في الوقت الذي تطارد فيه السلطات الفرنسية أولئك المسؤولين عن الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس الأسبوع الماضي، ستكون الولايات المتحدة مهمِلة إن لم تدرس بجدية الاستراتيجية الأمريكية في حملتها ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وتجاه سوريا والعراق بشكل أوسع أيضاً. وفي أعقاب الهجمات [الأخيرة]، على الولايات المتحدة تجنُب التعرض إلى التدخّل أو الردع، وإلّا ستجد نفسها تعمل لمصلحة أهداف أولئك الذين هاجموا فرنسا. وفي حين تتمثّل أولويات واشنطن في مساعدة حليفها وتأمين الدعم اللازم – كما فعل الفرنسيون للولايات المتحدة في الماضي – فإنّ هذا هو الوقت الملائم للتريّث، وإعادة تقييم الأمور، ولم الشمل وتنظيم الصفوف.
ومع ذلك، فخلال مؤتمر صحفي عُقد يوم الاثنين، أصرّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما على استراتيجيته مؤكّداً أنّها الصائبة وأنّها “ستنجح في النهاية”. إلّا أنّ تأكيداته قد لاقت جمهوراً متشكّكاً بشكل متزايد في بلاده، فالسيناتور عالية الرتبة من الحزب الديمقراطي دايان فاينشتاين هي من بين الذين انتقدوا نهجه. إلّا أنّ تناقضات الرئيس نفسه تعطي أيضاً سبباً للتمهّل قليلاً.
عندما سؤل الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي إذا كان تنظيم «داعش» يكتسب قوّة، قال الرئيس أوباما أنّ الجماعة قد “تمّ احتواؤها” إقليمياً. ولكن في عام ٢٠١٤، وصف الرئيس [سياسة] الاحتواء كهدف غير كافٍ، قائلاً إنّه حتّى إذا تمّ التصدّي لتقدّم الجماعة على الأرض، لا تزال اعتداءاتها تتردّد على نطاق واسع من خلال تشريدها الأبرياء وشنّها هجمات إرهابية.
في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٣، سؤل الرئيس أوباما في مقابلة كيف “يقاوم” الصراع السوري. قال إنّه سيقيّم الخيارات بناءً على ما إذا كانت “تثير، من بين أمور أخرى، المزيد من العنف بصورة أسوأ، أو [تؤدي إلى] استخدام الأسلحة الكيميائية” أو “توفّر الاحتمال الأفضل لقيام نظام مستقرّ ما بعد نظام الأسد”. لكن منذ ذلك الحين، تفاقم العنف، واستُخدمت الأسلحة الكيميائية مراراً وتكراراً، ويبدو أن مستقبل مستقرّ لسوريا [هي في الوقت الحاضر أمنية] بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
وهناك سبب وجيه للاعتقاد بأنّ التشديد على بعض النواحي من النهج الحالي للرئيس أوباما قد يأتي بالمنافع. وتشمل الأمثلة خطوات للتخفيف من القيود المفروضة على الجهود العسكرية الأمريكية في العراق، والتطرّق للعجز الداخلي في مواجهة الإرهاب الذي لمّح إليه هذا الأسبوع رئيس “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية جون برينان، وزيادة الدعم للحلفاء الإقليميين والمنظمات الدولية التي تقدّم المساعدة للاجئين السوريين.
بيد، إن التمسّك بكل بساطة بالاستراتيجية الأمريكية الحالية من غير المرجح أن يكون كافياً، كما أنّ التغيير الأكثر أهمّية الذي يجدر بالولايات المتحدة التفكير به هو ليس تحولاً تكتيكياً بل استراتيجياً، من خلال التركيز على سوريا.
لقد أكّد مسؤولون في الإدارة الأمريكية، مراراً وتكراراً، أنّ بشار الأسد هو السبب في مشاكل سوريا. وقد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد يوم من هجمات باريس إنّ “الحرب السورية لا يمكن أن تنتهي طالما [يبقى] بشار الأسد في السلطة”، كما أنه وصف الأسد و تنظيم «داعش» بـ”التكافليين”. إنّ رحيل السيد الأسد لن يحلّ المشاكل السورية تلقائياً، لكنّه قد يمهّد الطريق لعودة اللاجئين وبناء قوّة ميدانية محلّية وإقليمية لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية» وحفظ الأمن في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الآن.
ومع ذلك، فقد كان هناك القليل في استراتيجية الولايات المتحدة التي تهدف إلى إجبار السيد الأسد على التنحّي أو لتحفيز مناصريه على التخلّي عنه. وبدلاً من ذلك، يبدو أنّ الموقف العسكري للرئيس الأسد هو أقوى مما كان عليه قبل أشهر، كما أنّ الإعلان الدبلوماسي الأخير في فيينا هو أكثر ضعفاً بشأن مسألة رحيله أكثر من التصريحات السابقة.
هناك بعض الإشارات التي تدلّ على أنّ الإدارة الأمريكية تعترف بالحاجة إلى تغيير النهج: فقد أفادت بعض التقارير أنّ فرقة صغيرة من القوّات الخاصّة قد أُرسلت للتنسيق مع المعارضة السورية، وأنّ خطّة التدريب والتجهيز السابقة التي تطلبت من المتمرّدين التخلي عن أي نيّة لمحاربة السيد الأسد قد أُلغيت على ما يبدو. لكن إلى أن يصبح التأثير التراكمي لمثل هذه الخطوات هو إقناع الأسد وأنصاره بأنّه لا يستطيع الانتصار عسكرياً، فلن تحقّق الدبلوماسية الأهداف التي وضعتها الولايات المتحدة.
وقد شكى الرئيس أوباما من أنّ المنتقدين لم يعدّوا أي خطّة قد تحقّق ذلك. وحتّى الآن، لم يفعل هو أيضاً أيّ شئ [في هذا الصدد]؛ وقليلة هي الأفكار الجدّية التي تمّ طرحها لسوريا. وحيث يتفاقم خطر تنظيم «الدولة الإسلامية» – هدّدت الجماعة هذا الأسبوع بشنّ هجمات مماثلة على غرار ما قامت به في باريس، وهذه المرة في واشنطن وروما – على الرئيس الأمريكي التوقّف عن مجرد الدفاع عن استراتيجيته ورفض الانتقادات، والانخراط بدلاً من ذلك مع وجهات النظر الخارجية واعتماد أفضل الأفكار.
مايكل سينغ
معهد واشنطن