قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مستهل سنوات ولايته الأولى مع مطلع القرن الجاري أن “انهيار الاتحاد السوفياتي أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين. من لم يشعر بالأسى لسقوطه إنسان بلا قلب، ومن يعتقد في احتمالات عودته إنسان بلا عقل!”. أتى ذلك تعليقاً على إعلان انتهاء وجود الاتحاد السوفياتي، قبل أن يتحول في وقت لاحق إلى تصريحاته حول ضرورة العمل من أجل “لملمة” شتات الإمبراطورية الروسية القديمة.
ويصطدم طموح بوتين بمقاومة شرسة في أوكرانيا بدعم غربي لوقف التمدد الذي خلف آثارا اقتصادية كبيرة في العالم.
وكان بوتين قد كشف في وقت لاحق عن أنه في سبيله إلى اقتفاء خُطى بطرس الأعظم مؤسس روسيا الحديثة، الذي قال إنه عمل على استعادة أراضي الإمبراطورية الروسية وتدعيم أركانها، من دون أن يكون في ذلك تطاولاً على أراضي الغير. وفي ذلك تلميح يغني عن التصريح، حول ما يحتدم من جدل، تجاه ما يسميه البعض بالمطامع التوسعية للرئيس الروسي.
وبغض النظر عن تاريخ ومناسبة صدور كل من هذه التصريحات، فإن الواقع الراهن يشهد ما يعرب عنه كثيرون في روسيا من مشاعر الأسى والأسف لضياع تلك الدولة التي رأوا فيها أحد أهم عناصر التوازن في العلاقات الدولية.
روسيا لا تخطط للاحتفال
ولعل ما يحتدم اليوم من جدل حول مناسبة ذكرى تأسيس الاتحاد السوفياتي السابق في 30 ديسمبر (كانون الأول) 1922 يشير ضمناً إلى تحفظات بعض القوى السياسية في روسيا تجاه احتمالات أن تثير الاحتفالات بهذه المناسبة ضغينة من تراوده مخاوف عودة بوتين إلى محاولات إحياء فكرة لم شمل بلدان الاتحاد السابق.
وبينما أعلنت مصادر الكرملين “أن روسيا لا تخطط للاحتفال رسمياً بالذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفياتي”، سارعت الأوساط الشيوعية إلى المطالبة بجعل الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفياتي “عطلة وطنية”.
ونقلت وكالة “نوفوستي” عن النائب الأول لرئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية يوري أفونين، ما قاله حول “أن الاحتفال بالذكرى المئوية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يجب أن يصبح شأناً وطنياً”، إلى جانب دعوته إلى ضرورة “تغطية هذا الحدث على نطاق واسع”.
ورغم تباين وجهات النظر تجاه الاحتفال بهذه المناسبة، فإنه يبدو ما يشبه الإجماع حول اعتبار هذه المناسبة “علامة فارقة في تاريخ البلاد”، إلى جانب تبني “الشق الأول” مما سبق وقاله بوتين حول “أن من لم يشعر بالأسى لسقوط الاتحاد السوفياتي إنسان بلا قلب”، مع تجاهل الشق الثاني من “القول المأثور”، حول “أن من يعتقد في احتمالات عودته إنسان بلا عقل”، بعد أن كشف بوتين صراحة عن توجه مغاير.
إنجازات ودروس مستفادة
على أن الأهم في هذا الصدد، يظل فيما تتمحور حوله الخلافات، لا سيما في ما يتعلق بما تحقق من إنجازات، ومن دروس مستفادة، سواء من قيام ذلك الاتحاد، أو ما نجم عن انهياره، ومنها ما يشهده الفضاء السوفياتي السابق على مدى السنوات الأخيرة، من صراع واحتراب، تحديداً بين الروس والأوكرانيين.
ولتأكيد مثل هذا التوجه يتوقف كثيرون في روسيا عند ما سبق وحققته “الشعوب السوفياتية” من إنجازات على مدى السنوات، التي تقترب من سبعين عاماً هي عمر ذلك الاتحاد. ومن هذه المحطات وأهمها ما حققه الاتحاد السوفياتي من انتصارات يراها محبو “الاتحاد السوفياتي” مدوية في الحرب العالمية الثانية، وما أسفرت عنه من خروجه منها كدولة عظمى، فرضت سيطرتها على كل الفضاء الساحق من المحيط الهادي شرقاً، وحتى بحر البلطيق وامتداداته المتاخمة للأطلسي غرباً.
اندبندت عربي