وهران منفذ الأكراد السوريين الجديد نحو أوروبا

وهران منفذ الأكراد السوريين الجديد نحو أوروبا

يجد الأكراد السوريون أنفسهم مرغمين على الهجرة، فمناطق الشمال السوري باتت تحت قصف القوات التركية، ولا تصلها ضروريات الحياة اليومية، لكنهم عوض أن يهاجروا عبر تركيا، يغامرون بخوض رحلة تهريب أشد خطورة تمكنهم من الوصول إلى أوروبا عبر الجزائر ومن ثمة الحصول على اللجوء الإنساني وتمكين عائلاتهم من فرص الهجرة.

القامشلي (سوريا) – أغلقت فرص الهجرة عبر تركيا في أوجههم وصار الأكراد السوريون يتخوفون من دخول الحيز الجغرافي التركي خشية الاعتقال من النظام الذي يلاحق الأكراد منذ سنوات، فلم يبق أمامهم سوى رحلة طويلة وخطرة، تمكنهم من الهجرة نحو أوروبا من دول شمال أفريقيا وتحديدا الجزائر.

كان باران رمضان ميسكو يختبئ مع مهاجرين آخرين منذ أسابيع في مدينة وهران الساحلية الجزائرية، وهو ينتظر فرصة ركوب قارب ينقله عبر البحر المتوسط ​​إلى أوروبا.

وقبل أيام من بدء رحلة الكردي السوري الذي يبلغ من العمر 38 عاما، سمع أخبارا عن غرق قارب مهرّب يحمل بعض أصدقائه بعد وقت قصير من مغادرته الساحل الجزائري. وقد غرق معظم ركابه. كانت صدمة للرجل الذي أمضى أسابيع للوصول إلى الجزائر من سوريا ثم انتظار شهر حتى ينقله المهرّب على متن القارب.

وبعد أن أنفق الآلاف من الدولارات في الرحلة مع زوجته وابنتيه الللتين تبلغان من العمر 3 و4 سنوات، وجميعهن يعتمدن عليه لتأمين حياة آمنة من الصراع، صعد المهندس الذي تحول إلى صحافي على متن قارب صيد صغير مع العشرات من الرجال الآخرين والتقطوا صورة جماعية لإرسالها إلى عائلاتهم قبل أن يتوقف الاتصال بالإنترنت.

وبعد رحلة استغرقت 12 ساعة طوال الليل، شق ميسكو طريقه إلى ألمرية بإسبانيا في الخامس عشر من أكتوبر، ثم سافر إلى ألمانيا بعد أربعة أيام، حيث أصبح الآن طالب لجوء في مستوطنة للمهاجرين بالقرب من بيليفيلد. ومازال يعتاد على الطقس البارد، ويستخدم تطبيق ترجمة على هاتفه لمساعدته أثناء تعلمه اللغة الألمانية. وقال إنه يأمل في تسوية وضعيته قريبا حتى تتمكن عائلته من الانضمام إليه.

المهاجرون الأكراد يسافرون إلى مصر ثم إلى بنغازي الليبية قبل الشروع في الرحلة إلى الجزائر عبر شبكة أخرى من المهربين

وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن ما لا يقل عن 246 مهاجرا فُقدوا أثناء محاولتهم عبور غرب البحر المتوسط ​​إلى أوروبا في 2022.

ويعد ميسكو من بين عدد متزايد من الأكراد السوريين الذين يسافرون إلى أوروبا في مسار متعرج يشمل السفر بالسيارة والطائرة عبر لبنان ومصر وليبيا والجزائر، ثم أخيرا بالقارب إلى إسبانيا. ويقول المهاجرون إنهم يختارون هذا الطريق الملتوي لأنهم يخشون أن تعتقلهم القوات التركية أو المسلحون المدعومون من تركيا في سوريا إذا حاولوا التسلل إلى تركيا، التي توفّر الطريق الأقصر إلى أوروبا.

ووفقا لبيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، عبر 591 سوريا على الأقل البحر المتوسط ​​من الجزائر والمغرب إلى إسبانيا في 2022، أي ما مثّل ستة أضعاف إجمالي العام الماضي.

وقال مهرّب كردي سوري في الجزائر إن العشرات من الأكراد من سوريا يصلون إلى مدينة وهران الساحلية الجزائرية كل أسبوع في رحلة بحرية.

وقال المهرّب لوكالة الأسوشييتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من اعتقال السلطات الجزائرية له “لم أشهد أعدادا بهذا الارتفاع من قبل”.

وتركت سنوات من الصراع والاضطراب الاقتصادي بصماتها على مناطق شمال سوريا التي يقطنها حوالي 3 ملايين شخص تحت سيطرة الأكراد الفعلية. واستهدف مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية والقوات التركية وجماعات المعارضة السورية المنطقة من الجيب الذي يسيطر عليه المتمردون في شمال غرب البلاد. كما أدى تغيّر المناخ وتفاقم الفقر إلى تفشي وباء الكوليرا في الأشهر الأخيرة.

ويأتي العديد من المهاجرين مثل ميسكو من مدينة كوباني السورية التي تصدرت عناوين الصحف قبل سبع سنوات عندما صمد المقاتلون الأكراد في مواجهة حصار وحشي من تنظيم الدولة الإسلامية.

