في كتابه «جيوبوليتيك روسيا» الصادر حديثاً عن دار «لا ديكوفيرت»، يرى لوكاس أوبان، المتخصص في دراسات العالم السلافي، ومدير الأبحاث في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت قبل عشرة أشهر، ليست سوى «نتيجة للاستراتيجية الروسية التي وضعت في عام 2000 والتي هدفها إعادة روسيا إلى واجهة المسرح الدولي، وضمان سيطرتها على المنطقة العازلة (عن الحلف الأطلسي) وما كان سابقاً أراضٍ سوفياتية».
وطريق القيادة الروسية إلى ذلك يتمثل بـ«جدلية القوة» المسماة باللغة الروسية «درجافنوست»، التي أطلقها بطرس الأكبر وسار على هديها ستالين وتبناها بوتين.
والأكثر من ذلك أن هذه الجدلية «تحولت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي إلى وسيلة لتثبيت شرعية السلطة. لذا، فإن كافة السياسات التي اتبعت منذ ثلاثين عاماً سلكت هذا النهج الذي تفرضه بالدرجة الأولى، وفق المؤلف، جغرافيا روسيا. إذ إن موسكو تجد نفسها اليوم محاصرة: فمن الغرب والجنوب هناك الحلف الأطلسي الذي أخذ يضم الأكثرية الساحقة من الدول التي كانت تنتمي سابقاً إلى حلف وارسو، بينما تتأهب فنلندا والسويد للالتحاق بهذا النادي الذي يشكل أكبر تحالف عسكري في التاريخ. ومن الشرق، هناك الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والطامح للتفوق على الولايات المتحدة الأميركية. ومن الشمال، هناك القطب الشمالي ومياهه المتجمدة، فيما كانت روسيا تبحث دوماً، منذ زمن القياصرة، عن الوصول إلى (المياه الدافئة)».
فما هي العلاقة العضوية التي تربط السياسة بالجغرافيا الروسية؟
تشكل مساحة روسيا ثمن أراضي الكرة الأرضية، وما يساوي ضعفي مساحة الولايات المتحدة، و25 مرة مساحة فرنسا. والفرق الزمني بين أبعد نقطتين من الأراضي الروسية هو 13 ساعة، فيما المسافة بينهما تصل إلى 10 آلاف كلم. وتمتد الحدود الروسية – الـصينية على طول أربعة آلاف كلم، فيما 76 في المائة من أراضي روسيا تقع في القارة الآسيوية مقابل 24 في المائة منها في أوروبا. وبالنظر لاتساعها الهائل، فإن الكثافة السكانية ضعيفة للغاية (8.5 أشخاص في الكيلومتر المربع). وبلغ عديد سكانها بداية العام المنتهي 145.47 مليون نسمة.
ويكرس الكاتب فصلاً كاملاً لشرح تكوين روسيا عبر المراحل التاريخية التي عنوانها التوسع في كافة الاتجاهات، بدءاً من القرن التاسع وحتى الإمبراطور بطرس الأكبر الذي سعى لجعل بلاده دولة أوروبية. ومن طرائفه أنه فرض «ضريبة اللحية» التي اعتبرها شرقية، ويتعين التخلص منها، كما جعل الفرنسية لغة الدبلوماسية الروسية. وبعده توسعت روسيا في ظل الإمبراطورة كاترين الثانية، التي ضمت شبه جزيرة القرم في عام 1783 بعد انتزاعها من الأتراك، ومدت حدود بلادها إلى ضفاف البحر الأسود، وغزت بولندا وأوكرانيا ودول البلطيق وفنلندا التي بقيت روسية حتى الحرب العالمية الأولى.
وعند موت ستالين في عام 1953، بلغت مساحة الاتحاد السوفياتي 22.5 مليون كلم مربع، لتكون ثالث أكبر إمبراطورية في التاريخ بعد إمبراطورية المغول والإمبراطورية البريطانية. بيد أن هذه المساحة الشاسعة انكمشت بشكل دراماتيكي إلى 17 مليون كلم مربع عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، ما يعني عملياً أن سبعة عقود من التوسع الروسي انهارت بشطحة قلم. ولم يفتأ بوتين يكرر أن انهيار الاتحاد كان «أكبر كارثة استراتيجية» في القرن العشرين.
