الباحثة شذى خليل*
يعد الأمن الغذائي ضمانا لديمومة البقاء على قيد الحياة للشعوب والبلدان سواء في الأزمات أو غيرها ، إذ يمثل إمدادات الأغذية العالمية من المواد الأساسية الى تحمل زيادة إنتاج المستهلك، حيث يتمكن جميع الأفراد في كل زمان من توفير المنتجات إليهم والحصول على الأكل الكافي في أي وقت وتوفير المواد الغذائية في كل الأماكن، ويعتبر هذا الشيء جيد لتلبية احتياجاتهم في كل الأوقات وبالأخص وقت الأزمات ، بمعنى أوسع الأمن الغذائي أشمل كثيرا من الاكتفاء الذاتي، فبينما يهتم الأمن الغذائي بأن تكون السلع الغذائية متاحة في السوق بصرف النظر عن مصدر هذه السلع سواء كان الإنتاج المحلي أو الاستيراد فإن الاكتفاء الذاتي يركز على أن يكون مصدر الإتاحة هو الإنتاج المحلي بشكل أساسي.
ويشكل الأمن الغذائي أمام الدول مفهوما معقدا ومتشعبا لشموله على أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية (وتوزيعية تتصل بتوزيع الدخول والفقر)، ولهذا يعد أحد أهم مسؤوليات الدولة الحضارية الحديثة.
حسب تعريف ﻣﻨﻈﻤﺔ (FAO) هو (ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻐﺬاء ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ واﻟﻨﻮﻋﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺘﻴﻦ ﻟﻠﻮﻓﺎء ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ﺑﺼﻮرة ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﺻﺤﻴﺔ وﻧﺸﻄﺔ).
في حين ينظر الى الاكتفاء الذاتي Autarky أو الاقتصاد المغلق Closed Economy على أنه اعتماد بلد ما على (إمكانياته الخاصة للحصول على احتياجاته من السلع الاستهلاكية والاستثمارية، بهدف التقليل من مستوى التبعية السياسية والاقتصادية للدول الأخرى وبالتالي تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية في قراراته ومواقفه الدولية).
في العراق يبدو الأمر أكثر تعقيدا، حيث تتداخل الأسباب الاقتصادية والسياسية والإدارية والفساد وغياب الرقابة والكثير من الأزمات التي أنهكت الاقتصاد والتخطيط للأمن الغذائي، وتهدد وفق مستويات الفقر وغلاء الأسعار وهشاشة القطاع الزراعي وتهالك إنتاجيته، وتأكد الدولة في ضعف خزينها الاستراتيجي مما خلق تخوفا من احتمال مجاعة المجتمع، ولذا توجهت الدولة لتشريع قانون الأمن الغذائي الذي دخل في صدامات سياسية لشموله لمواد أفرغت القانون من مهمته الاجتماعية والاقتصادية كأمن غذائي حيث جاء القانون بديلا عن الموازنة العامة للدولة.
القانون جاء نتيجة امر طارئ أي انه “مرحلي”، في إشارة إلى كونه متعلقا بالفترة التي كانت تفتقر فيها الدولة لموازنة مالية بسبب الأزمة السياسية التي تضرب البلاد ، وجرت عليه تعديلات ، منها إلغاء القروض الداخلية والخارجية داخل القانون، إضافة إلى تحديد التخصيص المالي له، الذي يقدر بأكثر من 35 تريليون دينار (24.1 مليار دولار)، بهدف تجنيب العراق الاعتماد على واردات الاقتصاد الريعي، من خلال دعم قطاعي الزراعة والصناعة، دون تكليف الموازنة المالية للعام 2022 أي أتعاب، كون القانون جاء من فائض زيادة أسعار النفط. لكنه لم يفي بالغرض ولم يتحسن حال المواطن، وكانت فقرات كثيرة غير واضحة في القانون، جعلته غير موثوق به. رغم ان أهدافه لتخفيف الفقر في الأوقات الصعبة، وتخليص الشعب من الفقر .
أما الوضع الاجتماعي والتركيبة السكانيّة وتدني المستوى العلمي والتقني، فالعراق يعيش وضعاً اجتماعياً لا يبعث على التفاؤل، بفعل عدم كفاءة الإدارة الحكومية لهذا الموضوع، فأثّرت بشكل لا يقبل الشك على نفسية المواطن وقدراته الإبداعية، وقد ساعد على ذلكَ الهجرات غير المنتظمة وغير المدروسة بين مختلف قطاعات المجتمع ومناطقهِ. إنّ هذهِ المشكلة، تتطلب جهداً غير عادي لإعادة تأهيل وبناء الإنسان لأنّه العمود الفقري لأي بناء المجتمع وتنمية.
إنّ مستقبل الأمن الغذائي، يعتمد بشكل كُلّي على تحقيق خطوات سابقة، لا يُمكنُ القفز عليها، هذهِ الخطوات تجاوزتها بلدانٌ أُخرى أو كادت، فحقَّ لها التكلّم عن الأمن الغذائي، أمّا في العراق فمستقبل الأمن الغذائي مرهون بتحقيق إصلاح عام، من خلال خطط تنموية شاملة في ظل استقرار سياسي واجتماعي.
وبصدور النسخة العاشرة من مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021 احتلت ايرلندا المرتبة الاولى عالميا
وكان ترتيب الدول العربية باستثناء العراق كالاتي:
قطر عربيا (1) عالميا 24 بدرجة 73.6
الكويت عربيا (2) عالميا 30 بدرجة 72.2
الإمارات ( 3) 35 71
عُمان (4) 40 70
البحرين ( 5) 43 68.5
السعودية (6) 44 68.1
الأردن (7) 49 64.6
الجزائر (8) 54 63.9
تونس (9) 55 62.7
المغرب (10) 57 62.5
مصر (11) 62 60.8
سوريا (12) 106 37.8
السودان (13) 110 37.1
اليمن (14) 112 35.7
وفق هذه الدرجات تستطيع الدول ان تضع استراتيجياتها لضمان أمنها الغذائي وتحصين مجتمعها، من المؤسف ان لا يدرج العراق ضمن مؤشر الأمن الغذائي لعام 2021و2020 .
خير دليل على هشاشة الاقتصاد العراقي للأزمات ما حدث خلال وبعد أزمة جائحة كورونا ذلك الحدث الاستثنائي الذي أصاب الاقتصاد بالركود وأيضا الحرب الروسية الأوكرانية التي هزت الاقتصاد وخلقت تداعيات سلبية فقد تأججت أسعار الغذاء في السوق العراقية .
هنا يجب التركيز على ملف الأمن الغذائي الذي يطرح نفسه من جديد وبقوة في ظل النقص الحاد في الخزين الاستراتيجي وتوريد السلع الاستراتيجية.
تحتاج الحكومة الى الكثير من الإصلاحات لتوفير هذه الحلول البسيطة وإلى إصلاح حياة المواطنين وتوفير إعادة تنظيم القوانين والتي تكمن في الأزمات التي تمر بها البلاد وارتفاع في الأسعار وحصول الفجوة الغذائية.
ختاما تنعكس الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد بشكل كبير على حياة المواطن العراقي حيث لا تخطيط لتوفير احتياجاته في الأوقات الصعبة ، ولا تخطيط حكيم لتفعيل القطاع الزراعي وحل مشاكل المياه مع دول الجوار، ووضع الأهداف لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وسيمر العراق بأزمات متعاقبة إذا لم تدرك الحكومات الخطر المقبل.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية