من المحتمل أن يكون للتهديد بإعادة فرض عقوبات قديمة للأمم المتحدة أثر عملي ضئيل على قدرة طهران على تداول النفط وتصدير الطائرات المسيرة، في حين تشير مجموعة كبيرة من التعقيدات المحتملة الأخرى إلى أنه ينبغي التعامل معها كأداة الملاذ الأخير.
خلال الأسابيع الأخيرة، تناقشت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بشأن انتهاك إيران لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي يشكل ركيزة «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إثر بيعها لطائرات مسيرة إلى روسيا لكي تستخدمها ضد أوكرنيا. وقد دفعت هذه الادعاءات، إلى جانب الأزمة الدبلوماسية المستمرة بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، بالبعض إلى اقتراح “إعادة فرض العقوبات”، وهو بند من شأنه أن يعيد تفعيل قرارات الأمم المتحدة التي أوقف العمل بها بشأن إيران، ويلغي بشكل أساسي «خطة العمل الشاملة المشتركة». ما هي طريقة إعادة فرض العقوبات، وما هي تداعياتها السياسية والاقتصادية والأمنية؟
كيفية إعادة فرض العقوبات
تمّ إعداد البند ذي الصلة ضمن القرار رقم 2231 للسماح للأمم المتحدة باستئناف فرض العقوبات على إيران في حال “إخلالها بشكل واضح بالالتزامات المفروضة عليها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»”. ويمكن “لأي دولة مشاركة” أن تعيد تفعيل هذا البند. وعلى الرغم من أن النص لا يذكر تحديداً الأفعال التي “تعتبر إخلالاً واضحاً”، إلا أنه يشير إلى أن انتهاكات الاتفاق النووي بحد ذاته، والتي تشكل وحدها أساس إعادة التفعيل – مقابل المواضيع التي يغطيها القرار 2231 والتي ليست في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، على غرار حظر تصدير أسلحة مثل الطائرات بدون طيار التي تم إرسالها مؤخراً إلى روسيا (انظر أدناه). ومع ذلك، توفر الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها إيران لالتزاماتها النووية مبرراً كافياً لإعادة فرض العقوبات عليها. ومهما كان سبب الخلافات بين أطراف «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يدعو القرار الدول إلى حلها عبر آلية تسوية النزاعات التي ينص عليها الاتفاق قبل اللجوء إلى إعادة فرض العقوبات.
وتم تصميم عملية إعادة فرض العقوبات لتجنب ضرورة توافق الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وبريطانيا، والصين، وفرنسا، وروسيا). وفور إعادة إحياء هذا البند – أي من قبل دولة واحدة أو أكثر من الدول المشاركة في «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال تقديم شكوى رسمية بشأن الانتهاكات المزعومة -سينقضي إعفاء إيران من عقوبات الأمم المتحدة في غضون 30 يوماً ما لم يصدر مجلس الأمن قراراً بمواصلته. ويمكن لأي دولة عضو دائماستخدام حق النقض لوقف قرار الإعفاء، مما يجعل وقف إعادة العمل بالعقوبات أمراً صعباً إلا على الأطراف التي قامت بإحيائها (رغم أنه كما سيتم مناقشته أدناه، فإن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» يعقد دورها المحتمل في هذه العملية). وتنقضي آلية إعادة فرض العقوبات في تشرين الأول/أكتوبر 2025.
وفي حال إعادة تفعيل هذا البند، ستدخل ستة قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن ترتبط بإيران حيز التنفيذ: 1696 (2006)، و1737 (2006)، و1747 (2007)، و1803 (2008)، و1835 (2008)، و1929 (2010). وستشمل الآثار المحددة لذلك إعادة العمل بالحظر الذي انتهت صلاحياته الذي فرضته الأمم المتحدة على الأسلحة والذي منع الدول من تزويد أو بيع أو نقل معظم المعدات القتالية إلى إيران وحظَرَ على طهران تصدير أي أسلحة. بالإضافة إلى ذلك، ستلغي انتهاء صلاحية البنود المحددة في 23 تشرين الأول/أكتوبر التي تمنع طهران من تصدير الصواريخ والطائرات المسيرة أو إجراء “أي أنشطة” ترتبط بالصواريخ البالستية “المصممة لحمل أسلحة نووية” (للحصول على تفاصيل حول البنود الخاصة بالطائرات المسيرة، انظر إلى القسم الفرعي أدناه “نقل الأسلحة إلى أوكرانيا”).
