الالتزام السعودي بأمن لبنان لا يبدد التحفظات السياسية

الالتزام السعودي بأمن لبنان لا يبدد التحفظات السياسية

لا تزال السعودية متحفظة على دعم لبنان والعودة بمستوى العلاقات معه إلى ما كانت عليه سابقا، رغم جهودها الإنسانية في دعم اللبنانيين بعيدا عن المؤسسات الرسمية، لكن الرياض تظل منفتحة على تطبيع العلاقات وفق إستراتيجية جديدة قوامها الدعم المالي مقابل الأفعال لا الأقوال.

بيروت – تعمل المملكة العربية السعودية على توفير شبكة أمان دولية للحفاظ على أمن لبنان، رغم تحفظاتها على سيطرة حزب الله الموالي لإيران على الحياة السياسية وعجز الساسة اللبنانيين عن تحجيم نفوذه والوفاء بوعود قُطعت سابقا للعمل على ذلك.

ويقول محللون إن الرياض تفصل بين المحافظة على استقرار لبنان وأمنه وبين العودة إلى الانخراط في اللعبة السياسية التي انكفأت عنها بعد غياب الطرف السياسي الموثوق الذي تتعامل معه، بما في ذلك المكون السني الذي عجزت قيادته عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المملكة.

وأشار سفير السّعوديّة في لبنان وليد بخاري إلى أنّ “غاية السعودية ومرتجاها، أن يبقى لبنان قلبًا واحدًا ويدًا واحدةً في خدمة نهوض أرضه وازدهارها ورخاء أبنائه، بعيدًا عن أيّ تدخّل؛ فقوّة لبنان وصموده ينبعان من الدّاخل والدّاخل فقط”.

وأكّد، خلال تلبيته دعوة رجل الأعمال محمد أديب إلى مأدبة غداء تكريميّة على شرفه في طرابلس، أنّ “رسالة العمل الدّبلوماسي السّعودي في لبنان تهدف إلى توفير شبكة أمان دوليّة مستدامة، من أجل الحفاظ دائمًا وأبدًا على أمن لبنان واستقراره، وحرص القيادة السّعوديّة دائمًا أن نسعى من أجل تحقيق هذه المبادئ وهذه الرّؤية”.

الرياض تنتظر من القادة اللبنانيين أفعالا لا الاقتصار على الأقوال كلما احتاج لبنان إلى الدعم المالي

وشدّد بخاري على “حرص السّعوديّة على محور مهمّ جدًّا في مرتكزات السّياسة الخارجيّة للبلاد في الملف اللّبناني، وخاصّةً أنّنا أكّدنا للجميع أنّ السّعوديّة لن تتعاطى أو تدعم أي قوى سياسيّة منخرطة في الفساد السّياسي أو المالي؛ نقطة على السّطر”، معربًا عن أمله في أن يغلّب الجميع “المصالح العامّة على المصالح المرحليّة”.

وركّز على أنّ “لبنان يعيش مرحلةً انتقاليّةً، ويجب أن نتحمّل مسؤوليّة مشتركة، الجميع والأفراد قبل الدّول، ولكنّ الحلول يجب أن تنبع من الدّاخل اللّبناني”، وأضاف “لذلك، على الجميع أن يحدّد الخيارات السّياسيّة، ويحدّد أيضًا تحمّل نتيجة تلك الخيارات، حتّى يقرأ المجتمع الدولي هذه المؤشّرات بشكل إيجابي؛ للتّعاون والانطلاق والدّعم المشترك المستقبلي”.

ومنذ مدة يشيد المسؤولون اللبنانيون بدور السعودية وضرورة تواجدها على الساحة اللبنانية، ويقدمون تعهدات مكررة لجهة حماية أمن دول الخليج ومصالح الرياض، وهي تعهدات لم تعد تؤتي أكلها خاصة وأن المسؤولين اللبنانيين لم يلتزموا بها في وقت سابق وينظرون إلى السعودية على أنها داعم مالي دون التقيد بالتزاماتهم تجاهها، وهو ما لم يعد ينسجم مع إستراتيجيات الرياض الجديدة في المنطقة.

وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين لإعادة بناء الثقة: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية، بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.

وكانت السعودية يوما ما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران. وتنتظر السعودية من القادة اللبنانيين الالتزام بتعهداتهم تجاه الرياض، لا الاقتصار على الأقوال كلما احتاج لبنان إلى الدعم المالي والاستثمارات.

وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه بأيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.

وقدّمت المملكة المليارات في سبيل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لكنّها بدت في السنوات الماضية غاضبة جراء فشل القادة السياسيين في كبح جماح حزب الله المسلّح والنافذ والمدعوم من إيران.

وشهدت العلاقات السعودية – اللبنانية منذ عام 2016 فتورا غلب عليه التوتر، في ظل هيمنة حزب الله وحلفائه على القرار اللبناني، واتخاذ وزارة الخارجية اللبنانية سلسلة من المواقف التي بدت مناوئة للرياض.

وسُجلت في الأشهر الأخيرة عودة الاهتمام السعودي بلبنان، لكن لم يصل في واقع الأمر إلى تغير حقيقي في الموقف؛ فالرياض لا تزال تصر على ضرورة تحجيم نفوذ حزب الله كخطوة أساسية لاستئناف دعم البلد.

ويواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة تستوجب دعما ماليا خليجيا (سعوديا بشكل خاص) ودوليا لتفادي انهيار يقول مراقبون إنه بات وشيكا.

وتتخذ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعاني منها لبنان منذ صيف 2019 مسارا تصاعديا، ووصفها البنك الدولي بأنّها من بين الأسوأ منذ عام 1850. وتقدّر الأمم المتحدة أنّ 78 في المئة من الشعب اللبناني يرزحون تحت خط الفقر في ظلّ تضخم جامح وعمليات تسريح من الوظائف.

العرب