الباحثة شذى خليل*
وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، تعد روسيا ثاني أكبر مُنتج للذهب في العالم بعد الصين، إذ تنتج روسيا نحو 9.5% من الذهب المستخرج على مستوى العالم كل عام، وتصدر سنوياً قرابة 330 طناً، وشجعت الحكومة المواطنين على الاستثمار في الذهب، هذه الاستثمارات بالطبع لها فوائدها، وقد تكون استثمارات طويلة الأجل مربحة.
وضاعفت موسكو كمية الذهب الموجودة في البنك المركزي الروسي بأكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2010، ما مكنها من إنشاء “صندوق حرب” من خلال مزج الواردات الأجنبية واحتياطيات الذهب المحلية الهائلة وتقول بعض المصادر، ولا تقتصر مخزونات الذهب في روسيا على ما تنتجه البلاد وحسب، بل هناك تقارير صحفية تشير إلى أنه يجري نقل حوالي 30 طناً من الذهب السوداني، بطرق غير رسمية، إلى روسيا سنوياً.
والكمية من الذهب منذ أواخر عام 2020 وبحسب الحكومة الروسية زادت بشكل أكبر، عندما اتخذت قرارا بتنويع استثمارات الصندوق لضمان سلامته وزيادة عوائد التخصيصات، وصندوق الثروة الوطني الروسي الذي يمثل جزءاً من أصول الميزانية الفيدرالية لروسيا، وإنشاؤه لدعم نظام التقاعد الوطني، ويمكن أيضاً استخدام الأموال لتغطية عجز الميزانية في أوقات الأزمات.
حيث بلغت أصول الصندوق أكثر من 13.5 تريليون روبل (184 مليار دولار أميركي)، وفقاً لوزارة المالية الروسية التي تعتقد أن المعادن الثمينة أكثر استدامة للاستثمارات من أصول السوق المالية على المدى الطويل.
أفاد البنك المركزي الروسي، أنه في عام 2020، تجاوزت قيمة احتياطيات روسيا من الذهب حيازاتها من الدولار الأميركي للمرة الأولى على الإطلاق. وفي نهاية يونيو 2020، أفادت تقارير أن روسيا تمتلك 128.5 مليار دولار أميركي من الذهب، وهو ما يمثل 22.9 في المئة من احتياطاتها الدولية، متجاوزة قيمة الدولار الأميركي في الموجودات بنحو 4 مليارات دولار أميركي.
أما في عام 2021 وبحسب بيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، ارتفعت صادرات روسيا من الذهب بنسبة 220 في المئة لتصل إلى 26.5 طن، بقيمة 1.5 مليار دولار أميركي تقريباً. وكشف التقرير أن الصادرات الروسية من الذهب كانت أعلى بـ 2.3 مرة مما كانت عليه في الفترة التي سبقته بحوالي عدة أشهر، وأشارت هذه البيانات إلى أن المملكة المتحدة بقيت المشتري الرئيس للذهب الروسي، حيث اشترت 21.1 طن بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي. ومع ذلك، لم تظهر البيانات ما إذا كان الذهب الذي تم شراؤه سيبقى في المملكة المتحدة أو سيتم إرساله إلى دول أخرى، لأن لندن تعد مركزاً عالمياً مهماً لدوران وتخزين المعادن الثمينة.
أما بيانات البنك المركزي الروسي في عام 2022 تؤكد ان احتياطيات البلاد الدولية ازدادت في 18 فبراير 2022 بواقع 3.6 مليار دولار، فإن احتياطيات روسيا، التي تضم عملات أجنبية وذهب، بلغت مستوى 643.2 مليار دولار، وسجلت بذلك مستوى تاريخيا.
بعد الحرب على أوكرانيا، دول كبرى تتخذ قرارات لمزيد من الضغط على الحكومة الروسية هي العقوبات الغربية عليها، حيث أعلنت 4 دول من مجموعة الدول الـ 7 الكبرى، هي: الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكندا، حظر العقود الجديدة للذهب الروسي. حيث جمدت العقوبات الغربية الكثير من أرصدة البنك المركزي الروسي التي تبلغ 640 مليار دولار، وحجبت عددا من البنوك الروسية عن نظام المدفوعات العالمي (سويفت)، وضربت العملة الروسية الروبل. ويقول بعض المختصين، إن الذهب يمثل فرصة جيدة لتحايل البنك المركزي الروسي على العقوبات، لأنه يتم التعامل معه كأي عملة حرة تتداول في الأسواق الدولية، مع مرونة الاحتفاظ به لدى أي من البنوك غير الممتثلة للعقوبات الغربية على الروس، مما تسبب في ان منتجي الذهب الروس خلال الفترة الأخيرة عانوا من قلة الطلب من البنوك الروسية، بسبب العقوبات الموقعة على الأخيرة، والتي حرمتها من جزء كبير من تجارة المعدن النفيس في الأسواق الدولية بالمرونة التي كانت عليها قبل فرض العقوبات.
روسيا تقول، إن قرار مجموعة الدول السبع الصناعية حظر وارداتها من الذهب الروسي، “أمر غير قانوني”، وذكرت الحكومة الروسية في بيان إنها بدأت منذ إعلان الحظر، البحث عن أسواق جديدة لتصدير الذهب، وخاصة في آسيا والشرق الأوسط.
فيما نقلت وكالة الأنباء الروسية “تاس” عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف قوله إن روسيا ستسعى لتصدير الذهب إلى دول أخرى. ونقلت وكالة “انترفاكس” الروسية عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قوله، إن “سوق المعادن النفيسة عالمية وكبيرة وغزيرة ومتنوعة”، وسوف نجد البدائل اي هنا روسيا واثقة من توسيع اسواقها لصادرات الذهب .
هنا نصل الى نتيجة مهمة، انه ورغم كل الضغوطات والظروف غير الواضحة التي يعيشها العالم كالصراعات بين الدول، إلا أن الجانب الاقتصادي يبقى هو الذي يحكم السياسات بين الدول، يبقى (الذهب) الملاذ الآمن ، إذ لا ينخفض سعره ولا يتقلب كثيراً حتى خلال الأزمات مقارنة بالأصول الأخرى مثل الأسهم، يُعتبر أصلاً وقائياً جيداً ووسيلة للادّخار.
وجميع التجارب عبر التاريخ اثبتت، أن الذهب يعمل جيداً في معدلات التضخم خلال الارتفاعات والانخفاضات الاقتصادية. وإذا كانت العملة بلا قيمة فعلياً، فإن أسعار الذهب سترتفع لمجرد أنها ستُقيَّم بنفس الوحدة النقدية، وهذا يعني أن الذهب هو واحد من أفضل سبل الحماية ضد التضخم، ويمكن استخدام سبائك الذهب، والذهب عموماً، ضماناً للقروض، لأنه أصل ملموس ذو قيمة عالية، وأن سبائك الذهب تعادل الممتلكات، لذلك عندما تتعامل معها، يمكنك الاستفادة من الخصم الضريبي المناسب.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية