تردد غربي: لا دبابات لأوكرانيا ولا نصر سريعا

تردد غربي: لا دبابات لأوكرانيا ولا نصر سريعا

حماس أوكرانيا للحصول على أسلحة متطورة جديدة، وخاصة الدبابات الألمانية، ما يزال يقابل بالتحفظ والتردد من برلين واشنطن، وكلاهما ترى أن “الهجوم الكبير” ليس وقته الآن، ولا يعرف هل أن هذا التحفظ يعود إلى حسابات عسكرية أم إلى موقف سياسي يفضل الحوار مع روسيا في وضع معركة لا غالب فيها ولا مغلوب.

لندن – تلقت أوكرانيا في الاجتماع الذي عقده وزراء دفاع التحالف الغربي في القاعدة الأميركية رامشتاين في ألمانيا، وعلى هامش الاستعدادات له، صدمتين تفسران السبب الذي يقف وراء التردد الغربي في تزويد كييف بأسلحة ثقيلة لحسم الحرب.

الصدمة الأولى، هي أن وزراء دفاع دول التحالف لم يتفقوا على تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد – 2 الألمانية ولا دبابات أبرامز الأميركية.

أما الصدمة الثانية، فهي أن البنتاغون يحاول إقناع المسؤولين الأوكرانيين بإطالة أمد الحرب بدلا من حسمها، بل ونصحوهم بالتخلي عن مواصلة الدفاع عن بلدة باخموت الإستراتيجية أيضا، قائلين إن الدفاع عنها يستنزف الكثير من الذخائر ويعرقل الاستعدادات لهجوم واسع في الجنوب.

ولا يقلل ذلك من شأن الدعم الذي تتلقاه كييف، إلا أنه يكشف عن شرخ إستراتيجي بين الطرفين.

يذهب الأول في اتجاه توفير قاعدة مادية لشن هجمات أوسع متى ما توفرت التدريبات والمستلزمات اللوجستية الملائمة. فيما يذهب الثاني في اتجاه تكبيد القوات الروسية أكبر قدر ممكن من الخسائر على أساس أن الاستنزاف البشري يمكن أن يقنع موسكو بقبول الهزيمة.

بسعيها للحصول على دبابات قتالية ثقيلة، وصواريخ ذات مدى أبعد، تراهن أوكرانيا على تكبيد روسيا المزيد من الخسائر

وحاولت بريطانيا التي عرضت على أوكرانيا دبابات تشالنجر – 2، وهي ثالث أهم طراز لدبابات قتالية بعد ليوبارد – 2 الألمانية وأبرامز – 1 الأميركية، أن تكسر “الحاجز النفسي” لدى حلفائها الآخرين، لتشجيعهم على تقديم هذا النمط من الدبابات. وزادت بولندا وفنلندا في اجتياز الحاجز بأن عرضتا سريتين من دبابات ليوبارد -2، إلا أن أوكرانيا تقول إنها بحاجة إلى ما لا يقل عن 500 دبابة.

ويقول الخبراء العسكريون، كما تنقل صحيفة فاينناشال تايمز، إن سبب تمسك كييف بدبابات ليوبارد – 2 يعود إلى أنها “عنصر حاسم في ما يسمى بمناورة الأسلحة المشتركة أو العمليات المتنقلة التي تشمل المشاة والمدفعية للاستيلاء على الأراضي، علاوة على أنها ستمنح أوكرانيا ميزة على الدبابات الروسية لأنها تمتلك دروعًا متفوقة ومدافع أكثر دقة وأنظمة تحكم وملاحة أفضل مما يتيح العمليات الليلية”.

ولوجستيا، فإن 13 دولة أوروبية تمتلك نحو 2000 دبابة ليوبارد – 2، ولا يكلف نقلها إلى ساحة المعركة الكثير من الوقت، وذلك حالما تكون طواقم إدارتها قد حصلت على التأهيل المطلوب. وهو أمر يتطلب عدة أشهر.

ويقول المراقبون العسكريون إن أوكرانيا كانت تملك أكثر من 500 دبابة روسية من طراز تي – 72، وحصلت منذ بدء الحرب على المئات من الدبابات الإضافية من دول الجوار التي ورثت جيوشها هذه الدبابات. إلا أن أوكرانيا ظلت تخسر نحو 150 دبابة منها كل شهر.

وظهرت ألمانيا وكأنها هي الطرف الأكثر ترددا. وقالت إنها مستعدة لتزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد – 2 إذا ما خطت الولايات المتحدة الخطوة الأولى بتزويد كييف بدبابات أبرامز – 1.

وقال ثورستن بينر مدير معهد السياسة العامة العالمية في برلين إن “إحجام ألمانيا عن إرسال الدبابات من المرجح أن ينبع من مخاوف بشأن مخاطر التصعيد والانتقام المحتمل من جانب روسيا”.

وقال المتحدث باسم المستشار الألماني ستيفن هيبيستريت إن ألمانيا تتبع ثلاثة مبادئ “الأول هو دعم أوكرانيا قدر الإمكان. والثاني هو منع الناتو وألمانيا من أن يصبحا طرفين متحاربين. والثالث هو أننا لا نقوم بذلك بمفردنا، ولكننا ننسق بشكل وثيق مع شركائنا وخاصة الولايات المتحدة”.

ولا تتعلق المسألة بالنسبة إلى المسؤولين العسكريين الأميركيين بمن يبدأ أولا. ولكنها تتعلق بما الذي يجب البدء به أولا.

وأعرب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي الجمعة عن شكوكه الشديدة في تمكن أوكرانيا من دحر القوات الروسية من أراضيها هذا العام.

