احتفل العالم برأس السنة الميلادية، مودعا عاما قاسيا، شهد حربا جديدة في أوكرانيا، مما ساهم في رفع أسعار السلع والغذاء والنقل العالمية، وخصوصا في بلدان عربية بعينها مثل مصر وتونس ولبنان والسودان وسوريا واليمن، وزادت معدلات التضخم والفقر والقهر، بعد سنتين قاسيتين عانى فيهما الناس من أشكال الحصار وحظر التجوّل والموت بسبب وباء كوفيد، وفي حين قام أغلب الناس بتوديع عام 2022، بالاحتفال بأشكال تتراوح بين الغناء والرقص والأكل والسهر، فإن الدول، والأطراف الداخلة في نزاعات، تعتبره، أحيانا، مناسبة للتأكيد على إرادة التدمير والقصف واستمرار الحرب، فيما يلجأ بعض الأفراد إلى إطلاق النار، وإشعال الحرائق، وتخريب المنشآت والسيارات والحافلات.
ليس دخول السنة الجديدة، في النهاية، سوى خطّ رمزيّ في الزمن، لكنّه مناسبة للتفكّر فيما حصل في الماضي، بقصد تعلّم دروس ما جرى، وربطه بالتاريخ القريب أو البعيد، واستشراف المستقبل، وتحويل كل ذلك إلى محطة للوقاية من أخطاء ممكنة، أو التحسّب مما تجمّع من عناصر سياسية او اقتصادية والتوقّي من آثارها، أو الأمل بالنجاح فيما فشلنا فيه سابقا، أو في استكمال ما نجحنا فيه وإنجاز ما بدأنا به من مشاريع.
ينحو البشر، عموما، إلى التأثر بالكوارث أكثر من احتفالهم بالإنجازات، ولكننا، كعرب، إذا احتسبنا الكوارث في العام الماضي، فسنجد أسبابا مبررة كثيرة للغضب أو السخط أو الأسى، وخصوصا في منطقتنا العربية، والإقليم المحيط بنا.
في فلسطين يتحسّب الناس بقلق وتحدّ من الآثار الممكنة لحكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، مع سلسلة «أصحاب السوابق» المدانين الذين تمكّنوا من دخول الكنيست وفرضوا تغييرات تشريعية تمكنهم من استلام مناصب خطيرة يمكن أن تمهّد لضمّ الضفة الغربية، وتمكين دولة الميليشيات اليهودية من مسلسل التنكيل والتهجير والسرقة والإجرام ضد الفلسطينيين.
يسود القلق أيضا سكان سوريا، التي أصبحت دولة مقسّمة بعدة احتلالات، فيما يتعرّض مهجّروها في دول الإقليم إلى مصاعب لا تطاق، ومخاوف من تهجير قسريّ إلى مناطق النظام، كما يسود القلق في المناطق المحررة من سيطرة النظام من إمكانية اتفاق تركيّ مع بشار الأسد، يؤدي لعودة تلك المناطق إلى هيمنته، فيما تشكو باقي المناطق، من ضيق العيش والفقر وفقدان الوقود والكهرباء والأمن.
تسود الفوضى وأحوال المرض والفقر والصراعات المتعددة في اليمن وليبيا، ولا يبدو هناك أفق قريب لحلول سياسية، كما تبدو الأوضاع في تونس أقرب للانفجار، مع وصول مشروع قيس سعيّد إلى استعصاء كبير، ويستمر الصراع بين المغرب والجزائر، ولا تبشّر الأوضاع الاقتصادية في مصر بحلول، بينما يستعد العراق لجولة جديدة من أشكال الفساد والطائفية وسيطرة الميليشيات، واستفحال أثر النفوذ الإيراني، فيما يستمر لبنان في دوامة الشغور الرئاسي، مع إحساس هائل بالإحباط وانعدام الأمل لدى اللبنانيين، ورغم الأمل الذي صنعه الاتفاق الجديد بين العسكر والمدنيين في السودان، فإن أطرافا سياسية عديدة تعتبره تخاذلا أمام الجيش و»الدعم السريع»، وتقوم بالاحتجاج المستمر عليه.
من نافل القول إن أحوال العرب متّصلة، بالضرورة، بأحوال العالم، وأن الأزمات المستعصية في بعض البلدان المنكوبة من هذه المنطقة ستكون محركا لأزمات العالم، ومناطق تهديد بصراعات ومواجهات كبيرة، ورغم أن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق النخب والشعوب، فإن هناك مسؤولية كبيرة أيضا على المنظومة الغربية، التي تطمح لاستقرار أكبر في مجتمعاتها، ولتقليل عدد المهاجرين غير الشرعيين، والحفاظ على السلام الاجتماعي في مجتمعاتها، وتقليل خطورة اليمين العنصري المتطرّف، الذي شهدنا آثاره في أكثر من بلد غربي.
ما يؤكده العام الجديد، أكثر من أي عام مضى، على الأغلب، هو الاتصال بين أحوال منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وبين أوضاع العرب والمسلمين والعالم.
مكافحة اتجاهات الاستيطان العنصري والتطرّف الإسرائيلي، ورفض نزعات الاستبداد والهيمنة والإفقار المبرمج للعالم العربي، يصبّان، بالضرورة، في استقرار المنظومة الديمقراطية العالمية، وإضعاف نزعات الفاشية والعنصرية في العالم الغربي، والعكس صحيح.
صحيفة القدس العربي