المهاجرون السوريون يسافرون عبر شمال أفريقيا الأكراد السوريون يهاجرون نحو أوروبا في مسار غير مباشر عبر دول شمال أفريقيا بدلا من تركيا حيث يخشون الاعتقال
المهاجرون السوريون يسافرون عبر شمال أفريقيا

الأكراد السوريون يهاجرون نحو أوروبا في مسار غير مباشر عبر دول شمال أفريقيا بدلا من تركيا حيث يخشون الاعتقال
وقال الأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا جوزيف ظاهر إن البلدة تُركت في حالة خراب، و”لم يحدث الكثير” منذ ذلك الحين لمحاولة إعادة البناء، مضيفا أن معظم تمويل التنمية ذهب إلى مدن أخرى.

ومنحت الأحداث الأخيرة في شمال شرق سوريا سكانها حافزا إضافيا للمغادرة. حيث كثّفت تركيا هجماتها على المناطق الكردية في سوريا بعد تفجير في إسطنبول في نوفمبر أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة أكثر من 80 آخرين. وتتهم فيه أنقرة حزب العمال الكردي المحظور والميليشيا الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، وحدات حماية الشعب في سوريا. ونفى هذان الطرفان مسؤوليتهما.

وقصفت الضربات الجوية التركية منذ ذلك الحين مناطق في شمال شرق سوريا، بما في ذلك كوباني، مما أدى إلى زيادة تدمير بنيتها التحتية المدمرة بالفعل، وتعهدت أنقرة بغزو بري.

ويتذكر المهندس من كوباني بوزان شاهين غارة جوية تركية الشهر الماضي. وقال “رأيت أمي ترتجف من الخوف وتمسك بأختي البالغة من العمر 4 سنوات لتحافظ على هدوئها”.

ويريد الآن الانضمام إلى تدفق الأكراد المتجهين من سوريا إلى أوروبا. وتابع:”أعرف بعض الأصدقاء الذين وجدوا طريقة للوصول إلى لبنان من خلال مهرّب والذهاب إلى مكان ما عبر ليبيا. لست على دراية بكل التفاصيل، لكني أحاول أن أرى كيف يمكنني خوض هذه الرحلة بأمان”.

وتدير العملية، التي تستغرق أسابيع وتكلف الآلاف من الدولارات، شبكة تهريب ترشو الجنود السوريين لإيصال المهاجرين عبر نقاط التفتيش حيث يمكن احتجازهم بسبب التهرب من التجنيد أو النشاط المناهض للحكومة، ثم عبر الحدود المليئة بالثغرات إلى لبنان، على حد قول المهاجرين والمهربين.

ويمكث المهاجرون عادة في شقق مزدحمة في بيروت لمدة أسبوع تقريبا في انتظار جوازات سفر عاجلة من السفارة السورية عن طريق وسيط مهرّب.

ويسافر المهاجرون إلى مصر بجوازات السفر، حيث يمكن للسوريين الدخول دون تأشيرة، ثم خوض رحلة أخرى إلى بنغازي الليبية التي مزقتها الحرب قبل الشروع في الرحلة إلى الجزائر عبر شبكة أخرى من المهربين.

وقال ميسكو “ذهبنا في شاحنات صغيرة وسيارات جيب وأخذونا في ليبيا عبر طرابلس والطريق الساحلي وكنا نبدّل السيارات كل 500 كيلومتر أو نحو ذلك”.

وكان عليهم، أثناء الرحلة عبر الصحراء، عبور نقاط التفتيش التي تديرها فسيفساء الجماعات المسلحة الليبية.

وقال ميسكو “عاملنا بعض الحراس عند نقاط التفتيش معاملة مروعة عندما علموا أننا سوريون، أو أخذوا نقودنا وهواتفنا، أو جعلونا نقف في الخارج في الحر لساعات”.

وأكّد أن جماعة مسلحة خطفت مجموعة المهاجرين الذين غادروا قبله وطلبت 36 ألف دولار للإفراج عنهم.

وشعر ميسكو بالارتياح بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى مدينة وهران الجزائرية، إلى شقة يديرها المهربون. وبينما كان ينتظر لأسابيع، أمضى هو والمهاجرون الآخرون معظم وقتهم في الداخل. وقال “لم نتمكن من التحرك بحرية في جميع أنحاء وهران، لأن قوات الأمن في كل مكان ولم نعبر إلى البلاد بشكل قانوني. كما كانت العصابات في المدينة أو حتى على الساحل تحاول سلب المهاجرين وافتكاك أموالهم”.

واتهمت جماعات حقوق الإنسان السلطات الجزائرية باعتقال المهاجرين وفي بعض الحالات طردهم عبر الحدود البرية، فقد طردت الجزائر أكثر من 13 ألف مهاجر إلى النيجر المجاورة إلى الجنوب في النصف الأول من 2021، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.

ويشعر ميسكو بالندم على مغادرته كوباني، على الرغم من ارتياحه لوصوله بأمان إلى ألمانيا مع فرصة لإحضار زوجته وابنتيه إلى هناك. وقال “كنت دائما معارضا لفكرة الهجرة أو حتى النزوح. كلما اضطررنا إلى الانتقال إلى منطقة أخرى بسبب الحرب، كنا نعود إلى كوباني بمجرد أن نتمكن من ذلك”.

ويقضي معظم وقته في مقابلات اللجوء وجلسات الاستماع في المحكمة، لكنه يقول إنه في حالة معنوية جيدة لعلمه أنه بدأ عملية لم يحلم بها إلا منذ شهور. ويأمل في الحصول على وضع اللجوء قريبا حتى تتمكن زوجته وابنتاه من الالتحاق به في أوروبا.

وقال إن “سوريا أصبحت بؤرة حرب وفساد وإرهاب. عشنا على هذا النحو لمدة 10 سنوات، ولا أريد أن تعيش ابنتاي هذه التجارب، وأن تريا كل الفظائع”.

العرب