الاتحاد العام التونسي للشغل يستغل فاجعة جرجيس لإحراج سعيّد

الاتحاد العام التونسي للشغل يستغل فاجعة جرجيس لإحراج سعيّد

تونس – قالت أوساط سياسية تونسية إن تحرك الاتحاد العام التونسي للشغل، وإعلانه الإضراب العام في مدينة جرجيس جنوب البلاد، على خلفية فاجعة غرق قارب مهاجرين، لا يخلو من دوافع سياسية في علاقة بسعي الاتحاد الدؤوب للضغط على الرئيس قيس سعيّد وإحراج موقفه أمام الرأي العام المحلي وأيضا الدولي.

وتوضح الأوساط أن الاتحاد وعلى مدار الأشهر الماضية حرص على توظيف الأزمات التي تواجهها البلاد، للتسويق إلى أن السلطة السياسية القائمة عاجزة عن إدارة الوضع في البلاد، محذرة من أن النهج التصعيدي الذي تتبناه قيادة المنظمة الشغيلة، لن يزيد الوضع العام إلا تأزما.

واستدركت هذه الأوساط بالقول إن هذا لا يعني أن السلطة القائمة لا تتحمل المسؤولية عن الأزمات المتوالية، ولاسيما حكومة نجلاء بودن التي اتسمت استجابتها في معالجة تلك الأزمات بالبطء ودون المستوى المطلوب، على غرار تعاملها مع المأساة التي حدثت في جرجيس.

وشل إضراب عام مدينة جرجيس التابعة لمحافظة مدنين الثلاثاء، وخرج الآلاف من المحتجين إلى الشوارع وسط تنامي الغضب بعد فقدان أبنائهم في غرق مركب كان يقلهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وللتنديد بدفن جثث آخرين في مقبرة للمهاجرين دون تحديد هوية المدفون فيها.

إضراب عام يشل مدينة جرجيس، وخروج الآلاف من المحتجين إلى الشوارع احتجاجا على فقدان أبنائهم في غرق مركب

وكان الاتحاد المحلي للشغل دعا في وقت سابق إلى إضراب عام، بعد حالة الاحتقان والاحتجاجات التي شهدتها المدينة على مدى أيام، ويقول مسؤولو الاتحاد إن هذا الإضراب هدفه الضغط على السلطات لبذل كل ما في وسعها من جهد، للكشف عن مصير المفقودين سريعا ومحاسبة المتورطين في دفن غرقى من أبنائهم دون تحديد هويتهم.

ورفع المحتجون خلال المظاهرات شعارات تطالب بالتنمية وتحسين أوضاع المنطقة للحد من نزيف الهجرة باتجاه سواحل أوروبا، في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر قوارب متهالكة.

وأظهرت صور من جرجيس الشوارع وقد اكتظت بالمحتجين، ومن بينهم عائلات المهاجرين، وأغلقت جميع المتاجر والمؤسسات الحكومية والخاصة أبوابها. وقال شهود إن المظاهرة كانت حاشدة.

وقال سليم زريدات، الذي كان ابنه وليد البالغ من العمر 15 عاما من بين المفقودين، “حتى اليوم ما زالت الدولة تتجاهلنا ولا تبحث حتى عن الغرقى”.

وأضاف زريدات “ما الذي فعلته لنا الدولة لمنع أطفالنا من الهروب؟ هل هناك وظائف؟ هل هناك مراكز ثقافية أو ترفيهية..؟ لا شيء”، مضيفا أن وليد شعر بأن لا مستقبل له في تونس رغم كونه طالبا ممتازا.

وصرح غسان بورقيبة، أحد ناشطي المجتمع المدني في جرجيس، بأن الإضراب كان ناجحا للغاية وكذلك المسيرة التي ضمت أهالي الغرقى والمفقودين، ووجهت رسالة واضحة مفادها أن أهالي المدينة يطالبون الدولة ببذل جهد كاف ومحاسبة المسؤولين المخطئين فورا.

