ضمن المتابعات الميدانية والتقارير الفصلية لمنظمة الامم المتحدة الخاصة بالعراق تحدثت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة ( جنيس بلاسخارت) في الخامس من تشرين الأول 2022 أمام مجلس الأمن الدولي عن تطور الأحداث القائمة في العراق واستعراض العديد من الوقائع التي شهدها المشهد السياسي العراقي ومنحت صورة واضحة عن طبيعة العلاقات السياسية بين الأحزاب والكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية وما آلت اليه الحوارات واللقاءات بينهم بعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول عام 2021 وركزت بشكل دقيق على إشكاليات العمل السياسي والمناكفات الحاصلة بين الشخصيات السياسية والأحزاب والكتل المتحالفة معها وعدم وجود رؤية حقيقية لكيفية إعداد برنامج سياسي يقود البلاد وفقدان القاسم المشترك للاتفاق بين جميع الأطراف السياسية والفرقاء الحزبيين وهو ما يشكل إخفاقا ميدانيا يؤثر على سير الأحداث القادمة في العراق ويعطي دليلا قاطعا عن عدم امتلاك هذه الأحزاب القدرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي وافتقارها لإرادة سياسية حقيقية تساهم في رفع المعاناة عن أبناء الشعب العراقي ، عندما قالت ( أن الخلافات سادت على لغة الحوار والمواطن العراقي أصبح رهينة لأوضاع أمنية لا تحتمل وكل الأطراف السياسية فشلت في تأدية واجباتها تجاه العراق .) .
وكانت واضحة في مسار حديثها عن طبيعة الوضع الاقتصادي وما يعانيه من إشكالات في ميادين الإنتاج والتنمية الاجتماعية والانتعاش المالي وتحسين الوضع المعاشي لأفراد الشعب ووضعت يدها على الحقيقة والسمة البارزة التي أصبحت إحدى معالم الفساد الإداري والاقتصادي في البلاد باشارتها إلى أن(الفساد يعد سببا أساسيا للمشكلة في العراق وان إقامة انتخابات جديدة يجب أن يسبقها ضمانات لدعمها من المجتمع الدولي) وهي التفاتة ميدانية واضحة توضح العمق الحقيقي للمفهوم الاممي لما يعانيه العراق والإشكاليات التي وضعت بسبب عدم وجود أليات واضحة لاتفاق سياسي ورؤية ميدانية لإدارة البلاد وتحقيق السلام الأهلي بعيدا عن المنازعات والخلافات التي لم يتضرر منها الا أبناء الشعب العراقي.
ان الرؤية السياسية التي نفهمها من قراءتنا للتقرير الذي قدمته (بلاسخارت) انها تحمل الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب السياسية النتائج التي ألت إليها أوضاع العراق وأنها ترى أن المستقبل ليس في صالح الشعب ومستقبل أجياله من جميع النواحي وان اللعبة السياسية التي يحتكم عليها الفرقاء ستصل بالعراق للهاوية او الابتعاد عن أي إصلاح حقيقي يمكن الاتكاء عليه أو تطويره نحو الأفضل لأسباب دونتها المسؤولة الأممية عندما قالت ( أنه خلال الأشهر الاثني عشر الماضية كان للشقاق ولعبة النفوذ السياسي الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك وقد تركت الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي البلد في مأزق طويل الأمد ) ، وادانت بشكل صريح جميع الأدوات والوسائل التي تسعى إليها الأطراف والتيارات السياسية والفصائل التي تستولي على السلاح المنفلت بسعيها إلى إيجاد محطات للقتال وسفك الدماء بين الأهالي وترويع الشعب والمضي نحو العنف المفرط الذي يساهم في زعزعة أمن واستقرار العراق وانه لا يوجد أي مبرر للعنف ولمخاطر ما تزال واقعية للغاية لوقوع مزيد من الفتنة وسفك الدماء.
ان الأمم المتحدة تسعى إلى وضع مخارج حقيقية للأزمة السياسية العراقية وتشجيع الحوار المشترك لبناء قائم على فهم حاجة الشعب العراقي والابتعاد عن ما يفرق الجميع والاحتكام إلى الهدوء واستخدام العقل والحكمة في إدارة الدولة وهذا ما يؤكد حقيقة التوجه الدولي والإقليمي الذي يسعى لتهدئة الأوضاع في البلاد وصولا لاتفاق يرضي جميع الاطراف ويحقق الغاية المجتمعية منه.
وهنا يأتي الرأي الذي طرحته السيدة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الدولي بقولها (لكي يؤتي الحوار أكله من المهم جدا أن تشارك فيه الأطراف كافة بحلول وتسويات سياسية ويجب على القادة تحمل المسؤولية) خاصة بعد أن افتقدت طلائع الشعب العراقي جميع صور الثقة المتبادلة بغالبية القوى السياسية الحاكمة في العراق وقناعتها الراسخة بعدم قدرتها على العمل لصالح العراق وشعبه، وضرورة إيجاد الحلول الجذرية لمعالجة الإخفاقات في المنظومة السياسية القائمة بالبلاد بعد أن نخرها الفساد المستشري والذي أصبح يشكل كاهلا ثقيلا على المواطن وخللا وظيفيا (لا يمكن لأي زعيم أن يدعي انه محمي منه وابقاء المنظومة كما هي سوف يرتد بنتائج سلبية) وعلى السياسين أن يدركوا أن الشعب العراقي أصبح أكثر وعيا وادراكا لما يدور حوله وأيقن أن المصالح النفعية الحزبية هي التي تستولي على توجهات الأحزاب وانه بهذه الصيغ الميدانية والنفعية فإن بمقدور السياسين والزعماء العراقيين أن يجروا البلاد الى صراع ممتد ومهلك وهي صورة مؤلمة ومحزنة لمستقبل مجهول تتلمسه وتشعر به السيدة (بلاسخارت) بل انها ترى اذا ما قدمت المصلحة الوطنية ووضعت في المقام الأول فإن البلد سيغادر هذه الأزمة.
ولهذا فإن التظاهرات والحراك الشعبي الذي امتد لثلاث سنوات مضت شكل انعطاف جوهري في حياة العراقيين بعدد التضحيات الجسيمة التي قدمها شباب الاحتجاج.
وفي إشارة منها للاعتداءات المستمرة على الأراضي العراقية من قبل إيران وتركيا فإنها تعتبرها أفعال طائشة ولا ينبغي لأي جار أن يتعامل مع العراق وكأنه باحته الخلفية.
أعطى التقرير الاممي تصورا حقيقيا عن مألات الأحداث القائمة ومستقبل ونتائج الخلافات السياسية وانعكاسها المجتمعي على حياة أبناء الشعب العراقي وعدم وجود قاسم مشترك في رؤية صادقة لتجاوز الأزمة السياسية وتداعياتها وتأثيرها على الأمن الوطني والقومي للبلاد واحتمالات تعرضه للعديد من الأخطار الجسيمة اذا لن تغادر القوى السياسية من افكارها وتعنتها وترسم ملامح الرؤية الصادقة في قيادة العراق نحو بر الأمان.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية