عندما يسعى المرء إلى تقديم صورة إجمالية عما حدث في عالم مليء بالأحداث السريعة والأزمات المتوالية دوليًا وإقليميًا ومحليًا، فإنه ينبغي عليه أن يتجاوز مستوى رصد الأحداث وتفاصيلها، ويحاول استخلاص الاتجاهات العامة للتطور، وبالطبع مع عرض الأحداث والأمثلة الدالة على هذه الاتجاهات.
والمفهوم النظري الذي تستند إليه المقالة، من أجل تحليل وفهم ما يحيط بنا من ظواهر، هو مفهوم «الاضطراب» Turbulence الذي اقترحه عالم السياسة الأمريكي «جيمس روزيناو» في كتاب له صدر في عام 1990 تحت عنوان «الاضطراب في السياسة العالمية: نظرية التغير والاستمرارية»؛ حيث كتب فيه أن العالم يدخل مرحلة من الاضطراب والتحولات أو التقلبات المضطربة وعدم النظام، والتي تتضمن سمات الفوضى والتغيير غير المنضبط. وتتمثل مظاهر ذلك في اهتزاز القيم والمعايير التي تحكم سلوك الدول، وازدياد ممارساتها المخالفة لقواعد القانون الدولي المستقرة والمتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة. فضلًا عن انتشار عناصر القوة بين عدد أكبر من الدول مما يؤدي إلى دور أكبر للقوى الإقليمية، وإلى اهتزاز هيكل القوة وتراتبية (هيراركية) الدول على المستوى العالمي.
ومن مظاهر هذا الاضطراب أيضًا، بروز دور ما أسماه «روزيناو» مفهوم «الجماعات الفرعية»، والذي يؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدول وعدم قدرتها على الوفاء بمهامها. ويشير هذا المفهوم مثلًا إلى التنظيمات المتطرفة التي انتشرت في الكثير من الدول واستخدمت سلاح العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها السياسية، وأيضًا إلى تنظيمات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، إلى غير ذلك من الجماعات التي يؤدي نشاطها إلى تحجيم دور الدولة ومحاصرتها. وهو ما سُمي في أدبيات علم السياسة بمفاهيم «الدولة الرخوة»، و«الدولة الهشة»، و«الدولة الفاشلة».
في هذا الإطار، يمكن النظر إلى ما حدث في عام 2022 على أنه حلقة مهمة -وربما تكون فاصلة- في مسلسل الاضطراب العالمي. فقد شهد من ناحية نشوب حرب كُبرى في أوروبا لم تشهد القارة العجوز مثيلها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتصاعد للأزمات الإنسانية الحادة المرتبطة بالنازحين واللاجئين، والمعاناة من نقص الغذاء والمجاعات، وازدياد المظاهر السلبية المترتبة على التغيرات المناخية. كما شهد عام 2022 من ناحية أُخرى، اتباع الدول لسياسات عامة للتعامُل مع هذه التطورات، والسعي للتكيف والتقليل من تداعياتها السلبية والمدمرة في بعض الأحيان.
وفي سياق ما سبق تسعى المقالة من خلال المحاور التالية مناقشة الاتجاهات العامة الرئيسية للتطورات التي شهدها العالم خلال العام 2022 دوليًا وإقليميًا ومحليًا.
أولًا: تصاعد التوتر بين روسيا والكتلة الغربية وصولاً إلى الحرب الروسية في أوكرانيا
جاء قرار الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في 24 فبراير 2022 ببدء العمليات العسكرية ضد أوكرانيا نتيجة لتوترات وأزمات بين موسكو والدول الغربية على مدى شهور وسنين. وبعد قيامه بزيارة للصين في مطلع هذا الشهر وقع فيها الرئيسان الروسي والصيني بيانًا مُشتركًا أشار إلى بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية. تمثلت هذه التوترات والأزمات في اتهام موسكو لأوكرانيا الحليفة للغرب بالاعتداءات العسكرية المتتالية على الأقاليم التي يسكنها الروس في الدونباس منذ عام 2014 والتي كانت قد أعلنت خروجها عن سيطرة الحكومة الأوكرانية وأقامت حُكمًا ذاتيًا فيها بدعم روسي. وكذلك، معارضة روسيا لتوسع حلف الأطلنطي شرقًا، وبالذات فكرة دعوة أوكرانيا للانضمام للحلف، والتي رفضتها موسكو موضحة بأن ذلك يمثل خطرًا مباشرًا للأمن القومي الروسي، وتهديدًا لوجود الدولة الروسية.
وعلى الرغم أنه من الصعب -والحرب مازالت مستمرة- التنبؤ بكيفية انتهائها والآثار المُترتبة عليها، إلا أن الأمر المتحقق من أحداث عام 2022 تشير إلى أنها حرب طويلة لم يكن من الممكن حسمها بعد فترة قصيرة، وأنها حرب بالوكالة بين روسيا من ناحية، والكتلة الغربية وحلف الأطلنطي من ناحية أُخرى تتم على الأرض الأوكرانية. وأن الاستراتيجية التي يتبناها الغرب هي عدم السماح بانتصار روسي؛ لآن ذلك حسب اعتقاد دوله سوف يفتح الشهية الروسية للتوسع. ولذلك، فقد طبقت الدول الغربية مجموعة قاسية من العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية بهدف «خنق» الاقتصاد الروسي، وتقليل قدرته على دعم الحرب وتمويلها.
أدت الحرب إلى إحياء دور حلف الأطلنطي وانضمام السويد، وفنلندا -وكلاهما من الدول التي تملك حدودًا مع روسيا- إلى الحلف، وتكريس الزعامة الأمريكية للحلف وفي قيادتها لأوروبا. وقد أدت العقوبات الاقتصادية إلى تقلصات حادة في أوروبا ودول العالم، سوف يتم التعرض لها في البند الخامس أدناه.
وعلى صعيد الدعم العسكري لأوكرانيا، زود الغرب أوكرانيا بأسلحة نوعية أكثر تقدمًا وفتكًا، مما أدى إلى دعم القدرات العسكرية الأوكرانية، وإطالة أمد الحرب، والذي دفع الرئيس الروسي في سبتمبر 2022 إلى التلويح
ثانيًا: استخدام العنف في إدارة التفاعلات السياسية
شهد العالم أربعة أنماط من استخدام القوة العسكرية والعنف في إدارة العلاقات السياسية وهي، كالتالي:
1- الحروب الأهلية
وهي التي تشير إلى الاقتتال بين أبناء الدولة الواحدة أو الوطن الواحد مثلما هو الحال في أفريقيا؛ وذلك في أثيوبيا بين الحكومة المركزية وإقليم تيجراي، وفي تشاد بين السلطة المركزية ومتمردي جبهة التغيير والوفاق في تشاد، وفي الكونغو الديمقراطية التي حققت فيها القوات المتمردة تقدمًا في شرق البلاد. وفي الدول العربية، مثل ليبيا وسوريا واليمن. ورغم تسميتها بالحروب والصراعات الأهلية أو الداخلية، فإن الأطراف الإقليمية والدولية تقوم بدور أساسي في دعم الأطراف المتحاربة عسكريًا وسياسيًا.
2- أنشطة التنظيمات المتطرفة
وهي التي تستخدم العنف لتحقيق أهدافها وتقوم بأعمال إرهابية بقصد ترويع الناس، وهز ثقة المواطنين في قدرة الدولة على حمايتهم. ومن أمثلة ذلك تنظيم القاعدة في الصومال، وبلاد المغرب العربي، واليمن، وتزايد وجود عناصر التنظيم في أفغانستان بعد خروج القوات الأمريكية في عام 2021 مما أدى إلى مصادمات بين قوات الأمن بقيادة طالبان وعناصر داعش، وتنظيم داعش في سوريا والعراق، ومالي، والنيجر، والكونغو الديمقراطية وشمال موزمبيق، وجماعة بوكو حرام التي بدأ نشاطها في نيجيريا ثُم امتد إلى الكاميرون والنيجر، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.
