الغرب يبحث عن بدائل لا يجدها إلا عند الصين

الغرب يبحث عن بدائل لا يجدها إلا عند الصين

تعزّز القارة الأوروبية توسّعها في مجال الطاقة الشمسية بدافع الضرورة، ومن المقرر أن تتفوّق حتى على أكثر التوقعات تفاؤلا قبل الحرب. وأفاد المنتدى الاقتصادي العالمي أن 18 دولة من أصل 27 في الاتحاد الأوروبي سجلت أرقاما قياسية جديدة لتوليد الطاقة الشمسية بين مايو وأغسطس 2022. وليست الزيادة في الطاقة الشمسية كافية بحد ذاتها لحل أزمة الطاقة التي تشهدها القارة، لكنها تجسّد تقدما متفائلا، ومثمرا حتى الآن للاقتصاد والمناخ.

لندن – يتوقع التحليل السنوي لهذا العام من شركة الطاقة المتجددة النرويجية ”ستاتكرافت“ أن الطاقة الشمسية الأوروبية ستشهد زيادة سنوية في المتوسط ​​بين 45 و52 جيغاواط حتى سنة 2030. وكان هذا التقدير الذي تبع الغزو الروسي لأوكرانيا أعلى بكثير من تقديرات سنة 2021 التي توقعت زيادة 33 جيغاواط سنويا. ويقول الخبراء إن انفجارا مستمرا في صناعة الطاقة الشمسية سيتواصل، بحيث تصل إلى 80 في المئة من مجمل الطاقة المولّدة حول العالم في العام 2050.

الارتفاع الكبير في إنتاج الطاقة الشمسية أدى بالفعل إلى توفير 29 مليار دولار للدول الأوروبية خلال أشهر الصيف، وفقا لتحليل البيانات من مركز أبحاث الطاقة ”إمبر“. ومن دون هذه الزيادة الإضافية إلى مزيج الطاقة، كان من الممكن إنفاق هذه الأموال على واردات الغاز الطبيعي باهظة الثمن.

كانت أسعار الغاز الطبيعي والطاقة بشكل عام مرتفعة، حيث كافحت أوروبا وبقية العالم للتعافي اقتصاديا من الوباء، ثم تزعزع قطاع الطاقة العالمي بالغزو الروسي لأوكرانيا الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات الأزمة مع انقطاعات سلسلة التوريد والعقوبات المفروضة على الكرملين. وحذر الخبراء لسنوات من أن اعتماد أوروبا المتزايد على الغاز الروسي يعرض أمن الطاقة في القارة إلى الخطر، وهو أمر ثبتت صحته. فقد كانت ألمانيا، على سبيل المثال، تشتري أكثر من نصف إجمالي الغاز من روسيا.

وتعدّ زيادة الطاقة الشمسية مبشّرا لقدرة أوروبا على تجاوز هذا الشتاء، ولمستقبل الطاقة الذي لم يعد يعتمد على الوقود الأحفوري الروسي، وبالتالي لم يعد خاضعا لتأثير الرئيس فلاديمير بوتين وعرضة لتقلباته.

وتتجه أوروبا نحو شتاء صعب للغاية، وربما تطلّب الأمر سنتين من تأقلم صعب مع الكثير من الألم الاقتصادي. لكن أوروبا ستصبح بعد ذلك أكثر استقلالية بمزيج أكثر تنوعا، وفق ما نقلت قناة ”سي إن بي سي“ مؤخرا عن أغاث ديمارايس، مديرة الاستشراف العالمي في وحدة الاستخبارات الاقتصادية ضمن مجموعة “الإيكونوميست”، تأكيدها في مقال أن اعتماد الكتلة على روسيا “انتهى تقريبا”.

ومع ذلك، يتواصل بعض القلق من أن أوروبا تنحرف بشكل أساسي من دعم نظام استبدادي غني بالموارد إلى نظام آخر. حيث تتجه القارة إلى الصين لتلبية طلبها المتزايد على التكنولوجيا الكهروضوئية وخاصة الألواح الشمسية. وحسب تقرير “غلوبال تايمز” تنعكس الأرقام في أداء الشركات الكهروضوئية المحلية؛ فعلى سبيل المثال قالت مجموعة ”تونغواي“ الجمعة إن إيراداتها في الأرباع الثلاثة الأولى بلغت 102.084 مليار يوان، أي قرابة 14.09 مليار دولار، بزيادة 118.6 في المئة على أساس سنوي.

وفي حين أصبح الاتحاد الأوروبي يدرك، أخيرا وبعد أن دفع الثمن، المخاطر التي يمكن أن تنجرّ عن الاعتماد المفرط في الظروف العادية على حليف واحد في مجال الطاقة، ويحاول التحرر من سلسلة التزود بالمعدات الكهروضوئية من الصين، تبقى الألواح الشمسية الصينية رخيصة جدا بحيث لا يمكن تجاهلها.

لكن هذا لا يعني أن على كل دولة أن تكون مستقلة في مجال الطاقة. بل إن منافع إنشاء علاقات اقتصادية قوية مع الدول الأخرى أمر ضروري. ويبقى الدرس النهائي الذي يجب تعلمه من أزمة الطاقة الحالية هو التنويع.

إن المرونة متصلة بالتنوع، ويتوقف أمن الطاقة على وجود الكثير من المصادر وتقنيات الطاقة البديلة التي يمكن الرجوع إليها عند سيناريو حدوث الصدمة المؤكد وليس المفترض. وفي حين أن الطاقة الشمسية هي خيار فعّال من حيث التكلفة وباعتبارها صديقة للمناخ بشكل خاص، يجب تطوير الطاقات المتجددة الأخرى، والعلاقات التجارية مع العديد من مصدري تكنولوجيا الطاقة النظيفة، جنبا إلى جنب مع الطاقة الشمسية من أجل تلبية الأهداف المناخية ودعم أمن الطاقة.

يمكن القول إن ثورة الطاقة الشمسية أصبحت الآن على وشك الانطلاق. وقد تنامت منذ سنوات، حيث أصبحت تكنولوجيا الطاقة الكهروضوئية تنافسية من حيث التكلفة مع الوقود الأحفوري، واعتُبرت قبل بضع سنوات “أرخص كهرباء في التاريخ” وفقا لتوقعات الطاقة العالمية لسنة 2020 الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية.

وانخفضت تكلفة إقامة بنية تحتية جديدة للطاقة الشمسية بنسبة لا تُصدق بحوالي 90 في المئة منذ العام 2010. ولكن حتى الآن، تعطلت عملية الانتقال الشاملة للطاقة النظيفة بسبب عدد من العراقيل السياسية والاقتصادية والأيديولوجية. إلا أن الحرب الروسية في أوكرانيا يمكن أن تغير كل ذلك.

وفي حين تبدو الطاقة الشمسية جذابة بشكل متزايد، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنها أرخص من استمرار العمليات في محطة وقود أحفوري موجودة بالفعل. ثم توجد مشكلة السياسة البترولية.

كما كتبت “بوبيولار ساينس” في مقال بعنوان “الطاقة الشمسية أصبحت رخيصة. فلماذا لا نستخدمها أكثر؟” أن “الاستثمارات والسياسات والبنية التحتية لصناعة الطاقة ككل تميل إلى حد كبير لصالح الوقود الأحفوري”. ثم هناك قضية التعطيل الواضحة والبسيطة. حيث سيكون التمسك بالعمل كالمعتاد دائما أسهل، وغالبا ما يكون أرخص، من إحداث ثورة في صناعة الطاقة.

ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى قلب الوضع الراهن وفرض إعادة هيكلة كبرى لصناعة الطاقة الأوروبية. وفي حين أن أزمة الطاقة الحالية قاتمة في أحسن الأحوال بالنسبة إلى المواطنين الأوروبيين واقتصادات الدول بينما تتجه القارة نحو شتاء طويل وبارد وضائقة مالية، سيكون هناك مستفيد رئيسي واحد في نهاية المحنة هو الطاقة الشمسية.

لقد حطمت أوروبا بالفعل الأرقام القياسية للتوسع في الطاقة الشمسية حيث تعمل على استبدال واردات الوقود الأحفوري الروسية. وسجلت 18 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي أرقاما قياسية جديدة لتوليد الطاقة الشمسية بين مايو وأغسطس من هذا العام.

◙ مجموعة “تونغواي” تقول إن إيراداتها في الأرباع الثلاثة الأولى بلغت 14.09 مليار دولار، بزيادة 118.6 في المئة

ولكن يبقى هذا مجرد جزء صغير من شيء أكبر. أنصار البيئة يبتهجون بسماع هذا. ففي مثل هذه اللحظات، يبدو أن العالم قد يكون قادرا على إزالة الكربون بسرعة كافية لتحقيق الأهداف التي حددتها “اتفاقية باريس”. لكن هذا سيقودنا مجدداً نحو الصين.

وتهيمن الصين حاليا على سلاسل إمداد الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة الشمسية. وتفتخر بكين حاليا بقدرات تصنيعية كافية لتلبية الغالبية العظمى من الطلب العالمي حتى 2030. وتتدافع الحكومات الغربية لتكثيف قدراتها الإنتاجية الكهروضوئية، لكنها متخلفة كثيرا عن الصين من حيث الحجم والتكلفة والمعرفة التكنولوجية. وحدد تحليل حديث أجرته “بلومبرغ إن إي إف” أن أوروبا ستحتاج 149 مليار دولار لتصنيع ما يكفي من الألواح الشمسية والبطاريات وأجهزة التحليل الكهربائي لتلبية الطلب المحلي بحلول سنة 2030.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن الصين تفوقت كثيرا على بقية العالم من حيث التقدم التكنولوجي والمعرفة. وذكرت “بلومبيرغ” هذا الأسبوع أنه “يمكن نقل بعض هذه المعرفة بسرعة أكبر خارج البلاد إذا واجهت الشركات الصينية مقاومة أقل لإنشاء مواقع تصنيع في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.

ولم تقع الصين فريسة لنفس النوع من الجمود السياسي والقطاع الخاص الذي شهدته الولايات المتحدة وأوروبا. وبينما حافظت “بيغ أويل” على درجة كبيرة من التأثير في صنع القرار في الغرب، سار الشرق بأقصى سرعة نحو التكنولوجيا الخضراء. وسيتطلب تجنب الاختناق الصيني في صناعة الطاقة العالمية في مستقبل يعمل بالطاقة الشمسية تكاليف مقدمة هائلة من الغرب. لكن البديل “أزمة المناخ والطاقة المستمرة“ يجعل الثمن يستحق كل هذا العناء.

العرب