أدى الاتفاق بين الاطراف السياسية الكردية والحشد الشعبي الشيعي في مدينة طوزخورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين في السابع عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري الى اخماد نار الخلافات الطائفية التي اندلعت قبل خمسة ايام من الاتفاق بين المكونين في المدينة المتنازع عليها.
مشادة كلامية جرت بين قوة من البيشمركة ومسلحين تابعين لنقطة تفتيش للحشد الشعبي في تقاطع سليمان بك جنوب طوزخورماتو في الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري تسببت في مقتل ثلاثة مسلحين من الجماعة الشيعية وسرعان ما وصلت نار الخلافات الى داخل المدينة التي يشكل الاكراد والتركمان الشيعة معظم سكانها وبعد ذلك بدأ التهجم على المنازل والمحال التجارية للجانبين.
وكان نظام حزب البعث السابق قررعام 1978 عزل القضاء الذي يقع شرق محافظة صلاح الدين شمال العراق من محافظة كركوك والحاقه بمحافظة صلاح الدين، وهو اليوم يمثل واحدة من المناطق المتنازع عليها بعد عام 2003 ، ولم تتمكن المادة 140 من الدستور العراقي حسم عائديته وان كان الاكراد يطالبون بالحاقه بمحافطة كركوك من جديد.
ويدور الصراع الرئيس الان في طوزخورماتو المعروفة بـ” كركوك المصغر” بين الأكراد والتركمان الشيعة، فالاكراد يديرون منذ عام 2003 المفاصل الادارية والامنية الحساسة للمدينة فيما شكل التركمان الشيعة بعد ظهور تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) قوات الحشد الشعبي كمناورة لدعم قوميتهم ومذهبهم الشيعي.
ومع ان قوات البيشمركة قد تعاونت مع الحشد الشعبي في اعادة السيطرة على ناحية آمرلي التابعة لطوزخورماتو في شهر آب (اغسطس) الماضي واسترجاعها من مسلحي داعش، الا ان معادلة التحالف ضد التنظيم المتشدد هذه قد تحولت مؤخرا الى صراع داخلي بين الجانبين على بسط النفوذ على المدينة.
ويصف محمد مهدي البياتي مسؤول محور الشمال للحشد الشعبي وهو تركماني شيعي من طوزخورماتو المدينة بـ”قلعة التركمان” ويرى ان ماحدث فيها مؤخرا هو “فتنة” يقف وراءها اشخاص دون ان يسميهم.
واعترف البياتي في حديث لـ”نقاش” انه كان لتهميش التركمان الشيعة من قبل الاكراد في المدينة تأثير على تطور الاحداث التي جرت مؤخرا ويضيف: ان “انعدام الثقة بين الجانبين كان سببا في المشاكل في طوزخورماتو وان اي تطور للخلافات مستقبلا سيضر بالاكراد بالدرجة الاولى مع انه لايوجد لدى الجانبين قرار بالقتال”.
واظهرت صدامات هذا الشهر في طوزخورماتو انه لا وجود للتعايش المذهبي والقومي الفعلي في المدينة بعد والذي تدعيه الاطراف السياسية للمكونين الكردي والتركماني.
ويتصارع الاكراد والتركمان في المدينة حول كونهما الاغلبية الامر الذي سيكون الفيصل في البت في عائديتها اذا ما اجري الاستفتاء على مصيرها كما ينص عليه المادة 140 من الدستور.
وقال البياتي: “لقد حصل ثلاثة نواب تركمان على اصواتهم في طوزخورماتو وهذا دليل على اننا نمثل الاغلبية في المدينة”.
وخلال انتخابات البرلمان العراقي عام 2014 حصل ثلاثة مرشحين تركمان شيعة من ثلاث قوائم مختلفة على مقاعد في البرلمان باصوات الناخبين في طوزخورماتو في حين لم تتمكن الاطراف السياسية الكردية من تأمين الاصوات اللازمة لمرشحيها ضمن محافظة صلاح الدين عن طريق اصوات الناخبين في طوزخورماتو.
وتضم طوزخورماتو بالاضافة الى مركز القضاء ثلاث نواحي هي (ينكيجة وآمرلي) ذات الاغلبية التركمانية و(سليمان بك) والاغلبية فيها من العرب السنة، اما الاكراد فقد اجتمعوا في مركز القضاء ولكن لا يوجد حتى الان احصاء رسمي حول تحديد نسبة المكونات في المدينة.
