إنكار الأزمة الاقتصادية حيلة الحكومة المصرية للحفاظ على هدوء الشارع

إنكار الأزمة الاقتصادية حيلة الحكومة المصرية للحفاظ على هدوء الشارع

القاهرة- أثار تقرير أصدرته الحكومة المصرية مؤخرا، أكد على عدم وجود أزمة اقتصادية واعتنى بالرد على ما وصفه بالشائعات والأكاذيب، ردود فعل ساخرة حول حالة الإنكار التي تصر الحكومة على اعتمادها في مواجهة الأزمة.

أصدرت الحكومة تقريرها في 48 صفحة وردت فيه على القضايا المرتبطة بالوضع الاقتصادي العام، من حيث حجم الدين الخارجي والموازنة العامة للدولة وسعر الصرف والتصنيف الائتماني للدولة، فضلا عن جدوى المشروعات القومية وشروط قرض صندوق النقد وارتفاع الأسعار وتأزم الأوضاع في البنوك.

وأظهر التقرير الرسمي الموجه إلى الشارع المصري أن البلاد تعيش حالة من الازدهار والنماء، بما يتعارض مع الحالة التي تمر بها شريحة كبيرة من المواطنين بسبب نمو معدلات الغلاء وتصاعد مستوى الفقر وتزايد الشكاوى من اختفاء الدولار في البنوك.

ورغم تمسك الحكومة بنجاحها في السيطرة على انفلات الأسعار والحد من تدهور الأوضاع المعيشية، جاء تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (جهة حكومية) ليقف في صف الشارع، مؤكدا ارتفاع معدلات التضخم.

ونفى التقرير روايات وزارة التموين والتجارة حول السيطرة على السوق، بتأكيده أن الأسعار ارتفعت بنسبة عالية (52 في المئة) ليضع الحكومة في موقف بالغ الحرج.

◙ الكثير من الشواهد تعكس مدى جهْل بعض المسؤولين بثقافة اختيار التوقيت المناسب لاتخاذ القرارات التي لها أبعاد سياسية وأمنية واجتماعية

وأوضح جهاز الإحصاء أن نسبة التضخم في شهر نوفمبر الماضي وصلت إلى 19.2 في المئة، مقارنة بـ6 في المئة خلال نفس الشهر في العام الماضي، ما يؤكد مرة أخرى أن ما تسوّق له الحكومة من سيطرة على الأوضاع لا علاقة له بما يحدث في الواقع.

ويرى مراقبون أن إصرار الحكومة على حالة الإنكار وتقديم واقع “خيالي” للناس يعكس مدى بُعد بعض المؤسسات عن الواقع، حيث لا تعترف بالحقيقة التي يدركها مواطنون يشاهدون يوميا تأزم الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق.

واطلعت “العرب” على التقرير الصادر عن الحكومة، وتعمد استخدام كلمة “مزاعم” في جميع البنود والقطاعات التي تطرقت إليها بخصوص الوضع الاقتصادي، سواء ما ارتبط منه بالأسعار وتهاوي الجنيه المصري أمام الدولار أو ما اتصل بالتصنيف الائتماني لمصر دوليا وتراجع أداء البورصة، لتوحي بأن كل ما يتردد عن وجود أزمات اقتصادية من قبيل الشائعات التي تروج لها أطراف معادية.

وقال نادر نورالدين، مساعد وزير التموين المصري سابقا، لـ”العرب” إن “إنكار وجود أزمة اقتصادية يكرس غياب الثقة بين الشارع والحكومة، وتبدو الأخيرة غير قادرة على تحمل المسؤولية، ولا بديل عن المصارحة والمكاشفة بينها وبين المواطنين في وقت الصعوبات الاقتصادية ليتشارك الجميع في تجاوزها بأقل الخسائر”.

وتتحدث الحكومة عن مزايا تحرير سعر الصرف وسط تهاوي الجنيه أمام الدولار وتتمسك بأن الإجراء يهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار واحتواء معدلات التضخم، بينما يدرك المصريون أن الانفلات الذي تعاني منه السوق كان نتيجة متوقعة لتحرير سعر الصرف.

وجاء مشروع قانون الإجراءات الضريبية الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب ليضاعف فجوة الثقة بعدما تم تصويره على أن الدولة ترغب في معرفة حسابات الأفراد في البنوك لتفرض عليهم ضرائب.

وعلى الرغم من نفي هذه الرواية، إلا أن شريحة كبيرة من الناس تشكك في النفي، وترى أن نفي النفي أشبه بالإثبات بسبب غياب الشفافية والمصارحة من جانب المؤسسات الرسمية في توصيفها للواقع الحقيقي.

ودفع تقريرُ الحكومةِ المصريينَ إلى التساؤل؛ إذا كانت البلاد لا تعاني أزمة اقتصادية وكل الأوضاع مستقرة كما تصف، فلماذا تضاعفت الأعباء على المواطنين وتم تحميلهم جزءا من فاتورة الأزمة؟ وإذا لم تكن هناك إشكاليات في توفير العملات الصعبة لماذا انفلتت أسعار السلع المستوردة بحجة عدم وجودها لأن الحكومة لا توفر الدولار للاستيراد؟

ويزيد تراجع ثقة الناس في الحكومة من الضغوط على النظام الحاكم، ما يضعه في موضع الدفاع بشكل متكرر، وقد ظهر ذلك في اضطرار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى مصارحة المواطنين بالحقيقة من خلال تقديم المزيد من المعلومات التي مثلت لهم صدمة.

ويضاعف المسار الذي تصر الحكومة على السير فيه -عبر محاولة تخدير المواطنين بفكرة عدم وجود أزمة- الضغوط الواقعة عليها، ويدفع الشارع إلى زيادة فائض التذمر للمطالبة بتحسين الأوضاع، في حين لا تستطيع المؤسسات الرسمية القيام بذلك عمليًّا.

وقال نادر نورالدين إن “تقديم صورة غير حقيقية يجعل المسؤول الحكومي مصدر تندر كلما تحدث إلى الناس، فلا أحد يُنكر وجود أزمة اقتصادية، وليس مطلوبا من الرئيس السيسي وحده مصارحة الشارع، فهذه مسؤولية الحكومة، وإنكار الأزمة لبث التفاؤل هو نوع من الخداع، لأن المواطن يعيش تفاصيل المشكلة عمليّا”.

وتعاني الحكومة من معضلة أكثر تعقيدا ترتبط بغياب الحكمة السياسية في التعامل مع الشارع وقت الأزمات، ما يضطرها للتراجع إلى الوراء أمام تمسكها بالعناد وفرض الأمر الواقع على الناس، وهو أسلوب يرى كثيرون أنه يعبر عن أداء سياسي ضعيف لا يناسب الوقت الراهن.

وتعكس الكثير من الشواهد مدى جهْل بعض المسؤولين بثقافة اختيار التوقيت المناسب لاتخاذ القرارات التي لها أبعاد سياسية وأمنية واجتماعية، وأحيانا يتم تمريرها لإظهار قوة الدولة وسيطرتها على زمام الأمور.

العرب