على الرغم من أن جميع الأطراف الدولية تدّعي محاربتها تنظيمَ “الدولة” في الأراضي السورية وفي العراق بنيّة القضاء عليه أو الحدّ من قوته، إلا أن غالبية هذه الدول تعمل وفقاً لأجنداتها الخاصة، وتدير المعركة ضد “الدولة” بما يتلاءم مع طموحها الجيوسياسي في الشرق الأوسط، أو لكسب مكانة أفضل في النظام السياسي العالمي.
ومن بين جميع الدول التي تمتلك أذرعاً عسكرية في سوريا والعراق، يرى محللون أن إيران هي الرابح الأكبر من إرهاب تنظيم “الدولة”، وقد حققت عن طريق إدارة الحرب معه مكاسب إقليمية ودولية تخدم طموحها السياسي، وفي الحديث عن هذه المكاسب يمكن التطرّق لعدة نقاط أساسية.
أولاً، وفي تحليل نشره معهد الأمن القومي الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، جاء أن “رحلة الإرهاب” التي يقودها تنظيم “الدولة” في سوريا والعراق وفي أماكن متفرقة في أوروبا تخدم مصلحة إيران. فالحرب الدولية ضد التنظيم أشاحت النظر عن إيران ونزعت عنها صفة الإرهاب التي التصقت بها منذ عام 1984 وحوّلتها بشكل حصري لتنظيم “الدولة”، الأمر الذي لعب لمصلحتها في الطريق لتوقيع اتفاق النووي الإيراني مع الدول العظمى والولايات المتحدة، فقد تحولت لدولة “مرغوبة ومُصلِحة”.
ثانياً، بحسب المؤرخ الأمريكي وخبير العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، جي دبليو باكر، فإن الولايات المتحدة أتمّت مهمّتها في جعل إيران من الدول الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط منذ عام 2003؛ أي بعد الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين. وبظهور تنظيم “الدولة” أصبحت إيران تحاربه من أجل كسب قوة وتأثير أكبر داخل العراق، عن طريق توطيد العلاقات مع المليشيات الشيعية والحكومة العراقية التي تتلقى عتادها العسكري وتدريبات مقاتليها ومشورتها العسكرية من إيران بشكل أساسي.
وهنا يضيف الكاتب أن مصلحة إيران في العراق تمر عن طريق كسب دعم المليشيات الشيعية، لكن ذلك ليس الهدف النهائي. فالسيطرة على العراق بالنسبة لإيران يعد هدفاً استراتيجياً هاماً في ملف السيادة على الخليج، فهي تهدف لبناء منطقة عازلة مقابل المملكة العربية السعودية ودول الخليج، إلى جانب ضمان عدم تحوّل العراق إلى تهديد لها. وعليه تستخدم إيران تنظيم “الدولة” من أجل توسيع مجال تأثيرها في مواجهة التهديدات التي تعترضها.
ثالثاً، يرى المحلل الإسرائيلي د.أفرايم كام، أن تدخل إيران في الحرب المعلنة على تنظيم “الدولة” جعل دول الغرب تعتبر أن إيران تؤدي دوراً أساسياً في “استقرار” الأوضاع في سوريا والعراق، وخلقت جواً من المصالح المشتركة بين الأطراف. ففي حين لم تبدِ أي من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة استعدادها لتعميق تدخلها العسكري في سوريا والعراق ضد “الدولة”، تقوم إيران بذلك بدلاً منهم.
إلى جانب ذلك، اعتراف الدول الغربية بدور إيران “الفعال” في المعارك ضد “الدولة” يعني من جانب آخر أنها قادرة أيضاً على وقف هذه المعارك، وعلى إدارة العملية السياسة باتجاه إيجاد حل سياسي ينهي القتال، ممّا يعني أن تصبح إيران هي الدولة التي تحافظ على استقرار المنطقة إذا ما نجحت بالقيام بدور سياسي. ويأتي ذلك بعد عقود من ترسيخ فكرة “التهديد الإيراني”، التي على ما يبدو سيتم تجاهلها.
وعليه يمكن القول إنه في لعبة تحقيق الأهداف والمصالح بعيدة المدى بين الأطراف الدولية من جهة وتنظيم “الدولة من جهة أخرى، سنجد إيران هي أكثر من سيجني ثمار الحرب الدائرة في سوريا والعراق إذا ما تم التوصل لحلّ سياسي يقضي بوقفها، وذلك سواء تم القضاء على تنظيم “الدولة” أو تحجيمه فحسب.
مي خلف
موقع خليج أونلاين