يقول الكاتب: «منذ وصوله إلى السلطة في عام 2000، جعل فلاديمير بوتين من اللجوء إلى القوة مبدأً رئيسياً للدفاع عن مصالح بلاده في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق»، ومنها بالطبع أوكرانيا. وفي عام 2014، استعاد 27 ألف كلم مربع هي مساحة شبه جزيرة القرم، بعد أن كان قد تدخل في الشيشان وفي جيورجيا.
وإذا كان الروس يشكلون السواد الأعظم من سكان روسيا (80 في المائة)، إلا أن روسيا تحتضن 160 مجموعة أتنو – لغوية مختلفة. ورغم انفلاشها وما يحتضنه باطن الأرض من ثروات (بترول، غاز، معادن ثمينة، يورانيوم، معادن نادرة…)، فإنها تعد بلداً ضعيفاً اقتصادياً، رغم أن عائداتها، خصوصاً من صادرات النفط والغاز والأسلحة والمعادن، توفر للسلطات الموارد المادية التي تمكنها من التحرك. ويقول الكاتب إنه بالنظر إلى التركيبة الاقتصادية – الاجتماعية، فإن بوتين «يتولى مسؤولية بلاد شاسعة تشبه بالأحرى محيطاً يغلب عليه الفقر، وتبز فيه بعض الجزر التي تعرف البحبوحة»، وهي في الحقيقة المدن الكبرى ومكامن الثروة والقوة الروسية الواقعة في غالبيتها في القسم الأوروبي من البلاد. وأبرز مثال على ذلك موسكو، التي تحتضن 8 في المائة من السكان، وتتمتع بـ20 في المائة من الناتج المحلي الخام. وكما أصبح معلوماً، يعد الاقتصاد الروسي «ريعياً»، إذ يعتمد على عائدات مبيعات النفط والغاز والمعادن المختلفة، حيث إن روسيا هي المنتج الأول للنفط (10.5 مليون برميل/يوم)، والثاني للغاز. أما المعادن فهي كثيرة، كالذهب والألماس والزنك والألومينيوم والنيكل.
– الاستدارة شرقاً
في «مبادئ سياسة روسيا الخارجية للعام 2016»، التي صادق عليها بوتين، تأكيد متكرر لوجود «تغيرات عميقة في النظام الدولي عنوانها قيام مراكز تأثير سياسية واقتصادية جديدة، أبرزها تلك القائمة في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، حيث تتراجع قدرة الغرب التاريخية على الهيمنة السياسية والاقتصادية العالمية، وبالتوازي يبرز تنوع الثقافات والحضارات وتعدد نماذج التنمية». وترجمة ذلك بالنسبة لبوتين هي التحالف مع الصين التي لبى دعوة رئيسها شي جينبينغ لحضور افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين في 4 فبراير (شباط)، أي قبل عشرين يوماً من إطلاقه «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. وحضور بوتين تناقضَ مع غياب القادة الغربيين. وعلى هامش الألعاب، وقع بوتين ونظيره الصيني 15 وثيقة، أبرزها تلك التي تؤكد ضرورة قيام عالم متعدد الأقطاب، والمطالبة رسمياً بضمانات قانونية لعدم توسع الحلف الأطلسي. واقتصادياً، وقع الطرفان على اتفاقية قيمتها 400 مليار يورو لثلاثين عاماً، تقوم روسيا بموجبها بتصدير 48 مليار متر مكعب من الغاز، بحيث تكون الطرف الأول المصدر للغاز إلى التنين الصيني.
بيد أن البعد الاستراتيجي يتفوق على البعد الاقتصادي؛ إذ إن الحليفين يسعيان لنقل مركز الثقل الاقتصادي والسياسي والعسكري نحو الشرق.