3- الانقلابات العسكرية
فعلى الرغم من تراجع حدوثها منذ فترة في العالم، إلا إنها عادت إلى الظهور في أفريقيا في عام 2022؛ حيث شهدت بوركينافاسو انقلابًا عسكريًا في يناير 2022، ثم تلاه انقلاب آخر في أكتوبر بقيادة الجنرال إبراهيم تراوري والذي تولى رئاسة الجمهورية. ولم يكن هذا الانقلاب بعيدًا عن التنافُس الدولي فقد دعمته قوات فاجنر الروسية، وحذرت أمريكا قادة الانقلاب من مغبة تحالُفهم مع موسكو.
وفي مالي وقعت مُحاولة انقلاب في شهر مايو 2022 ضد المجلس العسكري الذي وصل إلى الحُكم في مايو 2021 عبر انقلاب عسكري. واستمرت تداعيات الانقلاب العسكري في غينيا الذي حدث في سبتمبر 2021 والمفاوضات بين النظام العسكري، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (منظمة الايكواس).
4- الحروب بين الدول
تأتي في مقدمتها الحرب الروسية في أوكرانيا، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا. كما حدثت توترات وتهديدات عسكرية لم تصل إلى درجة الحرب، مثلما حدث في حالة الصين وتايوان في أعقاب زيارة السيدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس الشيوخ الأمريكي إلى تايوان في أغسطس، ورد الفعل العسكري الصيني عليها. فضلًا عن إجراء كوريا الشمالية لتجارب إطلاق صواريخ باليستية في أكتوبر مما اعتبرته اليابان وكوريا الجنوبية تهديدًا لأمنها، واستمرارها في إطلاق المزيد من الصواريخ كرد فعل على المُناورات الجوية العسكرية التي تُجريها كوريا الجنوبية بالتعاون مع الولايات المُتحدة. بالإضافة إلى التهديدات المتبادلة بين تركيا واليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط، وكذلك التوترات بين الهند وباكستان بشأن مشكلة كشمير.
وإلى جانب ما تقدم، شهد شهر أغسطس من هذا العام نشوب مواجهة مسلحة بين حركة الجهاد الإسلامي والجيش الإسرائيلي، انتهت بوساطة مصرية، في الوقت نفسه الذي شهدت الضفة الغربية، تصاعدًا في عمليات المقاومة ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، فضلًا عن بروز الكتائب المسلحة مثل عرين الأسود، والتي برزت في نابلس في شهر سبتمبر، على غرار «كتيبة جنين» التي سبق وتشكلت في عام 2021.
ثالثًا: انتظام العملية السياسية ودور المؤسسات
إذا كانت بعض الدول شهدت حروبًا وصراعات، فإن دولًا أخرى انتظم فيها عمل مؤسساتها على النحو المنصوص عليه في دساتيرها. وعلى سبيل المثال، فقد أجريت الانتخابات البرلمانية في دساتير عدد من دول الديمقراطيات المستقرة، وتلك الناشئة.
فعلى مستوى (دول الديمقراطيات المستقرة)، أجريت الانتخابات في أستراليا وكوريا الجنوبية في مارس، وفرنسا في أبريل، وإيطاليا في سبتمبر، كما أُجريت انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الشيوخ والنواب في الولايات المُتحدة في نوفمبر. وأدت نتائج بعض هذه الانتخابات إلى تغيير التوازنات السياسية في دولها. ففي فرنسا، انخفضت نسبة عدد نواب الائتلاف الحاكم المؤيد للرئيس ماكرون. وكان التأثير الأكبر في إيطاليا؛ حيث فازت الأحزاب الشعبوية بأغلبية مقاعد البرلمان وتولت السيدة جورجينا ميلانو منصب رئيس الوزراء لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب في إيطاليا.
في هذا العام(2022)، واجه النظام السياسي في المملكة المتحدة تحدي وفاة الملكة اليزابيث الثانية بعد حكم دام نحو سبعين سنة، وتحدي سوء إدارة الحكومة البريطانية ومخالفة رئيسها بوريس جونسون لقواعد الحظر المفروضة أثناء أزمة جائحة كوفيد 19، مما أدى إلى سُخط الرأي العام واستقالته، ثم الفشل السريع لخليفته ليز تراس بعد أربعين يومًا، واختيار رئيس وزراء ثالث وهو ريشي سوناك.
