الحفاظ على قيمة الدينار التونسي أول تحديات خطة الإصلاح الصعبة

الحفاظ على قيمة الدينار التونسي أول تحديات خطة الإصلاح الصعبة

تونس- قال مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي السبت إن بلاده ستبدأ قريبا إصلاحات اقتصادية صعبة تأجلت لسنوات، مضيفا أن السلطات المالية تحاول الحفاظ على استقرار الدينار. وهذا أول تصريح من جهة رسمية يقر بصعوبة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي ويتحدث عن أفق زمني لهذه الإصلاحات بعد أن تضاربت تصريحات الوزراء بشأن حدود هذه الإصلاحات.

واعتبر مراقبون تونسيون أن ظهور محافظ البنك المركزي للتحدث عن الإصلاحات مردّه أن الرجل يشغل منصبا إداريا تقنيا وليس سياسيا، ما يجعل تصريحاته ذات مصداقية من ناحية، ومن ناحية ثانية فظهوره يجنب الحكومة الصدام مع المعارضين ويمنعهم من توظيف هذه الحقائق في الهجوم عليها، أو استهداف الرئيس قيس سعيد.

لكنّ المراقبين اعتبروا أن تصريحات العباسي لا تعفي الحكومة من الظهور للدفاع عن خيارات الإصلاح، فهي حكومة تكنوقراط وتنفذ خطط الرئيس سعيد، ومهمتها أن تنفذ وتشرح تفاصيل هذه الخطط دون حسابات سياسية.

وقوبل صمت الحكومة في موضوع الإصلاحات وتفاصيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بانتقادات شديدة ليس فقط من المعارضين، ولكن أيضا من مجموعات محسوبة على الرئيس سعيد ومن خبراء اقتصاديين يرون أن تنفيذ الإصلاحات يحتاج قبل ذلك إلى حملة حكومية لتفسير الخطة وإقناع الناس بها وطمأنتهم بدل تركهم عرضة للتأويلات والإشاعات خاصة أن الأمر يتعلق بمواضيع مصيرية التغاضي عنها قد يقود إلى احتجاجات وردود فعل غاضبة.

وقال العباسي لإذاعة “ديوان إف.إم” المحلية “في أوقات الأزمات نجد حلولا جدية.. لم نتخذ إصلاحات صعبة منذ سنوات. خلال هذه الفترة سنأخذ إصلاحات صعبة”.

وأضاف أن تونس تحاول الحفاظ على استقرار الدينار لتكون هناك رؤية واضحة للمستثمرين.

وتراجعت قيمة الدينار في الأشهر الأخيرة قياسا بالدولار الذي تجاوزت قيمته ثلاثة دنانير تونسية. وفيما يرجع خبراء تقهقر الدينار مقابل العملات الأجنبية الرئيسية إلى تدهور الوضع المالي والاقتصادي للبلاد، يرى آخرون أن الأمر قد يكون مرتبطا بالضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي لفتح خط ائتمان لتونس مقابل تنفيذ إصلاحات موجعة.

وتضررت المالية العامة للبلاد جراء سوء إدارة الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الماضية، ناهيك عن التداعيات الكارثية التي خلفتها الجائحة على مجمل النشاط الاقتصادي ثم آثار الحرب في أوكرانيا، والتي تجلت في تدهور القدرة الشرائية للناس بشكل غير مسبوق.

وتوصلت تونس هذا الشهر إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد على حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار يمكن إتمامه في ديسمبر القادم.
وتونس في حاجة ماسة إلى مساعدة دولية منذ شهور في الوقت الذي تكافح فيه أزمة في المالية العامة أثارت مخاوف من احتمال تخلفها عن سداد ديونها وأسهمت في نقص الغذاء والوقود.

ويُنظر إلى الاتفاق أيضا على أنه ضروري لإطلاق المساعدات الثنائية من البلدان المانحة التي أرادت تطمينات برنامج صندوق النقد الدولي بأن تونس ستنفذ إصلاحات لوضع مواردها المالية على أساس أكثر استدامة.

ومن المتوقع أن تشمل الإصلاحات خفض دعم المواد الغذائية والطاقة، بالإضافة إلى إصلاح الشركات العامة وخفض كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة، وفقا لمسؤولين حكوميين.

وفسح الصمت الحكومي عن محتوى هذه الإصلاحات المجال للمعارضين والاتحاد العام التونسي للشغل للترويج لسيناريوهات الفوضى والتخويف والاحتجاج، وباتوا هم الجهة الوحيدة التي تفسر وتشرح وتؤول والناس في حيرة هل يصدقون هذه الرواية أم ينتظرون ماذا ستقول الحكومة أو مؤسسة الرئاسة.

وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي دعا الحكومة إلى الإفصاح عن برنامجها الذي قدّمته إلى صندوق النقد الدولي لمنحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار.

ورفض في تصريحات سابقة لإذاعة “جوهرة أف أم” المحلية ما يذهب إليه بعض الخبراء والمحللين بأن الاتحاد قد وافق على البرنامج الحكومي الذي تم تقديمه إلى الصندوق، مؤكدا أن اتحاد الشغل لم يطّلع على هذا البرنامج أصلا.

ولدى تعليقه على تصريح للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا قالت فيه إن “مسؤولي الصندوق كانوا يتطلعون إلى أن تعمل تونس على خصخصة بعض المؤسسات لكن المبادرة جاءت من الجانب التونسي الذي أبدى رغبته في خصخصة عدد من المؤسسات العمومية”، قال الطبوبي إن “هذا الموقف لا يلزم الاتحاد في شيء”.

وقال مراقبون إن موافقة صندوق النقد على القرض فاجأت قيادة الاتحاد التي كانت تعتقد أن الصندوق سيرفض الحوار مع الحكومة لعدم مشاركة المنظمة النقابية الكبرى في البلاد، لكن الصندوق الذي زار ممثلوه تونس أكثر من مرة والتقوا مختلف الأطراف المعنية بالإصلاحات بات يعرف من هي الجهة المعرقلة ومن هي الجهة التي يمكن التعامل معها وبناء تواصل دائم معها.

العرب