وبحسب بوتين، فإن موسكو «تريد الاستفادة من نفخ الرياح الصينية في الأشرعة الروسية». لكن المؤلف يرى أن بكين، التي تخطط للتحول إلى القوة العالمية الأولى بعد عشرين عاماً «تستخدم روسيا مطية لتحقيق مصالحها»، حيث إن التحالف بين الطرفين «غير متكافئ»، نظراً لميزان القوى بينهما. ورغم تضارب الأهداف البعيدة، فإن للطرفين حالياً مصلحة في التحالف. ولذا، فقد عمدا سابقاً (في عام 2004) إلى «تنقية» علاقاتهما من الشوائب، خصوصاً على صعيد حل الخلافات الحدودية بينهما. ويبلغ طول خط الحدود بين الطرفين 4250 كلم. ومنذ تلك اللحظة، أخذ بوتين يسمي الصين «حليفاً استراتيجياً». والطرفان عضوان في «منظمة شانغهاي للتعاون» التي تضم أربع قوى نووية هي الصين وروسيا والهند وباكستان، وتمثل نصف سكان العالم، بينما يضم الحلف الأطلسي ثلاث قوى نووية (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا). يضاف إلى ذلك أن كلا البلدين يبديان اهتماماً خاصاً بمجموعة «البريكس» التي تضم إليهما الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، والتي يريدان تحويلها إلى حصن بمواجهة التحالف الغربي ومجموعة السبع للدول الأكثر تصنيعاً التي أخرجت منها روسيا في عام 2014 عقاباً لها على اجتزاء شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وضمها إلى الأراضي الروسية.
ويعمل الجانبان على تعزيز تعاونهما في المنظمات الدولية، خصوصاً في مجلس الأمن، حيث استخدما معاً حق النقض 14 مرة ما بين العام 2007 و2022. وقد وصلت علاقاتهما الاقتصادية إلى قمم غير مسبوقة، إذ تضاعفت 13 مرة، فتحولت الصين إلى شريك روسيا الاقتصادي الأول (15 في المائة من تجارتها الخارجية).
ودفعت الخلافات الروسية – الغربية، بشأن سوريا وأوكرانيا وسجل حقوق الإنسان وتوابعه، موسكو إلى الارتماء في أحضان الصين والعمل أكثر فأكثر لبناء نظام عالمي جديد. وما بين عامي 2008 و2019، تعززت العلاقات التجارية بين الطرفين، فارتفعت مبادلاتهما من 56 إلى 111 مليار دولار في العام، فيما يهدف بوتين إلى بلوغها 200 مليار في العام 2025.
وكما في الاقتصاد والسياسة، فإن علاقات الطرفين العسكرية تعززت بشكل مضطرد بدءاً من عام 2000، وتكثفت مبيعات الأسلحة الروسية للصين، وتكاثرت المناورات العسكرية الواسعة بين جيشيهما، ولم تعد روسيا تتردد في نقل التكنولوجيا العسكرية الحساسة لشريكها الصيني. ولعل أبرز دليل على التقارب بين الجانبين أن الرئيس شي جينبينغ زار موسكو ثماني مرات منذ العام 2013.
ولا يقتصر التعاون الروسي – الصيني على الأرض، بل يمتد أيضاً إلى الفضاء. ففي السنوات الخوالي، كان السباق القائم بين روسيا والولايات المتحدة مريراً. لكن الوضع تغير اليوم، ولم تعد روسيا قادرة على مواصلة التنافس الفضائي مع الولايات المتحدة الأميركية. واستشهد المؤلف بكلام لـديميتري روغوزين، المدير العام لـ«روس كوزموس» المسؤولة عن الأنشطة الفضائية، الذي قال العام الماضي ما حرفيته: «لم يعد هناك سباق في الفضاء (مع الولايات المتحدة). إذا أردتم تواصل السباق مع «ناسا» الأميركية، فعليكم أن توفروا لنا ما يعادل أموال «ناسا». نستطيع المنافسة حتى لو كانت ميزانية الطرف ضعف أو ثلاثة أو أربعة أضعاف ميزانيتنا. لكن لا نستطيع التنافس مع ميزانية تفوق ميزانيتنا بـ13 ضعفاً». ويسرد المؤلف أرقاماً تبين تأخر روسيا التي خصصت 2.5 مليار يورو للفضاء في عام 2019. إلا أنها بذلك تحل في المرتبة الخامسة بعد ألمانيا (3.8 مليار) والاتحاد الأوروبي (5.7 مليار) والصين (9.8 مليار) والولايات المتحدة المتربعة على المرتبة الأولى (19.8 مليار). لذا، كانت الاستدارة الروسية باتجاه الصين، التي وقعت معها اتفاقاً العام الماضي يقضي بإنشاء محطة روسية – صينية – دولية مأهولة في القطب الجنوبي للقمر بحلول العام 2030، ستكون ثمرة التعاون بين شركة «روس كوزموس» والإدارة الفضائية الصينية. وليس سراً أن للصين طموحات فضائية واسعة وبرنامجاً متعدد الأهداف، من هنا، فإن موسكو وبكين تجدان في تعاونهما، وفق المؤلف، وسيلة لمواجهة التقدم الفضائي الأميركي، لا بل تخطيه في الأعوام المقبلة.
