كيف ترى الصين العالم وعلاقاتها مع الولايات المتحدة

كيف ترى الصين العالم وعلاقاتها مع الولايات المتحدة

كيف ترى الصين العالم؟ سؤال يحاول الإجابة عنه بعض المسؤولين الصينيين من حين إلى آخر محاولين تقديم قراءة جديدة لأهم القضايا والأحداث التي تهم الصين وتشارك فيها، بالإضافة إلى علاقاتها مع بقية القوى العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة. وهذه المرة، يقدم سفير الصين لدى الولايات المتحدة، تشين غانغ، قراءة تؤكد نظرة بلده السلمية إلى التنمية العالمية.

واشنطن – ينظر العالم بالكثير من الفضول والمراقبة لتزايد نفوذ الصين وتنافسها مع الولايات المتحدة على القيادة والريادة، لكنّ قليلين من يهتمون بمعرفة كيف ترى الصين العالم، وكيف تخطط لمستقبل هذا العالم وفق تحركاتها، وأهدافها الإستراتيجية.

ويقول تشين غانغ، السفير فوق العادة ومفوض جمهورية الصين الشعبية لدى الولايات المتحدة، إن بصفتنا سكانًا في نفس العالم، يجب علينا ويمكننا الاستماع إلى بعضنا البعض، وتضييق الفجوة في تصوراتنا للعالم، واستكشاف طريقة للتوافق على أساس الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين.

وفي تقرير نشرته مجلة “ناشونال أنتريست” الأميركية، رأى السفير الصيني أنه بمجرد انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر الماضي، بدأ الحزب رحلة جديدة، وكذلك بدأت تنمية الصين. وتفكير الشيوعيين الصينيين، كما اتضح أن مؤتمر الحزب لا يحدد فقط اتجاه الصين، ولكن أيضا له تأثير مؤكد على مستقبل العالم.

كما تشكل آراء الناس عن العالم أساسا السبل التي يختارونها للتواصل معه، كما هو الحال بالنسبة إلى الدول والأحزاب السياسية. وتم في مؤتمر الحزب إعادة تأكيد أن الصين ملتزمة بأهداف سياستها الخارجية المتمثلة في دعم السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، وأنها لا تزال مكرسة لبناء مجتمع يظلله مصير مشترك للبشرية. ومثل هذا الإعلان الرسمي الصريح لآراء الحزب الشيوعي الصيني بالنسبة إلى العالم يلقي الضوء على الطريقة التي يتواصل بها الحزب الحاكم والصين مع العالم.

وأوضح غانغ أن الصين تنظر إلى العالم بصفته مجتمعا ذا مصير مشترك وهذا يقود بصورة طبيعية إلى مسار إصلاح، وانفتاح، وتعاون يفيد الجميع. ففي العقد الماضي، أنشأت الصين 21 منطقة تجارة حرة تجريبية وزادت من اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها من 10 إلى 19 وارتفعت كيانات السوق الصينية إلى أكثر من 160 مليونا.

ووفقا للبنك الدولي، تحتل الصين المرتبة الحادية والثلاثين عالميا في تصنيف سهولة ممارسة الأعمال. وعلى هذا الأساس يتعين على الناس التفكير مرتين بالنسبة إلى صدق النوايا وحقيقتها عندما يسمعون أقاويل عن “تراجع” الصين بالنسبة إلى الإصلاح والانفتاح، أو أنها “خسرت الولايات المتحدة”. واعتبر غانغ في تقريره أن النظر إلى العالم كمجتمع ذي مستقبل مشترك يقود بطبيعة الحال إلى مسار التنمية السلمية. وتنمية الصين تعني قوة أكبر للسلام، وليس قوة متنامية تهدف إلى “تحطيم الوضع الراهن”، كما يقول البعض.

وفي هذا السياق، ذكر السفير الصيني موقف بلاده من عدد من الملفات، حيث شدد على أن التوتر عبر مضيق تايوان لا يسببه تحطيم البر الرئيسي الصيني للوضع الراهن، ولكن يسببه الانفصاليون دعاة “استقلال تايوان” والقوى الخارجية التي تتحدى باستمرار الوضع الراهن المتمثل في “صين واحدة”. أما في حالة بحر الصين الشرقي، فإن غانغ قال إن اليابان هي التي حاولت “تأميم” جزر دياو يو دو قبل عشرة أعوام، والتسبب في تغيير “الوضع الراهن” بين الصين واليابان المتمثل في الاتفاق على نبذ الخلافات.

