قلق متزايد من ارتفاع معدلات الطلاق في المغرب

قلق متزايد من ارتفاع معدلات الطلاق في المغرب

تسجل المملكة المغربية سنويا عددا لافتا من حالات الطلاق أرجعه علماء الاجتماع إلى تفكك الروابط الأسرية والزوجية، حيث لم يعد ينظر إلى الزواج على أنه رابط مقدس كما في الماضي، بينما أرجع فقهاء القانون ذلك إلى مدونة الأسرة ولاسيما المسطرة الجديدة للتطليق وهي الطلاق للشقاق، وقال الفقهاء إنه منذ تطبيقها ارتفعت حالات الطلاق بشكل مقلق.

الرباط – يؤكد خبراء علم الاجتماع وفقهاء القانون في المغرب أنه منذ السنوات الأولى لتطبيق مدونة الأسرة ودخولها حيز التنفيذ، ولاسيما المسطرة الجديدة للتطليق وهي الطلاق للشقاق، ارتفع عدد حالات الطلاق بشكل يبعث على القلق.

وتشير الإحصائيات إلى أن المحاكم المغربية تصدر أكثر من 100 ألف حكم بالطلاق سنويا، أي ما يفوق 30 في المئة من عدد حالات الزواج السنوية.

وبين محامون متخصصون في قضايا الأسرة أنه في الماضي كانت هناك حوالي 10 آلاف حالة طلاق سنويا، ثم ارتفع الرقم إلى 30 ألف حالة سنة 2010، ليصل إلى 50 ألفا سنة 2017.

ثورية عفيف: التماسك الاجتماعي أساس بناء وقوة المجتمع

وبعد 2017 بلغت أذون طلبات الطلاق 100 ألف حالة، لترتفع في العام 2021 إلى 121 ألف طلب طلاق، وعلى فرض أن 10 في المئة من الحالات يتم حلها عبر مسطرة الصلح، فالباقي، أي أكثر من 100 ألف حالة، يعد رقما مهولا حسب الخبراء.

وطالبت البرلمانية ثورية عفيف باتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة للحد من ظاهرة الطلاق وحماية الأسرة والمجتمع، حيث وصفت البرلمانية في سؤالها الموجه لوزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة حالات الطلاق في المغرب بالمهولة، وذات الأثر الخطير على المجتمع.

وقالت عفيف إن الواقع المعيش يعرف ظاهرة مقلقة ومخيفة تتعلق بالطلاق، مشيرة إلى أن نسبته تزداد ارتفاعا سنة بعد أخرى، ما يعكس مدى حالات التفكك الأسري في المجتمع وما ينتج عنه من تداعيات اجتماعية ونفسية واقتصادية فتاكة.

وأكد لحسن دحماني الباحث في العلوم الاجتماعية، أن هشاشة الرابط الزوجي ترتبط بتغيرات سوسيومجالية واقتصادية وقيمية عرفتها وتعرفها الأسرة المغربية، حيث لم يعد ينظر إلى الزواج كقيمة اجتماعية تبنى على أساس التوافق الروحي القائم على خدمة الآخر والسهر على راحته كما كان في بعده التقليدي في الأسر الممتدة، كما لم يعد لرابط الزواج طابع مقدس، بل أصبح اليوم ذا طابع مادي أساساً، نظرا إلى التنشئة المجالية التي تلقاها هذا الجيل.

وقال الباحث المغربي في تصريح لـ”العرب” إنها “تنشئة المجالات الحضرية القائمة على الرؤية الرأسمالية البراغماتية، حيث كل العلاقات هي بالضرورة علاقات نفعية، وليست علاقات إنسانية قائمة على الإحسان والحب والمودة، أي انتشار الفردانية والأنانية واللهث وراء الماديات وتغييب كل القيم الأخلاقية والمبادئ الضرورية لعيش الإنسان ككائن متحضر”.

وحسب إحساين المأمون عضو المكتب التنفيذي للمركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، يرتبط بروز هذه الظاهرة السلبية بتغير الذهنيات وتأثر الأزواج بقصص الطلاق والعنف الزوجي، والمشاكل المتراكمة الناتجة عن جائحة كورونا، وارتفاع تكاليف الحياة، كما ساهمت التكنولوجيا والإبحار اليومي في العالم الافتراضي في خلق سلوكيات غريبة منها حب الاستقلالية، وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية، ووجود علاقات خارج الزواج.

لحسن دحماني: هشاشة الرابط الزوجي ترتبط بتغيرات سوسيومجالية واقتصادية وقيمية عرفتها وتعرفها الأسرة المغربية

فيما أشار لحسن دحماني إلى أن ضعف الروابط بين الأسر الممتدة وتراجعها لصالح الأسر النووية (تتكون من الزوجين وأطفالهما) داخل المجالات الحضرية خاصة، جعل الأسر تنغلق على ذاتها، لتصبح المسؤولية ملقاة على عاتق الأبوين فقط، مما يجعل من المسؤولية أمراً صعباً نظراً إلى تعقّد الحياة ومتطلباتها، إضافة إلى خروج الزوجين معاً للعمل.