– التنين الصيني والدب الروسي من يأكل الآخر؟
يرى المؤلف أن استدارة بوتين نحو شي جينبينغ هي «تحالف الضرورة». ورغم أنهما شريكان فإن المحور الجديد يبدو «مختل التوازن» لصالح بكين، الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول مستقبله.
فعلى المستوى الاقتصادي، أصبحت الصين في العام 2021 ثاني أغنى دولة في العالم بعد الولايات المتحدة، إذ بلغ ناتجها المحلي الخام 16493 مليار دولار، بينما احتلت روسيا المرتبة الـ11 مع 1584 مليار دولار، ما يبين أن حجم الاقتصاد الصيني يزيد عشرة أضعاف عن مثيله الروسي. وفيما تعاني روسيا من أزمات متلاحقة، بعيداً عن تبعات الحرب التي أطلقتها ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) من العام المنتهي، والتي فاقمت أوضاعها الداخلية وأعباءها المالية وعزلتها الاقتصادية والسياسية، فإن الصين تبدو وكأنها على كوكب آخر. ويرى المؤلف أن التحالف بين الطرفين «سيدوم طالما أن مصالحهما الاقتصادية والسياسية تفرض دوامه. بيد أن طموح بوتين هو أن يعود إلى واجهة المسرح الدولي، وأن يفرض نفسه نداً للولايات المتحدة، بينما يرى شي جينبينغ في روسيا شريكاً من بين مجموعة شركاء، يمكن الارتكاز إليه (إلى جانب آخرين) حتى تتحول الصين إلى أكبر قوة عالمية بحلول العام 2049». ويضيف الكاتب أن مصالح الطرفين كانت متقاربة حتى بداية العام 2022. بيد أن إرادة بوتين في التوسع مستنداً إلى القوة العسكرية (كما الحال في أوكرانيا وقبلها في جيورجيا) تدفع الصين إلى الحذر رغم أن للطرفين مآخذ مشتركة على واشنطن. فموسكو تتخوف من تمدد الحلف الأطلسي إلى حدودها، وبكين تنظر بقلق كبير إلى النظرية العسكرية الأميركية التي ترى في الصين منافساً يتعين احتواؤه، وهي عازمة على منعها من وضع اليد على تايوان التي تريد بكين إعادتها إلى البيت الصيني، حتى وإن اضطرت إلى استخدام القوة. ويشير الكاتب إلى أن الصين نددت بالحرب الروسية على أوكرانيا، لكنها امتنعت عن فرض عقوبات عليها، وهي بالتالي تلزم موقفاً دقيقاً، حيث لا ترغب مطلقاً في الانقطاع عن القوى الغربية وعلى رأسها أميركا، وما فتئت تؤكد رفضها المساس بالحدود القائمة وتدعو إلى حل المشكلات من خلال الوسائل الدبلوماسية. وذهب الرئيس الصيني إلى حد اقتراح «وساطة» في النزاع، بينما يسعى الغربيون لدفعه إلى ممارسة ضغوط على بوتين لوقف حربه الأوكرانية.