وفي بحر الصين الجنوبي، يتمثل الوضع الراهن في تشاور دول المنطقة بشأن مدونة سلوك تؤدي إلى قواعد فعالة ومفيدة للمنطقة. أما بالنسبة إلى قضية الحدود بين الصين والهند، فإن الوضع الراهن يتمثل في استعداد الجانبين لتخفيف الموقف وحمايتهما للسلام على حدودهما بصورة مشتركة.

وأشار غانغ إلى أن الصين تشعر بقلق بالغ إزاء الموقف في أوكرانيا. ورغم أن ما يحدث هناك محزن للغاية، فإنه يكشف بعض الدروس المهمة، وهي أن الصراعات والحروب لا تسفر عن فائز؛ وليس هناك حل بسيط لقضية معقدة؛ وأنه يتعين تجنب أيّ مواجهة بين الدول الكبرى. وتتمثل المهمة الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي في التشجيع على إجراء محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا وكذلك إجراء حوار بين الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والناتو وروسيا.

وعلى المدى الطويل، يتعين إدراك أن بناء أمن دولة على أساس انعدام الأمن في دول أخرى أمر لن يفلح؛ إذ من الضروري ترسيخ إطار أمني أوروبي متوازن وفعال ومستدام. وليس هناك خيار خلاف هذا، وفق رأي غانغ.

ومرت البشرية عبر مفترقات طرق متعددة في القرن العشرين. والآن نشهد أول مفترق طرق في القرن الحادي والعشرين، فالجائحة لم تنته بعد ثلاث سنوات؛ والأزمات الاقتصادية والمالية وأزمة الطاقة العالمية تظهر الواحدة تلو الأخرى؛ ويلوح في الأفق كساد اقتصادي كبير؛ ويبدو أن المزيد من الصراعات على وشك الاندلاع.

◙ العلاقات بين بكين وواشنطن يتعين ألا تكون قائمة على أساس نجاح طرف واحد، حيث يفوز طرف أو يزدهر على حسابه

وفي هذه المرحلة، يتساءل غانغ، هل سيواصل العالم تبني قرن شجاع جديد، أم أنه سوف يستسلم لمسار القرن الماضي المألوف؟ إن هذا يعتمد على خيار شعوب كل الدول، بما في ذلك الشعب الأميركي. وبناء على ذلك، يقول السفير الصيني إنه إذا اختارت الشعوب أن ترى العالم من منظور “الديمقراطية في مواجهة الاستبدادية” فإنه من المرجح تماما أن تدخل في عالم الانقسام والتنافس والصراع؛ ولكن إذا ما نظرت إلى العالم كمجتمع ذي مستقبل مشترك حينئذ سيكون الانفتاح والتعاون، والنتائج المفيدة للجميع ثمار اختيارهم.

وقال غانغ إنه كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في بالي بإندونيسيا الشهر الماضي، العالم كبير للغاية ويتسع لقيام الدولتين بتطوير نفسيهما والازدهار معا. ويتعين ألا تكون العلاقات بين الصين والولايات المتحدة قائمة على أساس نجاح طرف واحد؛ حيث يفوز طرف على الآخر أو يزدهر على حسابه. وفي الوقت الحالي، يجمع الصين والولايات المتحدة المزيد وليس القليل من المصالح المشتركة. هذه هي الكيفية التي تنعكس فيها فكرة مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.

وأضاف غانغ بالقول إن الخلافات بين الصين والولايات المتحدة – في التاريخ، والثقافة، والنظام الاجتماعي، ومسار التنمية – من المحتمل أن تستمر طوال 100 عام. ولكننا كمقيمين في نفس العالم يتعين علينا أن ينصت كل منا إلى الآخر، وأن نضيق الفجوة في تصوراتنا للعالم، ونستكشف وسيلة للاتفاق على أساس الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المفيد للجميع. يمكن أن يحدث ذلك، والشعب الصيني في انتظار اتخاذ الشعب الأميركي الخيار الصحيح.

العرب