اعتقال نشطاء يجهض تطلعات البدون في الكويت لعهد جديد ينصفهم

اعتقال نشطاء يجهض تطلعات البدون في الكويت لعهد جديد ينصفهم

لاقت حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات الكويتية بحق عدد من النشطاء المدافعين عن قضية البدون ردود فعل واسعة، وسط خيبة أمل كبيرة لدى أبناء هذه الفئة التي كانت تأمل في أن يقود رئيس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح مسارا جديدا ينتصر لمطالبهم.

الكويت – أجهضت حملات الاعتقال التي استهدفت عددا من النشطاء، على خلفية مشاركتهم في مظاهرة بساحة الحرية في منطقة تيماء من محافظة الجهراء غرب الكويت، نصرة لقضية البدون، أو ما يعرف عنهم بعديمي الجنسية، تطلعات هذه الفئة في عهد جديد لرئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح ينصفهم.

وأكدت هذه الحملة التي شملت أيضا مواطنين كويتيين، تمت إحالتهم لاحقا على النيابة العامة، وإصدار قرار اعتقال بحقهم إلى حين انتهاء التحقيقات، أن لا نية لرئيس الوزراء الجديد الذي تسلم رسميا مهام الحكومة قبل نحو شهر في اعتماد مقاربة مختلفة تنهي معاناة البدون.

واعتقلت السلطات الكويتية الأسبوع الماضي 18 شخصا في الكويت، من بينهم ثلاثة مرشحين لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ويواجه الأفراد الـ18 الملاحقة القضائية بموجب قانون الاجتماعات العامة والتجمعات الكويتي لمشاركتهم في مظاهرة غير مرخص لها وامتناعهم عن فض التجمع بعد أن أُمروا بذلك. وبموجب المادتين 16 و20 من ذلك القانون، يُعاقب على هاتين التهمتين معا بالسجن لمدة تصل إلى تسعة أشهر.

آمنة القلالي: السلطات تسعى لإسكات الأصوات المدافعة عن البدون

ويرى حقوقيون أن قيام السلطات الأمنية باحتجاز نشطاء لمجرد دعمهم لفئة البدون سواء عبر المشاركة في مظاهرة سلمية أو عبر نشر تغريدات مساندة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطور خطير، يضرب الصورة التي سعى رئيس الوزراء الجديد لتسويقها منذ توليه منصب رئاسة الحكومة خلفا للشيخ صباح الخالد الحمد الصباح.

وقالت وسائل إعلام محلية الأحد إن النيابة العامة الكويتية تواصل تحقيقاتها في قضية المشاركة في تجمعات غير مرخصة لفئة المقيمين في البلاد بصورة غير قانونية، وأنها قررت إخلاء سبيل ثلاثة مواطنين كويتيين بكفالة 500 دينار لكل منهم مع منعهم من السفر، في المقابل أمرت باستمرار حجز 14 شخصا من البدون.

وذكر مصدر مطلع لصحيفة القبس أن النيابة طلبت التحريات التكميلية في القضية، تمهيدا لإحالتها الى محكمة الجنايات. وكانت النيابة أمرت بإخلاء سبيل أربعة مواطنين الخميس الماضي بذات الكفالة مع منعهم من السفر.

وأثارت الاعتقالات ردود فعل واسعة في داخل الكويت، وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عدة وسوم للمطالبة بإطلاق سراح جميع المحتجزين من الكويتيين والبدون.

وكانت من أبرز الوسوم التي تصدرت تويتر خلال الأيام الأخيرة “الحرية لبدر السنعوسي”، و”الحرية لمعتقلي ساحة تيماء”، و”الحرية لمعتقلي الرأي”.

ولفتت حملة الاعتقالات أنظار المنظمات الحقوقية، حيث سارعت منظمة العفو الدولية إلى التعبير عن استنكارها وقلقها الشديد حيال ما يمكن أن يواجهه هؤلاء المعتقلين من عقوبات.

وقالت آمنة القلالي نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو “هذه محاولة صارخة من جانب السلطات الكويتية لترهيب الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. وبدلا من الاستماع إلى أصوات المتظاهرين المطالبة بحقوق عديمي الجنسية البدون في الجنسية والتعليم والرعاية الصحية، تسعى السلطات لإسكاتهم ومعاقبتهم”.

وأضافت القلالي “يجب على السلطات أن تُسقط أي إجراء قانوني ضد هؤلاء المتظاهرين السلميين. وقبل الانتخابات البرلمانية في سبتمبر، يجب على السلطات الكويتية احترام حقوق كل فرد في الكويت في المشاركة بحرية وسلمية في الشؤون العامة، بما في ذلك الحق في الانضمام إلى المظاهرات السلمية والتعبير بحرية عن مطالبته بالحقوق الأساسية”.

عديمي الجنسية

وتعود أزمة البدون إلى نشأة الدولة الحديثة في الكويت في الستينات من القرن الماضي، حيث لم يتقدم الكثيرون من “أهل البادية” بطلب للحصول على الجنسية، إما لأنهم كانوا أميين وإما أنهم لا يستطيعون تقديم وثائق، وإما أنهم لم يعرفوا مدى أهمية المواطنة.

وحاولت السلطات على مدار العقود الماضية التملص من واجباتها حيال هذه الفئة كالادعاء بأن الكثير من أفرادها جاؤوا من دول أخرى للعمل، وقام الكثير منهم بإخفاء هوياتهم الأصلية زاعمين انتماءهم إلى فئة عديمي الجنسية بغرض الحصول على الجنسية الكويتية وامتيازاتها.

ويشكو أبناء البدون في الكويت من حرمانهم من الكثير من الحقوق المدنية، ويطالبون بمنحهم الجنسية الكويتية كحل نهائي لمعاناتهم، لكن مطالباتهم تقابل بصد من قبل السلطات الكويتية التي استحدثت في العام 2010 جهازا يقول النشطاء إنه يستهدف طمس قضية هذه الفئة.

وقد لوحظ في العامين الماضيين وجود تمش لدى الجهاز المركزي نحو تسريع خطوات إنهاء هذا الملف الذي شكل للكويت إحراجا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي من خلال الضغط على أفراد فئة البدون للموافقة على “ادعاءاته”، التي تقول إن الغالبية العظمى منهم ليسوا كويتيين وأن الجزء الأكبر هم من العراقيين.

ودفعت هذه الخطوات نشطاء من البدون والمدافعين عن هذه القضية المفتوحة إلى التحرك وتنويع أشكال الاحتجاج، فكانوا أن بدأوا قبل أشهر اعتصاما في ساحة الإرادة القريبة من مجلس الأمة، قبل أن يتجهوا إلى توسيع رقعة الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية لتشمل الجهراء.

وأثارت هذه الخطوة قلق السلطات الكويتية التي تخشى من أن تتخذ مثل هذه التحركات مدى أكبر وتجلب المزيد من الدعم لقضية البدون، سواء في الداخل أو الخارج.

أبناء البدون يشكون من حرمانهم من الكثير من الحقوق المدنية، ويطالبون بمنحهم الجنسية الكويتية كحل نهائي لمعاناتهم، لكن مطالباتهم تقابل بصد من قبل السلطات

واستهدفت الاعتقالات أساسا منظمي مظاهرة جرت في السادس والعشرين من أغسطس الماضي في منطقة تيماء، وشملت ستة مواطنين شاركوا بهذه التظاهرة التي تطالب أساسا بحل الجهاز المركزي.

ويقول نشطاء إن ما حصل يشكل مؤشرا سلبيا عن نهج حكومة الشيخ أحمد النواف حيال مطلب البدون، لافتين إلى أن الكثيرين كانوا استبشروا بتكليف وزير الداخلية السابق، الذي عرفت عنه رغبته في القطع مع السياسات الحكومية السابقة واتباع نهج إصلاحي.

وكان جرى تكليف الشيخ أحمد النواف في يوليو الماضي بتشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة الشيخ صباح الخالد التي استقالت في أبريل الماضي على خلفية أزمة بينها وبين نواب مجلس الأمة المنحل.

وتم الإعلان عن الحكومة الجديدة في أغسطس الماضي، وهي مرتبطة بمهمة محددة في علاقة بالتحضير للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في سبتمبر الماضي، لكن مراقبين يرون أن مسار عمل هذه الحكومة يشي بنية الشيخ أحمد النواف التجديد له على رأس الحكومة بعد الاستحقاق الانتخابي المقبل.

وقد أظهر الشيخ أحمد النواف خلال الفترة الأخيرة صرامة واضحة في التعاطي مع عدد من الملفات سواء من خلال تعاطيه الحازم مع الانتخابات الفرعية (وهي انتخابات غير قانونية تجريها العشائر قبل الاستحقاق التشريعي وتستهدف تحديد مرشحيهم)، وأخيرا الاعتصامات الداعمة للبدون، حيث من الواضح أن رئيس الوزراء يتبنى موقفا رافضا لمنح هذه الفئة حقوقها، وأنه في حال جرى التجديد له سيسعى لإنهاء هذا الملف بما لا يخدم مصالحها.

العرب