أما بخصوص (الديمقراطيات الناشئة)، فقد أُجريت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الفلبين وكولومبيا في شهر مايو، وكينيا وأنجولا في شهر أغسطس، والبرازيل في شهر أكتوبر، والانتخابات النيابية في المجر في شهر أبريل، والبوسنة في شهر أكتوبر.
واتصالًا بذلك، فقد انعقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في شهر أكتوبر؛ حيث تم إعادة انتخاب شي جينبينج أمينًا عامًا للحزب ورئيسًا للدولة للمرة الثالثة.
وعلى (المستوى العربي)، تم إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور التونسي الجديد المقدم من الرئيس قيس سعيد في يوليو، وهو الدستور الرابع منذ الاستقلال والذي غير شكل نظام الحكم من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وتمت الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية في ديسمبر.
وانتهت الأزمة السياسية في العراق التي أعقبت الانتخابات التشريعية التي أجريت في 2021 والتي تمثلت في فشل الأحزاب والكتل السياسية المتناحرة في التوافق على اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وراوحت الأزمة مكانها طوال العام حتى أكتوبر عندما تم انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسًا للجمهورية، ومحمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء.
وهناك دول أخرى شهدت مظاهر شتى من (الجمود وعدم الاستقرار السياسي)، أبرزها حالة لبنان؛ حيث تعقدت الأزمة السياسية والدستورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشيل عون في أول نوفمبر دون اختيار البرلمان لرئيس جديد، مما أوجد حالة من « الشغور» الرئاسي في الوقت الذي لا توجد فيه حكومة تتمكن من إدارة شئون البلاد. وكذلك حالة السودان التي شهدت استمرار حالة الصراع بين قيادة الجيش التي تتولى الحكم وقوى الحرية والتغيير. ومع أن الطرفين قد توصلا إلي اتفاق في ديسمبر والإعلان عن مرحلة انتقالية جديدة فإنه ليس من الواضح بعد مدي وجود توافق سياسي عام بشأنها أو التأكد من تنفيذها.
وعلى المستوى الإقليمي، شهدت إيران ابتداءًا من 14 سبتمبر موجة من المظاهرات والاضطرابات الشعبية بعد وفاة الفتاة مهسا أميني في مخفر شرطة بعد احتجازها بواسطة شرطة الأخلاق بتهمة مخالفة قواعد الزي الشرعي. وخارجيًا، وصلت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني التي تواصلت أغلب شهور هذا العام إلى طريق مسدود، ولا يبدو أن أيًا من واشنطن وطهران تستطيع الاستجابة لمطالب الطرف الآخر، أو أنها تثق به بالدرجة التي تدفعها إلى توقيع الاتفاق. وفي إسرائيل، أجريت في الأول من نوفمبر انتخابات الكنيست للمرة الخامسة في أربع سنوات وأسفرت عن فوز أحزاب اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو.
رابعًا: التفاعلات على مستوى العلاقات بين الدول العربية
على مستوى العلاقات بين الدول العربية، استمرت أنماط التفاعلات والتنافسات بينها، وان كان أبرزها حدوث تدهور في العلاقات بين الجزائر والمغرب. وفي المقابل، تبلور التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، وهي الدول التي شاركت في مؤتمر جدة الذي انعقد خلال زيارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى السعودية في يوليو، والذي اظهر فيه أغلب القادة العرب مواقف مختلفة عن الموقف الأمريكي تجاه قضايا المنطقة، وهو الأمر الذي تأكد في الشهور التالية في رد الفعل الأمريكي على قرار مجموعة دول «أوبك +» على خفض الإنتاج، وزيارة الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الأمارات لروسيا في أكتوبر. كما انعقد مؤتمر القمة العربي الحادي والثلاثين في الجزائر في مطلع شهر نوفمبر، ويتوافق هذا التاريخ مع ذكرى عزيزة لدي الجزائريين وهي انطلاق الثورة الجزائرية عام 1954.
خامسًا: غضب الطبيعة
لم تكن الطبيعة رحيمة بالبشر في عام 2022، وتعددت مظاهر غضبها في الفيضانات والأعاصير والحرائق التي أصابت العديد من أرجاء العالم. وقد ربط الباحثون هذه الظواهر بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة.