كما ستساهم القرارات المفعلة مجدداً في فرض ضوابط على التصدير وحظر على السفر وتجميد الأصول وقيود أخرى على الأفراد والكيانات والمصارف المنخرطة في بعض الأنشطة النووية والصاروخية الإيرانية. وسيُطلب من الحكومات الوطنية و”الاتحاد الأوروبي” دمج هذه التصنيفات في قوانينها. وأخيراً، سيُفرض مجدداً حظر على معظم أنشطة إيران النووية، بما فيها تلك التي سمحت بها «خطة العمل الشاملة المشتركة».
إعادة فرض العقوبات، الجولة الأولى
عندما انسحبت إدارة ترامب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام2018، لم تحاول إعادة فرض العقوبات. وفي ذلك الوقت، أكد المفتشون الدوليون أن إيران تحترم الحدود النووية، ولربما خشي المسؤولون الأمريكيون من أن تنتقص إعادة فرض العقوبات من جهودهم الرامية إلى الانسحاب تماماً من الاتفاق ومن احتمال أن تقوض حق النقض الذي تتمتع به واشنطن في مجلس الأمن على المدى الأطول.
ومع ذلك، بعد مرور عامين، اتخذت الإدارة الأمريكية خطوة مثيرة للجدل قضت بإعادة فرض العقوبات على الرغم من أنها لم تعد طرفاً في «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي حزيران/يونيو 2020، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومهلة انقضاء الحظر على الأسلحة في تشرين الأول/أكتوبر، نشر المسؤولون الأمريكيون مشروع اقتراح بتمديد الحظر. ولقيت الفكرة دعماً ضئيلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا (أو ما يسمى بـ “الثلاثي الأوروبي”)، التي فضلت الالتزام الكامل بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» على الرغم من التحديات التي طرحها الانسحاب الأمريكي والانتهاكات الإيرانية المتعددة. كما اعترضت كل من الصين وروسيا على ذلك.
بعد ذلك، حاولت إدارة ترامب إعادة فرض العقوبات في آب/أغسطس متذرعةً بعدم امتثال إيران لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، مؤكدة أن الولايات المتحدة لا تزال “دولة مشاركة” في الاتفاق وفقاً للتعريف المنصوص عليه في القرار 2231. ورفضت 13 من أصل 15 دولة في مجلس الأمن، بما فيها “الثلاثي الأوروبي”، هذا التفسير، لتعود إدارة بايدن وتسحبه في شباط/فبراير 2021. ويؤكد فشل هذه المساعي أنه لا يمكن لواشنطن إعادة فرض العقوبات على إيران بشكل أحادي – حيث أن أي خطوة من هذا القبيل يجب أن يتم اتخاذها من قبل “الثلاثي الأوروبي”، ومن المحتمل بالتنسيق الوثيق معه.
اعتبارات إعادة فرض العقوبات
لا تعتبر إعادة فرض العقوبات آلية يمكن استخدامها باستخفاف أو كعامل دعم لتحسين موقف الغرب التفاوضي. ولا يعزى ذلك عموماً إلى تداعياتها الاقتصادية المحتملة التي تبقى محدودة، بل إلى واقع أن إعادة فرض العقوبات هي الزر الذي يوقف بشكل طارئ المفاوضات النووية، وسيعتبر تفعيله مؤشراً مؤكداً على فشل المحادثات. وبالتالي، يجب ألا تستخدم إلا عندما تخلص الحكومات الغربية إلى أن العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» أمراً مستحيلاً، وبعد التمعن بدراسة التداعياتالتالية:
الدبلوماسية النووية. من شأن تطبيق إعادة فرض العقوبات أن يعيد الدبلوماسية النووية إلى “نقطة البداية”، مما قد يلغي عملياً حلول الوسط التي انطوت عليها «خطة العمل الشاملة المشتركة» والجهود المبذولة لإحيائها. وسيستوجب قرار الأمم المتحدة بإعادة فرض العقوبات أن “تعلّق إيران كافة عمليات إعادة المعالجة والأنشطة المرتبطة بالمياه الثقيلة والأنشطة المتعلقة بالتخصيب” – وهو قيد تحدته طهران منذ البداية وستتحداه مجدداً، ببرنامج تخصيب أكثر تقدماً هذه المرة.
