية، والتي كملها العديد من المتغيرات الاخرى التي جعلت الامر على درجة من التعقيد، أولها الاوضاع العسكرية والسياسية، وما شهده الاقليم من احتقانات ومخاوف بعد تهديد تنظيم الدولة الاسلامية اربيل، حيث تجري عمليات التصدي له وسط أجواء شديدة التوتر وفي جبهة مفتوحة وعلى حدود تمتد بطول 1050 كيلومتراً، تبدأ من محافظة ديالى، شمال بغداد، وتنتهي في سنجار غرب العراق، اضف إلى ذلك تصاعد الجدل الواسع النطاق بين المركز والاقليم حول العمليات العسكرية وتسليح البيشمركة، وما كان بارزاً هنا الهجوم الشد والجذب والاتهامات المتبادلة بينهما.
مطالب الأحزاب السياسية وأثرها على مكانة البرزاني
تتعلق هذه الإصلاحات بقانون رئاسة الإقليم وتقليص صلاحيات الرئيس والانتقال من النظام الرئاسي إلى البرلماني ووضع دستور للإقليم حيث لا يزال يدار من خلال قوانين بعد أن تعثر مشروع الدستور الذي أعد ليكون ناظما لعمل السلطات في الإقليم، وهو ما يراه الحزب الديمقراطي الكردستاني انقلابًا سياسيًا، يهدف لقطع الطريق أمام تولي مسعود البارزاني فترة رئاسية ثالثة. حيث يحظر القانون النافذ في الإقليم ذلك ويحدده بولايتين فقط، فيما يأمل البارزاني وحزبه بتعديل القانون المذكور وإيجاد حالة من التوافق السياسي بين الأحزاب الكردستانية كي يكون بمقدوره البقاء في الحكم لولاية جديدة وعليه وبموجب القانون النافذ فإن من يشغل حاليا منصب رئاسة الإقليم هو رئيس البرلمان يوسف محمد صادق الذي ينتمي إلى حركة التغيير التي لها 24 مقعدا في البرلمان مقابل 38 للحزب الديمقراطي الكردستاني و18 لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني فيما تحوز الجماعات الإسلامية الثلاث 17 مقعدا.
ومن المفيد الإشارة هنا، فعلى الرغم من كل التحليلات السياسية التي أرجعت لب الأزمة في إقليم كردستان إلى محاولات الرئيس مسعود البرزاني التمسك بولايته الثالثة، إلا أن المعلومات المؤكدة تشير إلى عكس ذلك، فهو ليس لديه نية للترشح لولاية ثالثة وإنما سيترشح لمنصب رئاسة الإقليم إما ابنه مسرور البرزاني عضو المكتب السياسي لحزب الديمقراطي الكردستاني أو نجرفان البرزاني رئيس وزراء الحالي لإقليم كردستان العراق ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن المحتمل أن ينحصر هذا الترشح بابنه.
اللافت أنه مع فشل اللجنة التي شكلت للدفع بمشروع الدستور الجديد للإقرار في البرلمان سرعان ما انتقل الخلاف بشأن رئاسة الإقليم إلى داخل البرلمان في ظل استقطاب سياسي حاد، بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يريد اختيار الرئيس من الشعب مباشرة سواء من خلال الانتخاب أو الاستفتاء وبين الأحزاب الأخرى التي تريد انتخاب الرئيس من داخل البرلمان.
وفي سبيل ذلك سارع البارزاني إلى تحديد موعد للانتخابات الرئاسية في العشرين من أغسطس/آب الماضي، أي بعد يوم واحد من انتهاء مدة التمديد له لسنتين، إلا أن الأحزاب الكردية وكذلك المفوضية العليا للانتخابات رفضا الموعد المذكور، وتوالت بعد ذلك اقتراحات ومشاريع قوانين، وعقدت نحو عشر جلسات بين الأحزاب المذكورة للخروج من الأزمة، إلا أن جميع هذه المشاريع والاقتراحات فشلت.