ففيما يتعلق بالفيضانات، كانت القارة الأسيوية هي أكثر القارات التي تعرضت لأخطار الفيضانات المترتبة على هطول الأمطار؛ حيث شهدت أستراليا مجموعة من الفيضانات خلال الشهور (فبراير – يوليو) على السواحل الشرقية في ولاية نيو ساويث ويلز التي تقع العاصمة سيدني فيها، مما أدى إلى إجلاء ما يقرب من 50 ألف شخص من منازلهم. وفي اليابان، أدت الفيضانات في محافظة مياجي إلى إجلاء نصف مليون شخص.
كما شهدت بنجلاديش وولايات الشمال الشرقي في الهند في شهور الصيف كوارث متلاحقة بسبب الأمطار والعواصف الرعدية. وفي يونيو، استخدمت حكومة بنجلاديش الجيش لمساعدة 2 مليون شخص حاصرتهم المياه بعد أن أُغرقت أراضيهم ومنازلهم. وفي سبتمبر، قامت السلطات في البلدين بجهود مضنية للوصول إلى 9.5 مليون شخص حاصرتهم المياه وتقطعت سبل الاتصال بهم. وتسببت الأمطار في حدوث فيضانات وانهيارات أرضية في جنوب الصين في مقاطعات شانسي وسيتشوان وقانسو.
أما أكبر كارثة فيضانات شهدها العالم في هذا العام فقد كانت في باكستان التي واجهت كارثة إنسانية واقتصادية وعمرانية بسبب هطول الأمطار الموسمية خلال شهور الصيف بكميات غير متوقع أدت إلى إغراق مساحات شاسعة من الأراضي تقدر بثلث مساحة باكستان أي حوالى 266 ألف كيلومتر مربع، وإجبار أكثر من 33 مليون إنسان – أي ما يقارب سبع عدد سُكان باكستان الذي يصل إلى 220 مليون نسمة -على النزوح من منازلهم وقراهم التي أغرقتها المياه. كما تسببت في مصرع ما يقرب من 1500 شخص.
أضف إلى ذلك، فقد أدت الفيضانات إلى تدمير المحاصيل الغذائية ونفوق الماشية فيها مما أدى إلى تفاقم مشكلة الأمن الغذائي في البلاد، وتدمير البنية التحتية من جسور وطرق ومحطات كهرباء وصرف، وازدياد أخطار انتشار الأمراض المعدية بين النازحين في المخيمات خصوصًا مع تدمير عشرات المستشفيات والمراكز الصحية. وأدت هذه الأوضاع إلى إعلان حكومة باكستان حالة الطوارئ العامة للبلاد وطلب المساعدة الدولية.
في هذا العام شهدت أماكن العالم الأُخرى فيضانات ولكن بدرجات أقل مما حدث في آسيا، مثل بلاد أورجواي، وباراجواي، والأرجنتين، والبرازيل، والسلفادور، وكولومبيا، وفنزويلا في أمريكا اللاتينية، وكذلك في جنوب أفريقيا في القارة السمراء. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فلم تكن هناك فيضانات تذكر سوى ما حدث في ولايتي كنتاكي وميزوري، والفيضان الذي ضرب الطريق السريع بين مدينتي لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا وفينيكس بولاية أريزونا.
وبالنسبة للحرائق، فقد كان لأوروبا النصيب الأوفر؛ حيث ارتفع عددها، وبلغ أربعة أمثال متوسط عدد الحرائق في الستة عشر عامًا الماضية. والتهمت الحرائق مئات الآلاف من الأشجار في الغابات، ووفقًا لتقدير مركز الأبحاث المشترك التابع للاتحاد الأوروبي، فإنه حتى أغسطس 2022 فإن الحرائق التهمت أشجار الغابات في مليون و484 ألف فدان في دول الاتحاد. وكان أبرز الدول التي انتشرت فيها الحرائق هي: المملكة المتحدة، والبرتغال، وفرنسا، وإسبانيا، واليونان، وسلوفينيا، وإيطاليا. وترجع هذه الحرائق إلى الارتفاع الاستثنائي لدرجات الحرارة في شهور الصيف والتي حققت أرقامًا لم تشهد أوروبا مثيلاً لها منذ وقت بعيد.
واتصالا بذلك، شهدت ولاية كاليفورنيا الأمريكية سلسلة من الحرائق بسبب الجفاف ابتداءًا من شهر يناير. كما شهدت مقاطعة البرتا الكندية حرائق في بعض مدنها. وفي آسيا، شهدت الهند وباكستان بعض الحرائق بسبب ارتفاع درجة الحرارة. وفي الشمال الأفريقي، اندلعت الحرائق في المغرب والجزائر وبشكل أقل في تونس.
أما بخصوص الأعاصير، فقد شهدت أمريكا إعصارين هُما: فيونا في ولاية بورتوريكو -والذي امتد تأثيره إلى مقاطعة نوفا اسكوشيا بكندا- وإعصار إيان الذي ضرب شواطئ جنوب غرب ولاية فلوريدا وتأثرت به ولايتا شمال وجنوب ولاية كارولينا. كما شهدت قارات العالم الأخرى بعض الأعاصير مثلما حدث في الصين، واليابان في آسيا، ومدغشقر في أفريقيا، وجواتيمالا وبنما وهندوراس ونيكارجوا والمكسيك في أمريكا اللاتينية.
أضف إلى كُل ما تقدم، مجموعة الهزات الأرضية والزلازل التي شهدها العالم وإذا أخذنا بمعيار تِلك التي بلغت خمس درجات وأكثر على مقياس رختر، فحدثت زلازل في الصين، وغرب تايوان، والفلبين، وجزيرة سومطرة بإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، ومحافظة اردينج يلماز في جنوب تركيا في آسيا. وجنوب إيطاليا، وجزيرة شيكوتان وبحيرة بايكال في روسيا في أوروبا، وغرب المكسيك في أمريكا اللاتينية. كما حدث زلزالان في المغرب، وفي السعودية شمال غرب تبوك.
سادسًا: الضغوط الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية
ما كادت اقتصادات العالم تبدأ في التعافي من الآثار السلبية لجائحة كوفيد 19، حتى طرحت الحرب الروسية-الأوكرانية ظلالها الكئيبة على هذه الاقتصادات، وخاصة التداعيات التي ترتبت على العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الدول الغربية على موسكو. وكان من أبرز هذه الظِلال، ارتفاع أسعار النفط والغاز وصولًا إلى وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، وموجة التضخم وارتفاع الأسعار، وأزمة الأمن الغذائي بسبب النقص في تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وتعثر سلاسل الإمداد. وكان من شأن ذلك، تزايد الضغوط الاقتصادية على دول العالم؛ ففي الولايات المتحدة مثلاً، ارتفعت أسعار الطاقة إلى الدرجة التي هدد فيها الرئيس بايدن في أكتوبر شركات النفط الأمريكية بضرورة رفع إنتاجها وإلا سوف يتخذ إجراءات تجاهها. وأشارت التقارير إلى تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي الأمريكي وتراجع الناتج المحلي الإجمالي.
وفي أوروبا، ازدادت المخاوف بشأن شتاء قارص، وانخفضت قيمة اليورو تجاه الدولار إلى أدنى مستوى منذ عقود. وفي تقرير للبنك المركزي الأوروبي بتاريخ 8 سبتمبر 2022، توقع انخفاضًا كبيرًا في مُعدل النمو الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي من نسبة 3.1 % عام 2022 إلى نسبة 0.9 % في عام 2023، وفي نفس الاتجاه كان تقدير صندوق النقد الدولي في 11 أكتوبر 2022. وارتبط ذلك بانخفاض معدل النمو الاقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي التي حققت مُعدل نمو 5.3 عام 2021، انخفض إلى 2.8 في عام 2022، لينخفض المُعدل المُتوقع إلى 2.3 عام 2023.
وفي ألمانيا، التي تُعتبر أكبر اقتصاد أوروبي، وصلت نسبة التضخم إلى أعلى مستوى لها منذ ربع قرن، وتم إعادة استخدام الفحم الحجري في محطات إنتاج الكهرباء، وقدمت الحكومة 200 مليار يورو كدعم للمستهلكين والشركات لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وأصدرت قواعد لتقنين استهلاك الغاز الطبيعي. وتم تنشيط العمل بصندوق الاستقرار الاقتصادي المخصص لمواجهة الأزمات، وهو الذي استخدم من قبل في مواجهة الأزمة المالية العالمية في عام 2009، وجائحة كوفيد 19 عام 2020. وحذر الكثير من المسئولين والخبراء من إمكانية أن تتحول أزمة الطاقة في ألمانيا إلى أزمة اقتصادية واجتماعية.
في هذا السياق، سعت حكومات دول الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد بدائل عن إمدادات الغاز الروسي، فأبرمت فرنسا وإسبانيا اتفاقات مع الجزائر ليس فقط للشراء ولكن أيضاً للاستثمار والبحث عن آبار غاز جديدة. وتواصلت أيضاً مع نيجيريا لشراء الغاز منها ونقله عبر خط أنابيب يمر بعدة دول أفريقية ويصل طوله إلى أكثر من 2500 ميل وصولاً إلى المغرب، كما تم شراء الغاز من مصر.
وفي مواجهة هذه الضغوط الاقتصادية، شهدت الدول الأوروبية تحركات عُمالية احتجاجية تمثلت في عدد من المظاهرات والإضرابات. ففي فرنسا على سبيل المثال، أضرب عُمال مصافي النفط التابعة لشركة توتال مما
زاد من أزمة الطاقة. ونظمت مجموعات ترتدي سُترات سوداء مُظاهرات قامت بتحطيم واجهات بعض المحال واشتبكت مع الشُرطة. كذلك، نظمت الأحزاب اليسارية مظاهرات في سبتمبر شارك فيها ما يقرب من 140 ألف مُتظاهر. وفي المملكة المُتحدة، قام عُمال النقل العام بإضراب شارك فيه 115 ألف عامل أدى إلى توقف شبكة السكك الحديدية والمترو في أغسطس. وأصدرت مجموعة من النقابات العُمالية في ألمانيا وإسبانيا بيانات تُطالب برفع الأجور وقاموا بتعليق العمل في عدد من المُنشآت الصناعية.
سابعًا: الفقر والمجاعات واللاجئون
إذا كانت الضغوط الاقتصادية قد أثرت على معدلات النمو الاقتصادي، وخدمات دولة الرفاهية في الدول المتقدمة، فإن وقعها كان أكثر إيلاماً على الدول النامية ذات الاقتصادات الهشة وخصوصاً مع ارتفاع أسعار الحبوب والأسمدة بسبب الحرب في أوكرانيا. فقد أدت هذه الضغوط إلى تعميق أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد عبء الديون وتوقع انخفاض إنتاج محاصيل الذرة والقمح والأرز، وانتشار نسب الفقر، وتفاقم أزمة الغذاء.
وهو ما أدى إلى انتشار ظواهر سوء التغذية في العديد من البلدان النامية، والتي وصلت بعضها إلى شفا المجاعة. وأدت الحروب والصراعات المحلية من ناحية، والجفاف والتصحر من ناحية ثانية إلى موجات من النازحين واللاجئين الذين اضطروا إلى ترك قراهم ومساكنهم ونزحوا إلى أماكن أخرى داخل الدولة أو لجأوا إلى دول أخرى.
فإذ بدأنا بموضوع الديون، فحسب تقرير للبنك الدولي فقد ارتفع إجمالي ديون دول العالم من 293 تريليون دولار إلى 303 تريليون دولار في غضون عدة شهور بعد نشوب الحرب في أوكرانيا. أما ديون الدول النامية فقد ارتفعت إلى معدلات غير مسبوقة منذ نصف قرن، وأن كثيرًا منها من المُتوقع أن يتعثر في الوفاء بأقساط الديون ويلجأ إلى صندوق النقد الدولي للمساعدة.