شلال عبدول قائمقام طوزخورماتو والذي كان يمثل قوميته خلال المحادثات مع الحشد الشعبي، يتفق مع البياتي حول وجود اياد وراء التوترات الامنية الاخيرة في المدينة.
وقال شلال لـ”نقاش”: في معرض حديثه عن الموضوع “لقد تعرض التركمان في المنطقة الى هجمات سابقة وهم الان ينتقمون لذلك خصوصا من العرب السنة، وقد قتل (144) مواطنا في المدينة بينهم خمسة أكراد بعد مجيء الحشد الشعبي الى المنطقة، ولكن الاكراد يمتلكون قوات عسكرية ولن يقبلوا بذلك”.
واضاف: “ان انتقادات التركمان الشيعة حول عدم مشاركتهم الادارية ليست في محلها إذ ان 65 في المئة من الموظفين ومنتسبي الشرطة في طوزخورماتو ينتمون الى ذلك المكون”.
وليس من المستبعد احتمال انفجار الوضع بين الأكراد والتركمان الشيعة مستقبلا وان كانوا متحالفين ضد داعش، الا ان مستقبل المدينة ومصيرها بعد خروج المتشددين من البلاد يشكلان عقدة سياسية وامنية اخرى للعراق ليس من السهل حلها في ظل اختلاف رؤية المكونات حول القضية.
ويربط شلال عبدول الرؤية الكردية حول مصير طوزخورماتو بالمادة 140 من الدستور وهي عزل المدينة عن صلاح الدين والحاقها بكركوك ويضيف: “تشكل طورزخورماتو المفتاح لبوابة حدود اقليم كردستان وان حدوث اي امر يبدأ من هنا كما يعتبر موقعا مهما بالنسبة للاكراد”.
ولكن التركمان لديهم رؤية مختلفة حيث قال نيازي اوغلو النائب التركماني الشيعي في مجلس النواب العراقي عن طوزخورماتو لـ”نقاش” حول القضية: “يعد مصير طوزخورماتو من الناحية الدستورية مجهولا لذلك يجب ان تحول الى محافظة مستقلة او وحدة ادارة مستقلة”.
واضاف: “يجب على الاكراد ان يبدأوا اتباع سياسة جذب تعاطف المكونات الاخرى لانهاء التوتر السياسي في طوزخورماتو وخلق التعايش فيها”.
العرب السنة هم اقل عددا في المنطقة وأقل نفوذا من التركمان الشيعة ولكن لهم رؤيتهم ايضا لمستقبل المدينة وهي قريبة من رؤية الأكراد وربما كانت ضغوط الشيعة عليهم سببا في تقارب الرؤيا.
الشيخ سامي البياتي رئيس مجلس عشائر السنة في طوزخورماتو وهو الان نازح الى اقليم كردستان قال لـ”نقاش”: نحن “نعاني من الحكومة المحلية في صلاح الدين بسبب اهمال مناطقنا، من الافضل عزلنا عنها والحاقنا بكركوك”.
ويبدو ان الخلافات في طوزخورماتو المتنازع عليها تمثل تحذيرا باحتمال نشوب صراع سياسي وامني اشد بين المكونات في المنطقة وتوسعه الى خلاف بين اقليم كردستان والحكومة المركزية ذات الاغلبية الشيعية خصوصا وان المدينة تمثل حلقة وصل بين صلاح الدين ذات الاغلبية السنية وكركوك ذات الاغلبية الكردية ومناطق الوسط ذات الاغلبية الشيعية.
وقال متحدث باسم رئاسة اقليم كردستان في تصريح حول وجود مسلحي الحشد الشعبي في طوزخورماتو نشر في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري: “ليس لدى اقليم كردستان خلاف مع الحشد الشعبي حول دحر الارهابيين و القضاء عليهم ومتى تطلب القتال ضد داعش فان البيشمركة والحشد سيتعاونان معا، ولكن هذا لايعني ان يأتي الحشد الشعبي الى طوزخورماتو ويحتلها وهي ارض كردستانية وتحميها البيشمركة”.
ويقول واثق الهاشمي رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية ان مدينة طوزخورماتو “قنبلة موقوتة” يمكن ان تنفجر في اي وقت ويضيف: “صورة مستقبل المدينة غامض وخطير”.
هستيار قادر
موقع نقاش