يبدو أن رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني لم يحصل على دعم سياسي عراقي بقدر الدعم الدولي الواضح الذي يروم إنهاء الأزمة العراقية المستمرة منذ عام.
وعلى رغم التوقعات التي كان يتم الحديث عنها في أروقة الساسة العراقيين عن إمكانية الرفض الدولي والإقليمي لمرشح من “الإطار التنسيقي”، فإن ما حصل أظهر أن المجتمع الدولي لا يريد الخوض في المستنقع العراقي، ويحاول الإبقاء على الحلول التوافقية للمشهد السياسي هناك، ورفض أية تغيرات كبيرة قد تجعل العراق يدخل حرباً أهلية كانت بوادرها واضحة في اشتباكات “المنطقة الخضراء”، نهاية أغسطس (آب) الماضي، بين الميليشيات المنضوية في “الإطار” وأنصار “التيار الصدري” وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات.
وبعد ساعات من تكليف الرئيس العراقي الجديد للسوداني بتشكيل الحكومة في 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي تلقى المكلف سلسلة برقيات دعم من عدد من الزعماء العرب والأجانب، فضلاً عن عقده سلسلة اجتماعات مع الجهات الدولية التي لها تأثير في الشأن العراقي.
واشنطن ولندن تدعمان
من أهم هذه الاجتماعات اجتماع السوداني مع السفير البريطاني في العراق مارك برايسون، الذي وصفه بيان مكتب السوداني بـ”الاجتماع المهم” الذي أكد على تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها في جميع المجالات وشدد على استمرار الدعم البريطاني للعراق.
كما أعلنت السفيرة الأميركية في العراق إيلينا رومانوسكي في تغريدة لها أن اجتماعها مع السوداني تضمن محادثات بناءة حول الأهداف المشتركة بين البلدين والتعاون مع الحكومة العراقية الجديدة.
وأبدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) جنين بلاسخارت دعم البعثة لجهود السوداني في تشكيل حكومة عراقية جديدة تعمل على تغييرات ملموسة.
وذكر بيان للبعثة والمكتب الإعلامي للسوداني أن البعثة أكدت دعمها الكامل لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة وإنهاء الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، وضرورة أن تكون هذه الحكومة بداية مهمة لتحقيق متطلبات الشعب العراقي، مؤكداً أن المجتمع الدولي يراقب الوضع في العراق وهو على استعداد لتقديم جميع أنواع الدعم للبلاد.
نحو عراق مستقر
يرى الكاتب والصحافي حمزة مصطفى أن المجتمع الدولي يريد عراقاً مستقراً بغض النظر عمن يكون رئيس وزرائه، مشيراً إلى أن نجاح الحكومة يعتمد على إنجازاتها على صعيد الملفات الداخلية.
وقال مصطفى إن “الدعم مبني على شروط دولية تتعلق بأن هذه الدولة الفتية يجري دعمها عندما تشكل حكومة يراد لها أن تكون مستقرة”، مشيراً إلى أن حصول مواجهات وتظاهرات في العراق من الممكن أن يؤثر في المنطقة باعتبار أن العالم كله يعاني توتراً بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، لذلك فإن الدول الإقليمية والدولية يهمها استقرار العراق.
ولفت إلى ما حذرت منه الممثلة الأممية في العراق بلاسخارت في إحاطتها أمام الأمم المتحدة، من أن الاستمرار بهذا الوضع يقود البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، مؤكداً أن “التأييد الدولي مبني على هذا الأساس”.
وتابع أن ما يهم المجتمع الدولي هو قدرة الحكومة العراقية على التعامل مع المجتمع الإقليمي والدولي على أساس كونها حكومة مستقلة قادرة على أن تتحمل مسؤوليتها، معتبراً أن الدعم الخارجي للعراق يجب أن يكون عاملاً يضاف إلى معايير النجاح، لكن الأهم هو كيفية تعامل الحكومة مع الملفات الداخلية حتى تقنع المعارضة الشعبية بأن خطواتها صحيحة.
ويمكن أن تتخذ الحكومة خطوات جدية في محاربة الفساد ومعالجة كثير من الاختلالات والخدمات بهدف إنجاح عملها في الداخل، بحسب مصطفى، الذي أكد أن المعارضة الشعبية قد تبدأ بالتقلص والتحول إلى معارضة سياسية.
دعم مشروط
بدوره، يرى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن الترحيب الإقليمي والدولي مرهون بمدى نجاح الحكومة المقبلة في تحقيق التوازن بين مصالح الحلفاء الغربيين والشركات الصناعية الرأسمالية من جهة وبين مواقف المنظمات الراديكالية المتحالفة مع إيران من جهة أخرى.
وقال فيصل إن “الترحيب الدولي يعكس حجم مصالح الدول الكبرى التي لديها مشاريع استثمارية في مجال الطاقة والصناعة، بخاصة أن العالم اليوم يعيش مشكلات اقتصادية واحتمالات الركود الاقتصادي وتحديات الطاقة بسبب استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع أسعار الغاز والنفط”.
وأضاف أن العراق ودول الشرق الأوسط تشكل مجالاً حيوياً للاستثمارات الرأسمالية وسوقاً استراتيجية للسلع والمنتجات الصناعية لامتصاص فائض العملات في البنوك المركزية (البترودولار)، مبيناً أن تصريحات السفيرة الأميركية أكدت الالتزام باتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع العراق في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية كإطار لتطوير العلاقات بين البلدين، بجانب الحرب على الإرهاب.
وأشار إلى أن مواقف التنظيمات المسلحة التي تعلن عن نفسها كمقاومة للاحتلال الأميركي يجعل حكومة محمد شياع السوداني تواجه حرجاً كبيراً للتوفيق بين المواقف الراديكالية للمقاومة والمصالح الاستراتيجية في مشاريع الطاقة.
من جهته، يعتقد باسل حسين مدير مركز “كلوذا” لقياس الرأي أن الترحيب الدولي مشروط وفق مبدأ التوازن على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية التي انتهجتها حكومة الكاظمي، ومحاربة الفساد.
مخاوف دولية
وقال حسين إن الترحيب الدولي يأتي لأسباب عدة، من أهمها أنه ترحيب برتوكولي دأبت الحكومات على تقديمه للحكومات المشكلة التي تعاقبت على حكم العراق، بالتالي فهو جزء من سياق عام”.
وأضاف أن هذا الترحيب يأتي بعد مخاض طويل وضع العراق في مهب الريح، وقد تنفس المجتمع الدولي الصعداء خشية تطور الأمر إلى اقتتال شيعي – شيعي ينهي الاستقرار الهش، مبيناً أن هذه الأطراف لا ترغب في تغيرات حادة يمكن أن تقلب المعادلة العراقية على نحو لا يمكن السيطرة عليه.
وتابع أن هذا الدعم ليس ورقة على بياض، ولكنه دعم مشروط بعوامل عدة منها الاستمرارية في مبدأ التوازن على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية التي انتهجتها حكومة الكاظمي، وعدم اتخاذ سياسات طائفية تعيد العراق إلى مربع الأزمات الداخلية، وأيضاً التوازن في العلاقات بين المركز وإقليم كردستان فضلاً عن ملفات أخرى كمحاربة الفساد.
اندبندت عربي