حقيقة الأمر أن التحالف الروسي – الصيني، رغم أهميته للطرفين، ولروسيا بالدرجة الأولى، ليس بالنقاء الذي يريدانه أو يحرصان على إبرازه. فروسيا، وفق المؤلف، تتخوف من تمدد النفوذ الصيني في دول آسيا الوسطى التي كانت سابقاً معقودة اللواء لموسكو إلا أنها أخذت تتحرر من الهيمنة الروسية، فيما بكين تنمي حضورها في هذه المنطقة. ولعل أبرز دليل على ذلك أن ثلاثاً من «الطرق الاستراتيجية الأرضية» التي أطلقتها الصين في سياق مشروعها الضخم «طرق الحرير»، تمر في دول آسيا الوسطى، مع ما يستتبعها من استثمارات وتوثيق للعلاقات وتعزيز حضورها المتنوع. ويقول الكاتب إن «فقدان روسيا لقدرتها على التأثير في بلدان آسيا الوسطى حقيقي». ولا تتوقف المخاوف الروسية عند هذا لحد، إذ إن موسكو تبدو «حذرة» إزاء تنامي الحضور الصيني في منطقة أقصى الشرق الروسي، إذ ثمة اختلال ديموغرافي فاضح. وتبين الأرقام التي يوردها الكاتب أن 4.3 مليون روسي يعيشون في المنطقة الروسية المحاذية للصين، مقابل 109 ملايين صيني في الجانب الآخر من الحدود. ومن جهة، هناك بنى تحتية حديثة وحضور ديموغرافي كثيف، ومن الجهة الثانية فقر وانعدام للبنى التحتية، وخصوصاً الفراغ الذي أخذت الجالية الصينية المتنامية بملئه. ويؤكد الكاتب أن مدناً رئيسية روسية، مثل فلاديفوستوك وخاباروفسك، تجتاحها الشركات الصينية التي فتحت لها روسيا الأبواب كبادرة لتعزيز العلاقات بين الطرفين، ولكنها اليوم أخذت تثير التساؤلات، وأحياناً المخاوف، من تغير البنية الديموغرافية والاقتصادية لهذه المنطقة.
وتتميز روسيا بكونها الدولة الوحيدة في العالم التي لديها حدود مشتركة مع الاتحاد الأوروبي من جهة، والصين من جهة أخرى. ومن ناحية ثانية، تمتلك روسيا 2000 كلم من الشواطئ المطلة على المحيط الهادئ. ولذا، تريد توسيع وتعزيز حضورها في بلدان شرق آسيا، وأن تتحول إلى محور اقتصادي رئيسي، وإلى الممر الأفضل للبضائع المتجهة من الغرب إلى الشرق، وبالعكس، الأمر الذي يفسر انضمامها، منذ عام 1998، إلى منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ.
وينقل الكتاب كلمة لوزير الخارجية سيرغي لافروف في اجتماع لـ«نادي فالداي»، يؤكد فيها أن «التوجه شرقاً أولوية وطنية روسية من أجل تطوير المناطق الشرقية للبلاد»، فيما سبقه بوتين لتأكيد أن تطوير أقصى الشرق الروسي يعد «المهمة الجيوسياسية الأكثر أهمية بالنسبة للفيدرالية الروسية».
ولا يبدو حتى اليوم أن خطط السلطات الروسية في هذا المجال قد حققت نتائج واضحة. والأسباب عديدة، وقد لخصها الكاتب بتأكيده أن أي قوة تريد تثبيت حضورها، يتعين عليها التمتع بأبعاد ثلاث: عسكرية وسياسية واقتصادية. والحال أن روسيا لا تتمتع بأي منها اليوم في منطقة آسيا – الهادئ، بشكل يمكنها من ممارسة تأثير ملموس. ويشير المؤلف إلى أن حضور روسيا العسكري فيها محدود، ودورها الاقتصادي ثانوي، ونفوذها كذلك على المنظمات الإقليمية الموجودة. أما دورها الاقتصادي فإنه لا يقارن بالدور الصيني، ما يعني عملياً أن «الاستدارة شرقاً» ما زالت هدفاً، ولم تتحول بعد إلى واقع.
الشرق الأوسط