مذبحة وظائف أمنية في العراق

مذبحة وظائف أمنية في العراق

تحذر دوائر سياسية في العراق من اتخاذ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الحرب على ما أسماها “جائحة الفساد” شمّاعة لتصفية حسابات، لاسيما بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها في علاقة بإعفاء العديد من المسؤولين الأمنيين الكبار المحسوبين على رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

بغداد – لم يمض على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سوى أيام قليلة، حتى شن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حملة إقالات طالت مسؤولين أمنيين كبارا، فيما وصفتها دوائر سياسية بمذبحة أمنية.

وتقول الدوائر إن إقالة المسؤولين الأمنيين كانت خطوة منتظرة، لكن اللافت في الأمر سرعة اتخاذ القرار بشأنها، في خطوة لا تخلو من تصفية حسابات لبعض القوى في الإطار التنسيقي ضد الفريق الأمني المحسوب على رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

وأصدر رئيس الوزراء العراقي الثلاثاء سلسلة قرارات شملت إعفاء مسؤولين أمنيين كبار ومستشارين بالحكومة السابقة من مناصبهم.

وذكرت مصادر في الحكومة العراقية أن القرارات شملت إعفاء رائد جوحي رئيس جهاز المخابرات العراقية وحميد الشطري رئيس جهاز الأمن الوطني ونعيم مهدي مستشار جهاز الأمن الوطني وأمين العاصمة بغداد عمار موسى كاظم من منصبه.

كما شملت القرارات إعفاء مشرق عباس المستشار السياسي لرئيس الحكومة، وإحالة الفريق الركن حامد مهدي الزهيري قائد الفرقة الخاصة لحماية المنطقة الخضراء إلى وزارة الدفاع.

ورجّحت المصادر أن يكلف رئيس الحكومة العراقي الفريق الأول الركن طالب شغاتي لمنصب رئيس جهاز المخابرات العراقية.

وقالت الدوائر إن السوداني اتخذ من الحرب على الفساد ذريعة لتمرير هذه الإقالات، وهي تأتي استجابة لضغوط من الحزام السياسي الداعم للحكومة وعلى رأسه ائتلاف دولة القانون الذي يتزّعمه نوري لمالكي، وعصائب أهل الحق التي يقودها قيس الخزعلي، الذي سبق ودعا إلى ضرورة التحرك وإقالة عدد من المسؤولين، للتجاوزات التي قاموا بها خلال الفترة الماضية.

وترجح الدوائر أن تكون هناك دفعة جديدة من الإقالات ستشمل محافظين ومسؤولين في العديد من الهيئات والمؤسسات الوزارية والحكومية.

ويسوّق السوداني إلى أن المعركة على الفساد ستشكل أولوية مطلقة بالنسبة إلى حكومته الجديدة، لكنّ أوساطا سياسية عراقية شككت في حقيقة قدرته على فتح ملفات تطال جهات متنفذة في الدولة، محذرة من التعاطي الانتقائي مع المتورطين في قضايا فساد.

وتقول الأوساط نفسها إن السوداني، الذي لا يحظى بإجماع داخل الشارع العراقي، في حاجة إلى تبنّي قضايا تدغدغ مشاعر هذا الشارع، وتحتوي أيّ توجّهات لبعض المكونات السياسية والمدنية للتصعيد مستقبلا، وفي هذ السياق يركز رئيس الوزراء الجديد على محاربة الفساد لكونها مطلبا شعبيا رئيسيا.

وتلفت الأوساط إلى أن إثارة قضية اختلاس كبرى في بنك الرافدين، بالتزامن انطلاقة عمل الحكومة الجديدة، لم تكن بريئة من حيث توقيتها، وأن هناك مخاوف جدية من أن تتحول معركة الفساد إلى معركة تصفية حسابات، وهو ما بدا يتضح من خلال “المذبحة” الأمنية التي حصلت بالأمس.

واهتز العراق مؤخرا على وقع فضيحة كبرى تتمثل في اختلاس 2.7 مليار دولار من أموال الضرائب، وقد أعلن البنك المركزي العراقي عن قرار بتجميد أموال عدد من كبار المسؤولين في هيئة الضرائب.