وقال ميلي إثر اجتماع رامشتاين “من وجهة نظر عسكرية، ما زلت أرى أنه سيكون من الصعب جدا في هذا العام دحر القوات الروسية عسكريا من كامل الأراضي الأوكرانية المحتلة”.

ونقلت رويترز الجمعة عن “مسؤول كبير” في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن القول إن “مسؤولين أميركيين كبارا يحثون أوكرانيا على تأجيل شن هجوم كبير على القوات الروسية إلى حين وصول أحدث إمدادات الأسلحة الأميركية وتوفير التدريب”.

وقلل هذا المسؤول من الأهمية الإستراتيجية للاحتفاظ ببلدة باخموت. وقدم إشارات واضحة على إمكانية التخلي عنها، قائلا إن “ذلك لن يؤدي إلى أي تحول إستراتيجي في ساحة المعركة”.

وهذه إشارات تؤكد أن واشنطن تريد إطالة أمد الحرب. ولكن ليس على أساس خوض معارك استنزاف ميدانية كما يريد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وإنما على أساس استنزاف اقتصادي وسياسي داخل روسيا.

وبسعيها للحصول على دبابات قتالية ثقيلة، وصواريخ ذات مدى أبعد، تراهن كييف على أنها سوف تسمح بتكبيد روسيا المزيد من الخسائر، بينما يقول القادة العسكريون الأميركيون إن إدارة أوكرانيا للحرب هي التي يجب أن تتغير لأن موسكو هي التي ستكسب الأفضلية من خلال الاستنزاف.

ولا يقلل ذلك من شأن ما تحصل عليه أوكرانيا من مساعدات عسكرية إضافية شملت بطاريات باتريوت ومدرعات برادلي الأميركية ودبابات قتالية خفيفة فرنسية، وأنظمة صواريخ هيمارس، ومئات من صواريخ بريمستون البريطانية، وغيرها. إلا أن هذه المساعدات إذا كانت تعزز قدرات أوكرانيا الدفاعية، فإنها لا تكفي لشن هجمات واسعة تؤدي إلى تحرير أراضيها المحتلة.

ويبدو أن إطالة أمد الحرب، وتحاشي الانطباعات بالاستعداد للتورط المباشر فيها، واستيعاب الانتقال إلى استخدام الأسلحة الغربية من جانب القوات الأوكرانية، هي الإستراتيجية التي يتعين على كييف القبول بها.

وألمح وزير الدفاع الألماني الجديد بوريس بيستوريوس إلى أن تأخير حصول كييف على دبابات ليوبارد – 2 مع بدء التدريبات عليها “لا يضر بالنتيجة”. وقال “إنه تحضير ليوم من المحتمل أن يأتي، وعند هذه النقطة سنكون قادرين على التصرف على الفور وتقديم الدعم في غضون فترة زمنية قصيرة جدًا”.

وقالت الولايات المتحدة إنها ستتبرع بما لا يقل عن 59 مدرعة برادلي و90 سترايكرز، بينما تقدم ألمانيا مدرعات ماردرز. وتحتوي مركبات الأفراد المدرعة هذه أيضًا على مدافع قوية، والتي ستمنح أوكرانيا قدرة هجومية إضافية.

وأعلنت فرنسا هذا الشهر أنها سترسل عددًا غير محدد من المركبات المدرعة AMX-10 “قاتلة الدبابات”، والتي يعتبرها بعض المحللين دبابات خفيفة.

ومع ذلك، فإن دبابات القتال الرئيسية الغربية، بمساراتها المتسلسلة وأنظمة التحكم في النيران المتطورة والمدافع الثقيلة، توفر مستوى من القوة النارية الذي كان الحلفاء الغربيون مترددين في منحه لكييف.

وسعت المملكة المتحدة لكسر هذا “الحاجز النفسي” الأسبوع الماضي عندما قالت إنها سترسل 14 دبابة تشالنجر إلى أوكرانيا. وليست الأرقام مهمة عسكريًا، لكن القرار شكل سابقة كانت بريطانيا تأمل في أن تشجع الدول الأخرى على فعل الشيء نفسه قريبًا.

ومع ذلك، قالت الولايات المتحدة إنها لن ترسل دباباتها من طراز أبرامز، لأنه من الصعب جدًا على أوكرانيا الحفاظ عليها وأن خيارات أخرى مناسبة في المنطقة تكثر، مثل ليوبراد. وامتنعت الحكومة الألمانية عن إرسال “الفهود” نظرًا إلى خطر أن ترى روسيا هذه الخطوة على أنها تصعيد قد يجر الناتو إلى الصراع.

لماذا يعتبر دور ألمانيا محوريًا جدًا؟

بموجب شروط عقود التصدير الخاصة بها، فإن موافقة برلين مطلوبة إذا أرادت الحكومات الأخرى التبرع بدبابات ليوبارد إلى كييف.

وتمتلك ألمانيا حوالي 350 من دبابات ليوبارد – 2 الخاصة بها، على الرغم من أنه من غير الواضح كم منها يعمل بكامل طاقته.

ويشعر المستشار أولاف شولتز بالقلق من أنه نظرًا إلى أن دبابة ليوبارد التي ستزود كييف بها تعتمد في الواقع على دعمه، فإن موسكو ستعتبر أي ضوء أخضر بمثابة تصعيد تقوده برلين. ولهذا السبب يريد شولتز من الولايات المتحدة الموافقة على إرسال دبابات أبرامز قبل أن يعطي موافقته.

العرب