مع سخونة الحديث الدائر بأروقة السياسة الروسية عن فرضية استخدام السلاح النووي إن لزم الأمر، يزداد توجس المجتمع الدولي من إقدام الكرملينعلى خطوة جنونية كهذه، إلا أنها قد تصبح وشيكة التحقق حال وجد الدب الروسي نفسه في زاوية لا رجعة منها خلال صراعه الحالي.
وتشي وقائع العمليات الحربية في الميدان الأوكراني عن تقهقر القوات الروسية، بعد تحقيق الجيش الأوكراني هجمات ناجحة في مدن عدة، منها خيرسون ولوغانسك ودونتيسك وخاركيف، علاوة على استهداف جسر كيرتش الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم.
ولعل هذه العملية التي نفذت بشاحنة لنقل البضائع شكلت ما يشبه “أحداث 11 سبتمبر (أيلول)” بنسخة روسية، من ناحية إشاعة حال ذعر قد تفتح الباب على مصراعيه لتخيل حرب عالمية.
بينما يرى مراقبون أنه من السابق لأوانه التكهن بهذا المشهد السوداوي، ففي حال حدث ذلك يعني نهاية العالم، مع وقت بدا جلياً الرغبة الجامحة لدى القيصر لعرض قوته النووية والتهديد بها كورقة ضاغطة في حربه مع الغرب، وفرد منظومته الصاروخية العابرة للقارات بأسلوب استعراضي ونقل جزء منها عبر السكك الحديدية إلى نقاط الاشتباك.
هل ينشر القيصر النووي في سوريا؟
الأمر لم يعد مرتبطاً بكييف، فالحرب بدأت بالتمدد سريعاً من نطاق إقليمي إلى عالمي (فمن لم يكن معنا، فهو ضدنا) هكذا يمكن تصور طريقة الحروب العسكرية المتوقع مجرياتها من انقسامات دولية وولوج الدول الغربية وروسيا الاتحادية بصراعات بالاقتصاد والطاقة.
بالمقابل تتسع معركة تكسير العظام لتصل إلى دول حوض المتوسط، وبات تسليح دول حليفة لروسيا أمراً وارداً ولعل اقتراح نائب في مجلس الدوما عن منطقة القرم ميخائيل شيريميت أخذ حقه من الدراسة من قبل صقور الساسة الروس، وذلك بنقل صواريخ باليستية وعابرة للقارات إلى سوريا، لتشكل بحسب وصفه “محيطاً رادعاً من العدوان الخارجي” وفق ما نقلته وكالة “نوفوستي”.
وأضاف النائب الروسي “الآن تستبدل أحدث صواريخ سارمات، بصواريخ فويفودا الباليستية العابرة للقارات، وبدل التخلص منها وإزالتها من الخدمة القتالية يمكن نقلها إلى البلد الصديق سوريا”.
هذا الطرح من مسؤول رفيع زاد من وتيرة الحديث عن الحرب النووية واتساع رقعتها على رغم تنبيهه إلى ضرورة تحديث الرؤوس الحربية النووية واستبدالها بأخرى تقليدية.
صاروخ الشيطان
إزاء ذلك يعتقد مختصون في شأن السياسة الروسية في جدية نقل هذه المنظومة المدمرة والحاملة للرؤوس النووية، ونشرها في سوريا إلى التلويح بتهديد أوروبا من بوابة المتوسط، بل من تهديد العالم بأسره بقدرات استثنائية، واستغلال المساحة السورية المطلة من نافذة قواعدها على الساحل وأضخمها قاعدة حميميم في اللاذقية وقاعدة طرطوس إلى أن تكون منطقة ذات نفوذ وأداة في الصراع الجديد مع أوكرانيا.
ويصف الأوروبيون هذه المنظومة بـ”الشيطان” ولعل الصاروخ سارمات هو واحد من مجموعة صواريخ يطلق عليها (يوم القيامة)، وتفيد التقارير عن قدرات هائلة لا يمكن تصورها، إذ لديه القدرة على استهداف أية نقطة بالعالم، فمدى وصوله يبلغ 11 ألف كيلو متر، ويحمل 12 طناً ويبلغ طوله 36.6 متر وقطره ثلاثة أمتار في حين يزن نحو 100 طن.
ويتحدث الخبراء العسكريون عن عمل الصاروخ بالوقود السائل، من دون اعتراضه جواً بأنظمة الدفاع مع قدرة حمله من سبعة إلى 10 رؤوس نووية، مع قدرته على المناورة وتغيير الاتجاه والسرعة، ومستوى عال من الحماية والتحصينات النووية.
انتشار السلاح
إزاء ذلك تتواصل حرب التصريحات بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن استخدام السلاح النووي، إذ رفع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل من حدة تهديداته متوعداً في تصريح له يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي “القضاء على الجيش الروسي في حال استخدم بوتين أسلحة نووية ضد أوكرانيا”.
ويأتي ذلك مع تحضير حلف الناتو لمناورات نووية في بلجيكا بين (18 -26) شهر أكتوبر الحالي، أطلق عليها “الظهيرة الثابتة” أو “سيتدفاسن نون” تأهباً لأية ضربة نووية محتملة.
من جهته يرى الناشط السياسي والحقوقي رضوان العلي في حديثه لـ”اندبندنت عربية” بأن “نقل منظومة سارمات التي خرجت عن الخدمة وحلت محلها منظومة الصواريخ فويفودا منذ عام 2011 لن يسمح به المجتمع الدولي، معللاً ذلك بضرورة تطبيق اتفاق حظر انتشار السلاح النووي، حتى وإن استبدلت الرؤوس النووية بالتقليدية”.
وأضاف “ليس غريباً على موسكو سباقها لمجال التسلح ولا سيما النووي، لكني أستبعد أن تخوض هذه المغامرة، لكونها خطوة لا فائدة منها، إذ يمكنها بكل بساطة استخدامها من قواعدها العسكرية على أراضيها” ويرجح في الوقت ذاته معارضة تل أبيب لدخول هكذا نوعية لما تشكله من تهديدات على أمنها.
ويمكن أن تمنع تل أبيب موسكو من اتخاذ قرار كهذا، في وقت تعيشان فيه حالاً من التوتر غير المعلن، وفي هذا الصدد توقع الباحث الروسي في شؤون العلاقات الدولية والسياسية رولاند بيجاموف أن تعيد موسكو النظر في سياساتها في ما يخص تصرفاتها وعملياتها في سوريا، باتجاه منع الجانب الإيراني من الانتشار في المناطق الجنوبية وحتى القوات الموالية لإيران “ربما سيتم تعزيز الجيش النظامي السوري، لسبب رئيس يتعلق بما وصل من معلومات تشير إلى تورط متطوعين إسرائيليين من أصل أوكراني، وأيضاً خبراء من الموساد إلى جانب القوات الأوكرانية في هذا الصراع”.
وتختزن روسيا ما يفوق أربعة آلاف رأس نووي، وحجزت لنفسها مكاناً كإحدى الدول النووية العظمى في العالم، بالتالي لن تتوانى عن تنفيذ أي مخطط في حربها ضد أوكرانيا، وحتى وإن كان بنشر منظوماتها في دمشق، ويرجح متابعون للشأن الروسي أنه في حال الموافقة على نشر منظومة سارمات لن يحظى الجيش السوري النظامي بتسلمها، بل ستكون تحت رعاية روسية إلى جانب منظومة الدفاعات الجوية.
اندبندت عربي