بيروت – واجهت عائلة شمس خيارا صعبا، إما إطعام الأسرة أو اعتماد الأموال القليلة المتبقية التي تمتلكها في خضم الأزمة المالية في لبنان لتعليم ابنتها مها البالغة من العمر 12 عاما. واختارت الطعام.
تركت مها، مثل أمها من قبلها، المدرسة مع القليل من المؤهلات لتعيش في بلد أصبح فيه البقاء على قيد الحياة الأولوية الأولى يوما بعد يوم.
ودفعت الأزمة الاقتصادية الآلاف من العائلات اللبنانية مثل أسرتها إلى مثل هذه الخيارات، وتضرر التعليم الآن لصالح أساسيات أخرى مثل الطعام والوقود.
وقالت والدتها نايلة وهي تفكر في الخيارات إن “وجود سقف فوق رؤوس أطفالي وطعام يتناولونه هو أكثر إلحاحا من التعليم”.
ألف طفل انقطعوا عن التعليم حيث يختار الآباء إرسال أطفالهم للعمل أو إبقاءهم في المنزل
وتُعد مها من بين 30 ألف طفل انقطعوا عن التعليم في العام الدراسي الماضي، وفقا للأمم المتحدة، حيث يختار الآباء إرسال أطفالهم للعمل أو إبقاءهم في المنزل لتوفير الرسوم المدرسية.
وكان القرار بالنسبة إلى نايلة مدفوعا بالجوع على الرغم من حقيقة أنها وزوجها كامل يعملان بدوام كامل في مطاعم بيروت ويدعمان دخلهما بوظائف التموين.
لكنهما لم يتمكنا من دفع الفواتير المصاحبة لتعليم مها، حيث ارتفعت تكلفة النقل والأدوات المدرسية بنسبة 40 في المئة على الأقل العام الماضي حتى مع بقاء الدروس مجانية.
وقالت نايلة إن “تكاليف التعليم تتصاعد بسرعة كبيرة. اللوازم المدرسية والزي الرسمي هما مثالان على النفقات المخفية. هناك دائما شيء ما”.
وكان الاقتصاد اللبناني في حالة سقوط حر منذ 2019 وقد خسرت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها مما زاد من التضخم وقلّص المدخرات ودفع ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة من سكان البلاد البالغ عددهم 6.7 مليون نسمة إلى هوة الفقر، حسب الأمم المتحدة.
وجاءت الأزمة بعد تراكم الديون على الحكومات المتعاقبة في أعقاب الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990. ويقول خبراء اقتصاديون إن أي حلم بإعادة بناء الأمة خرج عن مساره بسبب سوء الإدارة المتكرر.
ويدفع الشباب اللبنانيون الآن ثمنا باهظا، حيث تقدر الأمم المتحدة أن واحد من كل 10 أطفال انقطعوا عن الدراسة في العام الماضي.
وأرادت نايلة أن يسعى ابنها الأكبر لتحقيق حلمه في العمل في منصب إداري، لكن الأزمة التي تخنق الاقتصاد منعت ذلك أيضا. وتخرج سامي البالغ من العمر 22 عاما من الجامعة قبل عامين، لكن نايلة لم تتمكن من سداد رسومه الدراسية بعد أن فرضت البنوك قيودا على سحب الدولار ردا على ما وصفه البنك الدولي بسنوات من الفساد الحكومي والهدر والسياسات المالية غير المستدامة. وقالت الأم إن لديها 30 ألف دولار في حساب لا يمكنها الوصول إليه، وهو ما يعني حجب شهادة تخرج ابنها مما يجعله غير قادر على متابعة الاختصاص الذي اختاره.
وقالت الأم البالغة من العمر 42 عاما “أشعر أنني أم فاشلة”، وهي حزينة لأن ابنتها لن تنهي المدرسة الإعدادية أبدا ولأن حياة ابنها معلقة الآن أيضا. ولم ترد وزارة التربية اللبنانية على طلب للتعليق على الوضع الهش لنظام التعليم وما إذا كانت الحكومة قد خذلت جيل الشباب.
ويكفل الدستور الحق في التعليم، كما وقّع لبنان على ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتوفير تعليم جيد. لكن الواقع على الأرض قوض هذا الهدف حتى بالنسبة إلى العائلات الأكثر ثراء التي اختارت المدارس الخاصة.
وقال مازن سارمانجي، وهو مهندس يبلغ من العمر 39 عاما، عندما أرسل ابنه المراهق إلى المدرسة “على الرغم من أنني أستطيع تحمل تكاليف إرسال طفلي الوحيد إلى مدرسة خاصة، إلا أنني لا أعتقد أن هذا سيستمر”.
وكان الممر الدائري المؤدي إلى مدرسة الجالية الأميركية في بيروت في ضاحية راقية مليئا بالآباء القلقين، وهم يتحدّثون عن الاقتصاد المتدهور والمستقبل الذي ينتظرهم.
ألف طالب انتقلوا في العام الدراسي 2020 – 2021 من المدارس الخاصة إلى المدارس العمومية، مما زاد الضغط على القطاع العام
واعترف المهندس أنه يترقب ليرى ما سيفعله الآباء الآخرون قبل أن يسحب ابنه البالغ من العمر 16 عاما من المدرسة لتوفير 1200 دولار سنويا.
وقال “أنا أنتظر لأرى ما إذا كان أي من آباء أصدقاء ابني المقربين سيختار تسجيلهم في مدرسة عامة حتى أحذو حذوه. ربما لم ترتفع الرسوم المدرسية كثيرا، لكن تكلفة المعيشة تتزايد يوما بعد يوم، ويصبح من الصعب جدا توفير نفس الكمية من الطعام على المائدة”.
ووفقا لوزارة التعليم العالي، لطالما كانت المدارس الخاصة لاعبا رئيسيا في النظام الوطني، حيث يدرس حوالي 60 في المئة من طلاب البلاد البالغ عددهم 1.25 مليون.
ولكن 55 ألف طالب انتقلوا في العام الدراسي 2020 – 2021 من المدارس الخاصة إلى المدارس العمومية، مما زاد الضغط على القطاع العام الذي يعاني بالفعل من ضائقة مالية.
وقال البنك الدولي إن 5 في المئة من جميع المدارس الخاصة أغلقت بين 2018 و2021، حيث عانت كل طبقات المجتمع ضغوطا مالية.
كما تأخر انطلاق السنة الدراسية بالفعل مع تفاقم الأزمة وإضراب معلمي القطاع العام بسبب تخفيضات الرواتب وخوف المسؤولين العامين من نقص الوقود لإبقاء السخانات والأنوار مضاءة خلال فصل الشتاء.
وقال أحد مديري المدرسة الذي طلب عدم الكشف عن هويته “لا نعرف كيف ستسير الأمور طوال العام الدراسي، لكننا سنمارس مسؤولياتنا قدر الإمكان لصالح التلاميذ”.
وقال رامز الحلو مدير المدرسة اللبنانية الدولية إنه حدد في يوم ما مخصصات لمساعدة العائلات التي تعاني من ضائقة مالية على سداد فواتيرها. لكن هذا تغير لأنه يحتاج إلى المال.
وتابع “اعتدنا أن نكون سعداء برؤية هذه الساحة مليئة بالأطفال السعداء”، وانخفض العدد الآن من 1200 طالب إلى 200 طالب خلال الأزمة وتراجع عدد أساتذته إلى النصف. وأضاف أن “الملعب مهجور في الغالب، والطلاب مستاؤون لأن أصدقاءهم لم يعودوا هنا أو لأن معلمهم المفضل قد غادر”.
العرب