أضف لما سبق، فقد أدت الأوضاع المُتردية في كثير من الدول النامية نتيجة لجائحة كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا إلى انتشار نسب الفقر وعدد الفُقراء. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي في أبريل 2022، فإنه من المحتمل أن يقع ما بين 75-100 مليون فرد في هوة الفقر المدقع هذا العام. وأن عام 2022 قد يكون ثاني أسوأ عام (بعد 2020) في جهود مكافحة الفقر وازدياد عدد الفقراء. وحسب البيان الذي أصدرته الأمم المتحدة يوم 17 أكتوبر 2022 وهو «اليوم العالمي للفقر»، أن عدد الفقراء في العالم وصل إلى 1.3 مليار فرد نصفهم تقريباً من الأطفال والشباب، وأن غالبيتهم الساحقة تعيش في الدول النامية.
وارتبط ازدياد نسب الفقر بسوء التغذية في كثير من الدول النامية. وفي أفريقيا حذر عدد من وكالات الأمم المُتحدة من تعرض 17.4 مليون فرد في اليمن للمجاعة، ومن تعرض 22 مليون فرد في منطقة القرن الأفريقي لنفس المصير.
كما اضطرت أعداد مُتزايدة من الناس إلى مُغادرة مساكنهم وقُراهم قسرًا بسبب ظروف الجفاف والتصحر أو الحروب والصراعات المحلية. وحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مايو، فإن عدد اللاجئين في العالم ارتفع من 89.3 مليون في 2021 إلى 100 مليون في 2022 وأن هذا هو أكبر عدد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية منذ أن بدأت المفوضية بتسجيل ورصد الأرقام. وأضاف التقرير أن منهم 16 مليون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن أكثر الدول التي خرج منها لاجئون هي سوريا، وأوكرانيا، وأفغانستان، وجنوب السودان، وميانمار.
فضلًا عما سبق، ألقت أحداث عام 2022 العالمية والإقليمية بتداعياتها على مصر، فمن ناحية سعت مصر للتكييف وإعادة تحديد أولويات السياسات العامة على ضوئها؛ حيث استمرت حركة التشييد والبناء وتطوير البنية التحتية، واستمرت قدرة سلطات الأمن على متابعة الأنشطة الإرهابية ووأدها.
ومن ناحية أخرى، برزت الضغوط الاقتصادية المترتبة على الحرب في أوكرانيا، واتضاح عبء سداد أقساط فوائد الدين، والنقص الواضح في حجم استثمارات القطاع الخاص المصري والاستثمار الأجنبي المباشر، وتراجع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج القومي المحلي، مما أدى إلى ازدياد الدعوات لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية. وجاء المؤتمر الاقتصادي في نهاية أكتوبر ليبرز اتجاه الحكومة نحو الاستجابة للعديد من تلك الدعوات، والذي تلاه مُباشرة الإعلان عن الاتفاق على مُستوى الخُبراء على قرض جديد من صندوق النقد الدولي لمصر. وسبق ذلك دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي في 26 أبريل للإعداد لحوار وطني تشارك فيه الأحزاب والقوى السياسية المؤيدة والمعارضة للبحث عن «المساحات المشتركة» التي يمكن إبرازها والبناء عليها.
خِتامًا، يمكن التساؤل أين يقع عام 2022 من أحداث العالم في العصر الحديث؟ لقد توافق هذا العام مع أكثر من مناسبة تاريخية، ففي مثل هذا العام من مائتي سنة تم فك طلاسم اللغة الهيروغليفية، ومن مائة عام تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وإنهاء الحماية البريطانية على مصر وصدور إعلان 28 فبراير 1922.
كما شهد عام 2022 أيضًا، أحداثًا كُبرى من الأرجح أن تُسجلها ذاكرة التاريخ، والتي شملت دورة الألعاب الشتوية الأوليمبية في الصين في شهر فبراير، وانتهاء المعرض العالمي «اكسبو 20» في دبي بدولة الإمارات في مارس والذي تأخر انعقاده عامًا بسبب الجائحة، وانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 27» في مصر في نوفمبر، وكأس العالم لكرة القدم في قطر في نوفمبر- ديسمبر، وأخيرًا يمكن التساؤل ماذا سيبقى من عام 2022 للتاريخ؟
مركز الأهرام للدراسات