تدفع التفاعلات الدولية دول الخليج العربي إلى تبني سياسة حذرة في ما يخص التعاطي مع التكتلات الإقليمية، على غرار موقفها من الانضمام إلى منظمة شنغهاي التي بات ينظر إليها على أنها بوابة لكسر الأحادية الغربية.
وحصلت دول خليجية، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين، على صفة “شريك حوار” خلال القمة السنوية لقادة منظمة شنغهاي التي عقدت الأسبوع الماضي في مدينة سمرقند بأوزبكستان، لكن دون أن يصل الأمر إلى حد إظهار أي رغبة في تجاوز هذه الصفة والذهاب باتجاه الانضمام الفعلي إلى هذه المنظمة الآسيوية، التي تشكلت في عام 2001، وذلك على خلاف إيران.
ويقول مراقبون إن دول الخليج حريصة على تعزيز الروابط وتوثيقها مع دول منظمة شنغهاي، وهي تعتبر أن الحصول على صفة شريك مع المنظمة التي تضم كلا من الصين وروسيا والهند يخدم أجندتها في تعزيز انفتاحها على الشرق ويمنحها المزيد من الامتيازات سياسيا واقتصاديا، في المقابل يشكل الانضمام بالنسبة إليها مغامرة “غير محسوبة العواقب” في ظل الوضع الدولي الراهن الذي يفترض “التريث”.
حصول الإمارات وقطر والبحرين والكويت على صفة شريك في المنظمة سيكون مفيدا لهذه الدول التي تعمل على تنويع شركاتها الدولية، خاصة على المستوى الاقتصادي
ويوضح المراقبون أن دول الخليج تسعى من خلال صفة الشريك إلى ترك الباب مواربا أمام أي خطوات مستقبلية، لكنها ليست في وارد البحث عن بديل عن حلفائها الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
ويشير هؤلاء إلى البحرين التي تحتضن القيادة المركزية للبحرية الأميركية كمثال؛ ذلك أن المنامة بالتأكيد لن تفكر في المضي في خطوة طلب الانضمام، لكنها مثل باقي العواصم الخليجية تريد أن تُعدد خياراتها الاقتصادية والسياسية في ظل عالم متحرك.
ورحبت البحرين السبت بانضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون بوصفها “شريك حوار”، وعبرت وزارة الخارجية في بيان “عن اعتزازها بثقة هذه المنظمة الحكومية الدولية (منظمة شنغهاي) والدول الأعضاء في السياسة الخارجية الحكيمة لمملكة البحرين”.
ورأت الخارجية البحرينية في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية أن ذلك يعكس “تقديرها (المنظمة) لثوابتنا وقيمنا الدبلوماسية الداعية إلى التضامن الإنساني والتقارب بين الشعوب والتعاون الإقليمي والدولي في ترسيخ السلم والأمن الدوليين، وتسوية النزاعات بالسبل السلمية، ودعم أهداف التنمية المستدامة”.
وأكدت “تطلّع البحرين إلى بناء صلات قوية من الحوار، والتنسيق البنّاء مع منظمة شنغهاي للتعاون على أسس من الود والتفاهم والاحترام المتبادل”. ولفتت الخارجية إلى أن ذلك “يسهم في تعزيز الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب وتجارة المخدرات وغسل الأموال”.
كما يدعم، بحسب الوزارة، “التعاون الاقتصادي في تحقيق الأمن الغذائي، وحماية البيئة، ومكافحة التغيرات المناخية والاستثمار في الطاقة والتعليم والصحة، وتشجيع التجارة والسياحة البينية، ودعم الحوار بين الثقافات والحضارات”.
وانعقدت القمة السنوية لدول منظمة شنغهاي يومي الخميس والجمعة الماضيين، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينغ بينغ، إلى جانب قادة الهند وباكستان وأربع دول في آسيا الوسطى، كما سجلت حضور رئيسيْ إيران وتركيا.
وجاء انعقاد هذه القمة السنوية ضمن ظرفية دولية حساسة جدا، في علاقة بالأزمة المتفاعلة بين روسيا والغرب بسبب الحرب في أوكرانيا والتوترات الصينية – الأميركية على خلفية قضية تايوان، وقد أظهرت تصريحات موسكو وبكين رغبة في تحويل منظمة شنغهاي من مجرد إطار للتعاون الاقتصادي والسياسي إلى جبهة مضادة للغرب.
واعتبر الكرملين أن المنظمة تشكل بديلا عن “المنظمات المتمركزة حول الغرب”، فيما أشاد بوتين خلال القمة بازدياد نفوذ الدول غير المحسوبة على الغرب، منددا بما وصفه بـ”أدوات الحمائية والعقوبات غير القانونية والأنانية الاقتصادية”. وقال الرئيس الروسي “دور مراكز القوى الجديدة التي تتعاون مع بعضها البعض يزداد وضوحا”.
وأبدى الرئيس الصيني تماهيا نسبيا مع الموقف الروسي؛ حيث قال للقادة المجتمعين الجمعة إن الوقت حان لإعادة تشكيل النظام الدولي و”التخلي عن المعادلات الصفرية والسياسات القائمة على تشكيل كتل”. وأضاف شي أنه يجب على قادة العالم “العمل معا لدعم تنمية النظام الدولي في اتجاه أكثر إنصافا وعقلانية”.
دول منظمة شنغهاي تحتضن نحو نصف سكان العالم، وتشكل هذه الدول أكثر من 20 في المئة من ناتج الاقتصاد العالمي
ويرى المراقبون أن التوترات المتصاعدة بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى تجعل من الصين وروسيا راغبتيْن في الانتقال بمنظمة شنغهاي إلى تكتل إقليمي في مواجهة النزعة الغربية أحادية الجانب، لكن يبقى الأمر صعبا في ظل التباينات بين أعضاء المنظمة أنفسهم.
ويقول المراقبون إن دولا وازنة إقليميا وحتى دوليا على غرار دول مجلس التعاون الخليجي لن تقبل الانخراط في مثل هذه الاصطفافات، وستحرص على الحفاظ على مسافة واحدة بينها وبين كل من الجانبين، مع تعظيم المكاسب السياسية والاقتصادية، مثلما يجري حاليا.
وحرصت دول الخليج منذ نشوب الأزمة الأوكرانية على تبني سياسة الحياد ومحاولة النأي بملف النفط والغاز عن الصراع، كما تعاطت بموضوعية شديدة مع الخلاف المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين بسبب تايوان، من خلال دعوتها الجانبين إلى عدم التصعيد، مع تأكيد التزامها بالقانون الدولي لجهة وحدة البر الصيني.
ويقول المراقبون إن حصول الإمارات وقطر والبحرين والكويت على صفة شريك في المنظمة بالتأكيد سيكون مفيدا لهذه الدول التي تعمل على تنويع شركاتها الدولية، خاصة على المستوى الاقتصادي.
وتحتضن دول منظمة شنغهاي نحو نصف سكان العالم، وتشكل هذه الدول أكثر من 20 في المئة من ناتج الاقتصاد العالمي.
صحيف العرب