واعتبرت البرلمانية ثورية عفيف أن التماسك الاجتماعي أساس بناء وقوة المجتمع، ومنه التماسك القائم على ميثاق الزواج الشرعي المحصن بالاحترام المتبادل للحقوق الزوجية والأسرية، والذي تطبعه قيم التعاون والمودة، داعية إلى خلق تنسيق عملي وثيق بين مختلف المتدخلين، خاصة الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع المدني والقائمين على الشأن الديني، من أجل محاصرة ظاهرة الطلاق.

وفي هذا الإطار بادر المجلس العلمي المحلي بمدينة أكادير (جنوب المغرب) إلى تنظيم دورة تكوينية لفائدة المقبلين على الزواج، وذلك بتنسيق مع المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بالمدينة، الهدف منها توعية الشباب بأهمية الزواج وتحصين النفس والمسؤوليات المترتبة عن الارتباط، وكيفية مواجهة المشاكل داخل الأسرة وتقوية العلاقة بين الزوجين للرقي بها وتلافي الوقوع في النزاعات المؤدية إلى الطلاق.

وفتح الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش (الحادي والثلاثين يوليو الماضي) الباب من جديد لمناقشة 20 سنة من تطبيق مدونة الأسرة، وأثرها على المستوى الاجتماعي والقانوني، الأمر الذي يستوجب، حسب محامين وحقوقيين، فتح نقاش عمومي وعلمي حول ظاهرة الطلاق، بعيدا عن الصراع الأيديولوجي الحاد، أو الوصول إلى توافقات قد تكون بعيدة أو مضرة بالأسرة المغربية.

ولا زالت مدونة الأسرة تحتفظ ببعض أنواع إنهاء العلاقة الزوجية كالطلاق الرجعي والخلعي والتطليق للضرر، والتطليق للهجرة وعدم الإنفاق، ولهذا تطالب منظمات نسائية بتعديل مدونة الأسرة لتتماشى مقتضياتها مع مضامين الدستور؛ فمع مرور 18 سنة على إقرار المدونة الصادرة في الثالث فبراير 2004، تطالب حركات نسائية بإدخال تعديلات عليها لتحقيق المساواة ووقف الحيف في حق النساء، وهو ما سيضمن استقرارا أكبر للأسر على حد تعبيرها.

ولفت دحماني إلى أن للعامل المادي للأسرة دورا كبيرا في تقوية الرابط أو هشاشته، فتعرض الأسرة لأزمة مالية يجعلها معرضة للتفكك، وهو ما جعل ظاهرة الطلاق ترتفع مع جائحة كورونا، حيث فقد العديد من معيلي الأسر وظائفهم، إضافة إلى كون المنازل ليست أماكن لائقة للعيش، بل هي أماكن للمبيت فقط، الأمر الذي جعل الأسرة تدخل في دوامة من المشاكل الناجمة عن هذا الوضع الجديد، ليصبح الطلاق هو الحل الأنسب لكلا الطرفين، غير أنه ليس الحل الحقيقي، بل هو نمط من التخلي عن المسؤولية فقط، ليصبح الأبناء ضحية علاقات فاشلة لم تستطع تجاوز أزمتها.

الزواج لم يعد ينظر إليه كقيمة اجتماعية تبنى على أساس التوافق الروحي كما كان في بعده التقليدي في الأسر الممتدة

وشدد دحماني في تصريح لـ”العرب” على أن مسألة الطلاق في عمقها ترتبط ببعدين أساسيين: الأول، بعد بنيوي يرتبط بالسياسات العامة للدولة في المجال الاجتماعي (التشغيل والصحة والتعليم)، والثاني فردي يرتبط بوعي الأفراد وقدرتهم على عقلنة حياتهم الأسرية، وذلك من خلال القدرة على تصنيف الحاجيات الضرورية والأولويات على حساب الحاجيات الثانوية والكماليات.

وأغلب دعاوى إنهاء العلاقة الزوجية سواء تلك المقدمة من الزوج أو الزوجة تتم، حسب الأستاذ محمد ألمو المحامي بهيئة الرباط، في إطار مسطرة التطليق للشقاق باعتبار أن هذه الأخيرة تتيح تسهيلات مسطرية وموضوعية، إذ تبقى الوحيدة المتاحة للزوجة لإنهاء العلاقة الزوجية دون إثبات الضرر أو الهجرة أو عدم الإنفاق، مبرزا أن المقاربة القانونية وحدها كافية للتخفيف من الظاهرة كون أساليب الردع القانوني غير مجدية في الحفاظ على استقرار العلاقة الزوجية.

وهناك من أوصى بإخضاع المقبلين على الزواج لدورات التكوين والتأهيل والإرشاد النفسي والاجتماعي لتدريب الشباب على حل المشكلات الزوجية وعلى التعامل مع ضغوط الحياة الزوجية التي لم يعتادوا عليها.

ويتفق مهتمون بقضايا الأسرة على أن الحفاظ على استقرار الأسر المغربية يجب أن يكون على طاولة السياسات العمومية لضمان الأمن والسلم الاجتماعي، ولن يكتمل ذلك إلا بوضع أنظمة قانونية تخول للدولة التدخل بشكل إيجابي من أجل إعادة التوازن للعلاقات الزوجية الأسرية، عوض ترك الزوجين يواجهان مصيرهما واختياراتهما لوحدهما.

العرب