الاتحاد حرص على مدار الأشهر الماضية على توظيف الأزمات التي تواجهها البلاد للتسويق إلى أن السلطة السياسية القائمة عاجزة عن إدارة الوضع في البلاد

وانتهز الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي فرصة وجوده في المؤتمر العادي للاتحاد في محافظة سليانة وسط البلاد، لانتقاد طريقة تعامل السلطة مع ملف المهاجرين غير النظاميين المفقودين في جرجيس.

وقال الطبوبي الثلاثاء “البعض يريد أن يغير مجرى الأحداث أمام الرأي العام”. وأضاف “رغم أن أهالي جرجيس مؤمنون بالقضاء والقدر، إلا أن الإشكال يكمن في السلطة المحلية التي أقامت مقبرة غرباء مخصصة للغرباء ودفن الشباب المفقود فيها”.

وأردف أن “الشباب ابتلعهم البحر بحثا عن أمل مفقود، ولم يعودوا يشعرون بالانتماء إلى الوطن جراء المناكفات والمعارك والتجاذبات السياسية والفقر المدقع والتهميش لعدة مناطق، مقابل شعارات وأوهام دغمائية”.

وبدت تصريحات الطبوبي موجهة بالأساس إلى الرئيس سعيّد، الذي حمّل مؤخرا ما أسماه بـ”حيتان البر”، المسؤولية عن تصاعد الهجرة غير الشرعية.

ومع ركود الاقتصاد في السنوات الأخيرة وتعرض المالية العامة لأزمة غير مسبوقة وسط اضطرابات سياسية، يلجأ عدد متزايد من التونسيين إلى قوارب متهالكة في الكثير من الأحيان للانضمام إلى طريق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

ولقي العشرات من التونسيين حتفهم بالفعل هذا العام غرقا، بينما كانت القوارب تحاول السفر باتجاه موانئ الساحل الشرقي إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

أكثر من 22500 مهاجر تم اعتراضهم قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، بينهم نحو 11 ألفا من دول أفريقيا جنوب الصحراء

وبدأت الاحتجاجات في جرجيس في وقت سابق هذا الشهر، بعد اختفاء قارب يعتقد أنه كان يحمل 18 مهاجرا في أواخر سبتمبر.

وفي الأسبوع الماضي عثر الصيادون المحليون على ثماني جثث. وازداد غضب الأهالي عندما دفنت السلطات الجثث في البداية في “مقبرة المهاجرين الغرباء” بدلا من العمل على تحديد هويتهم، كما تقاعست عن اتخاذ أي إجراء للبحث عن المفقودين. وأجبر الغضب السلطات المحلية على إعادة فتح قبور، وتبين أن الجثث تعود لمهاجرين ضمن هذا القارب.

وتحدث الرئيس قيس سعيّد عن احتجاجات جرجيس الاثنين خلال لقاء برئيسة الوزراء نجلاء بودن، قائلا إن السلطات تبذل جهودا للعثور على المفقودين في هذه المأساة وتسعى لمحاسبة كل المتورطين.

وطلب سعيّد من وزيرة العدل ليلى جفال فتح تحقيق عدلي في ملف الهجرة “ليعرف التونسيون والتونسيات الحقيقة كاملة، وليتحمل من كان وراء هذه الفواجع تبعات إخلالاته وتقصيره”.

وتجد السلطات التونسية صعوبات في عمليات اعتراض المهاجرين أو إنقاذهم بسبب نقص المعدات. ومع تحسّن الأحوال الجوية في تونس تتزايد وتيرة محاولات الهجرة غير النظامية انطلاقا من السواحل التونسية والليبية نحو إيطاليا، وتنتهي أحيانا بحوادث غرق.

وتكشف أحدث الأرقام الرسمية اعتراض أكثر من 22500 مهاجر قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، بينهم نحو 11 ألفا من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

العرب