البعد الإقليمي والدولي للأزمة
الخارطة السياسية للإقليم مثلها مثل جميع دول في بيئة الشرق الأوسط لها أبعادها الإقليمية والدولية، فعند تناول الخلافات بين أربيل والسليمانية والتي تتعلق بانفصال السليمانية عن إقليم كردستنان سرعان ما تتجه الأنظار إلى إيران من خلال دعمها لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني وحزب حركة التغيير بزعامة نوشيراون مصطفى في مواجهة البارزاني وحزبه، فإيران تجمعها علاقات تاريخية بمنطقة السليمانية لأسباب جغرافية وتاريخية وثقافية ولغوية. وذلك خلافا لإربيل الواقعة تحت النفوذ التركي -والذي سيتعزز بعد نتائج الانتخابات النيابية التركية الأخيرة-. وعلى المستوى السياسي ثمة أسباب سياسية كثيرة تجعل علاقة إيران بالسليمانية أفضل من علاقتها بأربيل ولعل من أبرز هذه الأسباب توجه البارازني لإقامة شراكة سياسية واقتصادية وأمنية مع تركيا الدولة الإقليمية المنافسة لإيران ولا سيما بعد إقامة خط أنابيب لتصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا بشكل مباشر ومن دون موافقة بغداد والعلاقات الوثيقة للبارزاني مع الدول الغربية وسماحه بفتح ثلاث قواعد عسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ضغوطاً على حلفاء إيران في كردستان لضرورة التوافق لضمان دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإقليمهم في حربهم ضد التنظيم، كما هدد بسحب الإستثمارات الأمريكية في حال إذا شهد إقليم كردستان فراغاً سياسياً واقترح على بقاء الأمور على حالها لحين الإنتخابات النيابية القادمة في أيلول/سبتمبر عام2017م.
المشاهد المحتملة:
بناء على ما تفدم يمكن استنتاج مشهدين في هذا السياق:
1-انفصال الإقليم: وهذا يعني العودة مجددا إلى ما كان عليه الوضع في الإقليم منذ تسعينيات القرن الماضي حتى عام ا 2005م، إذ كان الإقليم منقسم بشكل فعلي بين إدارتين الأولى، إدارة حزب الديمقراطي الكردستناني وتضم كل من مدينة إربيل ودهوك، والإدارة الثانية تحت زعامة حزب الاتحاد الكردستناني.
2- التوافق السياسي: بمعنى أن يستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 2017م، وذلك بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي لن تسمح بإفشال التجربة الكردية في المنطقة هي ساعدت في نجاحها، إذ يلاحظ في هذا الصدد توافق أمريكي إيراني بهذا الخصوص ، فقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في زيارته للإقليم مؤخرا، اكد من جانبه على ضرورة التوافق حول منصب الرئيس، وتجديد ولاية البرزاني مع ضرورة تحديد الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، وان من اولويات الامور اليوم عدم افساح المجال امام الانقسام الكردي ليعرقل العمليات العسكرية ضد داعش. وما الانتصارات الأخيرة التي حققها البيشمركة بغطاء جوي أميركي في مدينة سنجار ما يرشح تحقيق هذا المشهد إذ أنه سيعزز من مكانة رئيس الإقليم مسعود برزاني فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لن يقبلا بانفصام الإقليم كما أنهما لن يقبلا حربا أهلية كما وقعت بين الحزبين بين عامي 1994-1998م، فهي مع توجه إقليم قوي تستخدمه كورقة ضغط ضد الفاعلين الإقليميين تركيا وإيران على حد سواء. أما على المستوى الداخلي فإن التراجع الاقتصادي في إقليم وتراجع مؤشر الاستثمار الخارجي ستدفعا شركاء المشهد السياسي الكردي إلى التوافق السياسي لحين للوصول إلى دستور دائم.
والأرجح في هذين الاحتماليين والأقرب إلى الواقع هو المشهد الثاني، وذلك نظرا إلى المعطيات الإقليمية ومصالح الدول الكبرى والمعطيات الداخلية وخاصة الاقتصادية في إقليم كردستان العراق.
معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية