قالت مصادر حكومية عراقية في بغداد، أمس السبت، إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يعتزم التوجه إلى الولايات المتحدة نهاية الشهر الحالي، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما سيبحث الكاظمي هناك، وفق المصادر، جملة من الملفات العراقية مع المسؤولين الأميركيين على وجه الخصوص، من بينها الأزمة السياسية الراهنة وملف الوجود العسكري لقوات التحالف بقيادة واشنطن في العراق، والحرب على الإرهاب. فضلاً عن بحث ملفات اقتصادية، ووساطة العراق بين السعودية وإيران، وسعي الكاظمي إلى تكرار الوساطة ذاتها بين إيران ودول عربية أخرى في المنطقة.
وكان الكاظمي قد زار واشنطن في يوليو/ تموز 2021، حيث عقد مع الرئيس الأميركي جو بايدن جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة والأخيرة، والتي انتهت بإعلان انسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق مع نهاية العام الماضي، وفق إعلان الحكومة العراقية وقتها.
زيارة على وقع التوتر السياسي العراقي
وتأتي زيارة الكاظمي إلى أميركا هذه المرة، في ظل مخاوف سياسية وشعبية من تكرار الصدام المسلح بين أنصار “التيار الصدري” والفصائل المسلحة المدعومة من إيران، بعد انتهاء زيارة الأربعين الدينية، في ظلّ تواصل التوتر السياسي بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى موالية لطهران.
ويعتزم “الإطار التنسيقي” المضي في تشكيل حكومة جديدة، في حين يصرّ زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر على رفض أي حكومة تشكّل من قبل “الإطار” وفق منطق المحاصصة، مع ترقب لإمكانية نزول أنصار الصدر مجدداً إلى الشارع لمنع البرلمان من عقد أي جلسة يُراد منها تشكيل حكومة.
الأزمة السياسية في العراق ستتصدر مباحثات الكاظمي مع قادة دول العالم
ملفات زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة
ووفقاً لمسؤولين اثنين في مجلس الوزراء العراقي تحدثا لـ”العربي الجديد” فإن الكاظمي سيتوجه على رأس وفد وزاري رفيع إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الحالي، حيث سيعقد كذلك اجتماعات عدة مع عدد من قادة العالم، لمناقشة العديد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وبيّن المسؤولان أن “الأزمة السياسية في البلاد ستتصدر مباحثات الكاظمي مع قادة دول العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى جانب ملف الحرب على تنظيم داعش، والوجود الأميركي في العراق ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وعمل بعثة حلف شمال الأطلسي العسكرية ضمن برنامج تطوير قدرات العراق العسكرية الذي بدأت به البعثة العام الماضي”.
وأكد أحد المسؤولين أن الكاظمي “سيطرح أيضاً دور العراق في الوساطة بين الإيرانيين والسعوديين، وإمكانية أن يسهم ذلك في تهدئة التوتر بالمنطقة، وكذلك سعي العراق للدور ذاته بين إيران ودول عربية أخرى”. وأشار المصدر الآخر إلى أن الكاظمي سيبحث الأزمة السياسية الحالية في العراق، بعد المواجهات المسلحة في المنطقة الخضراء والقلق الدولي من احتمالية تكرارها مجدداً.
ويتضاعف القلق في الشارع العراقي من استمرار الأزمة السياسية الأطول في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد دخول المليشيات والجماعات المسلحة الحليفة لإيران على خط الأزمة، بالاصطفاف مع قوى “الإطار التنسيقي” ضد “التيار الصدري”.
فاضل موات: الكاظمي مُطالب بمناقشة الملفات التي تهم العراق وهي الاقتصادية والأمنية، وعدم التطرق إلى الشأن السياسي
“الإطار التنسيقي” يرفض التدخل الخارجي
من جهته، قال القيادي في “الإطار التنسيقي” فاضل موات، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن تحالفه “يرفض بشدة أي تدخل خارجي من قبل واشنطن أو الغرب في الشأن الداخلي العراقي وفي الأزمة السياسية الحالية، خصوصاً أن أي تدخل من هذا النوع سيعمّق الصراع والخلافات بدل حلها”.
وأوضح موات أن الكاظمي “مُطالب بمناقشة الملفات التي تهم العراق؛ وهي الاقتصادية والأمنية، وعدم التطرق إلى الشأن السياسي، فهذا أمر يخص القوى السياسية العراقية، وهي الكفيلة بحل هذا الخلاف وفق الحوار والتفاوض وبالأطر الدستورية والقانونية”.
وأكد موات أن الكاظمي “سيُطلع قادة القوى السياسية بعد عودته، وعلى رأسهم الإطار التنسيقي، على جدول زيارته للولايات المتحدة، لمعرفة الملفات التي ناقشها هناك، وما إذا كان هناك توجه لعقد أي اتفاقية جديدة، فهو لا يملك أي صلاحية لعقد أي اتفاقات دولية كونه رئيس حكومة تصريف أعمال، وهي حكومة منقوصة الصلاحيات”.
تقارير عربية
العراق: أسماء غير مستفزة لرئاسة حكومة “العام الواحد”
قلق المجتمع الدولي من الأزمة العراقية
أما القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، مهدي عبد الكريم، فقال في حديث لـ”العربي الجديد” إن “توجه الكاظمي إلى الولايات المتحدة بهذا التوقيت أمر مهم جداً، خصوصاً في ظلّ ما يشهده العراق من صراع سياسي”، متوقعاً أن “ملف الأزمة السياسية لن يكون غائباً عن الاجتماعات التي سيعقدها الكاظمي مع قادة دول العالم”.
ولفت عبد الكريم إلى أن “العراق عنصر مهم في استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم بصورة عامة، ولهذا المجتمع الدولي سيكون له رأي وربما تدخّل بصورة غير مباشرة لحل الأزمة السياسية العراقية، خصوصاً بعد تطور هذه الأزمة إلى الصدام المسلح. ولهذا، الكاظمي بكل تأكيد سيستمع إلى رأي المجتمع الدولي بشأن هذه الأزمة”.
وأشار عبد الكريم إلى أنه “حتى هذه الساعة لا توجد أي بوادر حقيقية لحل الأزمة، وهذا الأمر قد يدفع المجتمع الدولي إلى التدخّل، كما ستكون هناك رسائل من القوى الدولية سيتلقاها الكاظمي بصورة مباشرة وسينقلها بكل تأكيد إلى الأطراف العراقية، فالمجتمع الدولي لن يسكت طويلاً على ما يحدث في العراق خشية من وصول الخلاف إلى مرحلة الاقتتال الأهلي”.
في المقابل، قال المحلل السياسي ماهر جودة، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، إن الكاظمي “سيناقش الوضع السياسي العراقي والخلاف والصراع ما بين الكتل والأحزاب، مع المجتمع الدولي خلال زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة، خصوصاً أن هناك رسائل تحذير وقلق دولية وصلت خلال الفترة الماضية إلى الكثير من الأطراف السياسية العراقية وحتى الحكومية”.
وبيّن جودة أن “الأزمة السياسية ستتصدر الملفات التي سيناقشها رئيس الوزراء مع قادة الدول الذين سيتجمع معهم، وعلى رأسهم بايدن، كما أننا نتوقع أن الكاظمي سيسمع رسائل تحذيرية شديدة اللهجة بشأن تطور الصراع السياسي في العراق إلى استخدام العنف والسلاح”.
ماهر جودة: تدويل الأزمة العراقية أمر وارد إذا ما استمر الخلاف وتطور إلى استخدام السلاح مجدداً
وحذر المحلل السياسي من أن “تدويل الأزمة العراقية أمر وارد إذا ما استمر الخلاف وتطور إلى استخدام السلاح مجدداً، كما حصل سابقاً في المنطقة الخضراء ومحافظة البصرة، وقضية التدويل أبرز ما سيطرحه قادة دول العالم على الكاظمي، فالمجتمع الدولي لن يبقى مكتوف الأيدي تجاه ما يجري في العراق”.
وتتلخص محاور الأزمة العراقية حالياً في إصرار قوى “الإطار التنسيقي” على استئناف جلسات البرلمان ومعاودة عمله بشكل كامل. كما تتمسك بانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي.
في المقابل، يرفض “التيار الصدري” ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر. كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة.
كذلك يرفع مطلباً آخر هو تعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة، وعددهم 11 عضواً، بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية. إلى جانب ذلك، يرفض “التيار الصدري” تعديل قانون الانتخابات.
العربي الجديد