ونظرياً، يمكن للعودة إلى إعادة فرض العقوبات أن تسهّل إجراء محادثات جديدة من أجل التوصل إلى اتفاق أفضل في المستقبل. لكن من المرجح أن تغلق الباب أمام أي مفاوضات لفترة زمنية طويلة، وإذا ما تمّت المباشرة بمحادثات جديدة، فمن المحتمل أن تستغرق العملية وقتاً طويلاً، وربما يمكن مقارنتها بسنوات عديدة من المساعي التي أدت إلى ولادة «خطة العمل الشاملة المشتركة».
وبدلاً من ذلك، قد تأمل الحكومات الغربية في استخدام سلاح التهديد بإعادة فرض العقوبات كميزة تفاوضية. على سبيل المثال، يمكن أن يطلق “الثلاثي الأوروبي” العنان لعملية إعادة فرض العقوبات التي تستغرق 30 يوماً ويطالب إيران بالتراجع عن موقفها التفاوضي المتشدد قبل حلول الموعد النهائي. ولكن من غير المرجح أن تكون هذه الخطوة فعالة نظراً لأن التداعيات الاقتصادية المترتبة على إعادة فرض العقوبات ليست كبيرة جداً (انظر أدناه)، في حين أن التهديد بحدّ ذاته قد يبطل أي مصلحة إيرانية متبقية في أي اتفاق مستقبلي.
ضغوط فرض العقوبات. إذا تم إعادة فرض العقوبات مجدداً، فمن المرجح أن يكون الأثر الاقتصادي الناتج عن هذه الخطوة على إيران هامشياً، لأن طهران تواجه أساساً مجموعة من العقوبات الثانوية الأمريكية التي هي أكثر شمولاً وإضراراً مما تم تحديده في قرارات مجلس الأمن السابقة. على سبيل المثال، لا يمكن لأي من القرارات ذات الصلة تقويض تجارة إيران النفطية أو غير النفطية. وعلى الرغم من أنه سيتعين على الدول مطالبة الشركات والمصارف بـ”بتوخي الحذر” عند التعامل مع كيانات قائمة في إيران، إلّا أن مطلب الأمم المتحدة لن يردع على الأرجح مثل هذه الشركات المستعدة أساساً للمخاطرة بفرض عقوبات أمريكية عليها.
وعلى صعيد الطاقة، من غير المرجح أن تثني إعادة فرض العقوبات الصين عن شراء مئات الآلاف من براميل الخام الإيراني يومياً، والتي يتمّ استيرادها عبر نظام معقد وسري في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا لإخفاء مصدرها. ومن شأن إنهاء محادثات «خطة العمل الشاملة المشتركة» بشكل رمزي أن يحث الشركات في بلدان العبور على غرار تركيا والإمارات، والتي ربما كانت تراهن على رفع العقوبات قريباً، على توخي الحذر نوعاً ما. ومع ذلك، فبعد فترة من التكيّف، من المحتمل أن يكون الأثر الدائم محدوداً، حيث ستظل العديد من حكومات الدول المجاورة غير مستعدة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب من العقوبات.
وبالنسبة إلى الدول الملتزمة أساساً بالقيود الأمريكية، من شأن إعادة فرض العقوبات أن تعزز توجه السياسات التي تنتهجها. على سبيل المثال، سيختفي إلى أجل غير مسمى احتمال قيام كوريا الجنوبية بإلغاء تجميد الأموال الإيرانية الموجودة في مصارفها. ومع ذلك، فإن إعادة فرض العقوبات لن تحيي تلقائياً العقوبات الأكثر تشدداً التي فرضها الاتحاد الأوروبي قبل عقد من الزمن – فالقيود المفروضة على الطاقة والمعادن والكيماويات والنقل والقطاع المالي تتطلب موافقة بالإجماع في بروكسل.