من المرجح أن يكلف رئيس الحكومة الفريق الأول الركن طالب شغاتي لمنصب رئيس جهاز المخابرات العراقية

وأطلق رئيس الوزراء العراقي الثلاثاء مصطلح “جائحة الفساد” وعدّه “تهديداً خطيراً” للدولة العراقية، وفيما عرض خطوط السياسة الخارجية العراقية علّق على إلغاء قرارات حكومة سلفه مصطفى الكاظمي.

وقال السوداني في كلمة له عقب جلسة مجلس الوزراء التي عقدت برئاسته إن “جائحة الفساد تهديد خطير للدولة العراقية”، موضحا أن “إجراءات استرداد المبالغ المسروقة من الأمانات الضريبية ماضية وتتابع يومياً”.

وتابع “لن نسكت عن الأموال المنهوبة ولن نكرر سياقات الحكومات السابقة بشأن محاربة الفساد”، مضيفا أن “المواطنين يريدون محاسبة مرتكبي الفساد واسترداد الأموال المسروقة”.

وأوضح في جلسة تابعتها “وكالة شفق نيوز” أن “جلسة مجلس الوزراء أكدت على رؤية الحكومة في عملها للمرحلة المقبلة والجميع معنيون بنجاح مهمة الحكومة”. وتابع السوداني “حددنا ثلاثة أسابيع للوزارات لإعداد البرنامج الحكومي وستكون هناك لجنة تنسق مع الوزارات في مسألة كتابة البرنامج”.

وأضاف السوداني أن “الأسبوع الرابع سيناقش البرنامج الحكومي وإقراره في مجلس الوزراء وسيكون هناك تقييم للوزارات والمحافظات، وتحديد أهداف وبرامج وفق أولويات المنهاج الوزاري”.

وقال في تعليقه على الإعفاءات التي قام بها يجب على “الأجهزة الأمنية أن تكون بعيدة كل البعد عن أيّ استثمار أو تدخّل سياسي أو تجاذبات

ويرى مراقبون أن اتخاذ السوداني والفريق السياسي الداعم له من الحرب على الفساد شماعة للقيام بعمليات تصفية حسابات مع المسؤولين في الحكومة السابقة توجه خطير جدا، ستكون له بالتأكيد تداعياته.

أوساط سياسية عراقية تشكك في حقيقة قدرة السوداني على فتح ملفات تطال جهات متنفذة في الدولة

ويشير المراقبون إلى أن رئيس الوزراء العراقي يحاول استثمار المناخ الداخلي وأيضا الدعوات الخارجية لضرورة التحرك لوضع حدّ للفساد، لتنفيذ مآرب هي أبعد ما يكون عن محاربة ما أسماها بـ”الجائحة”، وهي تستهدف بالأساس إحلال شخصيات موالية في المناصب لاسيما الحسّاسة.وأكدت الممثل الخاص للأمین العام للأمم المتحدة في العراق جينین بلاسخارت الثلاثاء أن الفساد عقبة كبيرة أمام الحكومة وأكبر تحدٍّ للعراق، داعية الحكومة الجديدة إلى بدء إيصال الخدمات وإعادة بناء جسر الثقة ومكافحة الفساد.

وقالت بلاسخارت، خلال مشاركتها في الجلسة الرابعة ضمن ملتقى ميري “عراق للجميع” الثلاثاء إن “الفساد مسألة مرتبطة بالنظام في العراق منذ عشرين عاماً”، مشددة على أن محاربتها تكمن في إصلاح النظام الحالي.

ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، إذ احتل المرتبة 157 عالميا بين 180 دولة ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام الماضي.

ويضرب الفساد جميع القطاعات الاقتصادية في العراق، وقد شهد البلد خلال السنوات الأخيرة تحرّكات احتجاجية للمطالبة بوضع حد لهذا الأخطبوط، لكنّ الحكومات المتعاقبة فشلت في تحقيق أيّ اختراق حقيقي وملموس، واقتصرت الاعتقالات على مسؤولين من مستويات متوسطة ودنيا، ولا يبدو أن الوضع سيكون أفضل مع حكومة السوداني، بل جميع المؤشرات توحي بأنها بصدد تشريع فساد من نوع آخر.

العرب