وقد يكون الأثر الاقتصادي الأكثر أهمية رمزياً. ومن خلال إظهار عدم وجود احتمال لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يمكن لإعادة فرض العقوبات تأجيج المزيد من الاضطرابات في الأسواق الإيرانية، ومواصلة استنزاف الاستثمارات المحلية، والتسبب بمزيد من التدفقات الخارجيةلرؤوس الأموال وسط تمسك الإيرانيين بواقع العقوبات المتشددة إلى ما لا نهاية. ومع تمسك المسؤولين الإيرانيين بموقفهم المتشدد خلال المفاوضات الأخيرة، حاولوا مراراً تهدئة جمهورهم المحلي باحتمال إلغاء تجميدالأموال قريباً، على الأرجح جزئياً لإبقاء وميض التوصل إلى اتفاق قائماً وتعزيز قيمة الريال. إلا أن إعادة فرض العقوبات ستقضي على هذا الوهم.
نقل الأسلحة إلى أوكرانيا. في هذه المرحلة، من غير المرجح أن تعزز إعادة فرض العقوبات الجهود للحد من عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا لكي تستخدمها في أوكرانيا. وينتهك تسليم الأسلحة هذا أساساً الفقرتين 4 و6 من الملحق “ب” من القرار رقم 2231، الذي يفرض قيوداً على نقل بعض المعدات بموجب “قيود نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف” من دون موافقة مسبقة من قبل مجلس الأمن ويحظر التعاملات المالية مع الكيانات المدرجة. ومن شأن إعادة فرض الحظر الأوسع نطاقاً على الأسلحة الذي ينص عليه القرار أن يوفر مبرراً إضافياً لاعتبار نقل الطائرات المسيرة انتهاكاً له، ولكن دون منح صناع السياسة أي أدوات إضافية لردع إيران.
وعلى المدى الأطول، قد يوفر انقضاء موعد اختبار الصواريخ وبنود “قيود نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف” في تشرين الأول/أكتوبر 2023 موعداً نهائياً أكثر فائدة لصناع السياسة. وعليه، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على إعادة تفعيل «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو التخلي عن الفكرة بحلول ذلك الموعد، فإن إعادة فرض العقوبات لمنع انقضاء هذه البنود قد تكون منطقية.
ردّ إيران. سيتوقف رد فعل طهران على إعادة فرض العقوبات جزئياً، على الرسالة التي تتلقاها من روسيا والصين. فلو طلبتا من النظام البقاء ضمن حدود معينة – على سبيل المثال، عن طريق تجنب الجهود المبذولة للنهوض ببرنامج تسليحها [النووي]، أو طرد المفتشين، أو الانسحاب من معاهدة “حظر انتشار الأسلحة النووية” – فقد يكون ردّ إيران معتدلاً. ومع ذلك، من غير الواضح إلى أي مدى قد تحاولان الضغط على النظام. فالصين لم تكن مستعدة إلى حد كبير للضغط على إيران خلال المفاوضات بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وقدمت مساعدة مالية لها من خلال شراء نفطها في تحد للعقوبات الأمريكية. كما أن تعميق العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين روسيا وطهران قد يقلّل من استعداد موسكو للعب أي دور بناء في هذا المجال.
وفي النهاية، سيتمثل الهدف من رد فعل إيران في إظهار قدرتها على المقاومة والصمود، سواء من خلال اتخاذها خطوات نووية أو خطوات تقليدية أو كليهما. وقد تشمل الخطوات النووية مزيداً من القيود على عمليات التفتيش وتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة (أي الحد المقبول عموماً للمواد المستخدمة في صنع الأسلحة [النووية]). أما الخطوات التقليدية، فقد تكون على شكل هجمات مزعزعة للاستقرار أو مصادرة سفن في مضيق هرمز، بالإضافة إلى تصعيد من جانب الوكلاء في العراق و/أو لبنان وسوريا و/أو اليمن.
هنري روم
معهد واشنطن