ماذا بعد إسقاط المقاتلة الروسية؟

ماذا بعد إسقاط المقاتلة الروسية؟

151124100926_turkey_russian_jet_640x360_bbc_nocredit

رفع إسقاط تركيا للنفاثة المقاتلة الروسية في سورية مؤخراً من حدة المخاطر التي ينطوي عليها صراع محموم ومعقد أصلاً. ومن المرجح أن يقوض التطور الذي حدث يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) جهود السعي للتوصل إلى حل للحرب الأهلية التي طالت في البلد.
منذ اعتراض الدفاعات الجوية السورية لطائرة تركية يوم 22 حزيران (يونيو) من العام 2012، والذي أفضى إلى تدميرها ومقتل طياريها، تحافظ القوة الجوية التركية على موقف صارم من الطائرات التي تخترق حدود تركيا مع سورية. ويوم 16 أيلول (سبتمبر) من العام 2013، أسقطت الطائرات المقاتلة التركية طائرة مروحية سورية من طراز (أم. أي-17) كانت قد انتهكت المجال الجوي التركي. وبعد ستة أشهر من ذلك، لقيت طائرة سورية من طراز (ميغ 23)، والتي ذكر أنها ضلت مسارها إلى داخل المجال الجوي التركي، المصير نفسه.
وفي الأثناء، ارتفع عدد ووتيرة الحوادث الجوية فوق الحدود بين تركيا وسورية منذ تدخل روسيا في الصراع السوري في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي. وكانت تركيا قد قدمت شكاوى عدة ضد كل من روسيا وسورية حول العديد من الانتهاكات لمجالها الجوي، (بما في ذلك انتهاك أكدت روسيا وقوعه، حيث كانت طائرة مقاتلة من طراز سوخوي قد عبرت بالخطأ إلى داخل تركيا)، وحول مضايقة الطائرات التركية التي تسير دوريات فوق منطقة الحدود.
قبل نحو أسبوعين، وبينما كانت القوات الروسية تدعم هجمات عدة للموالين للنظام ضد الثوار في المنطقة، كانت وتيرة النشاط الجوي الروسي بالقرب من الحدود التركية السورية عالية بشكل خاص. وتضم مجموعات الثوار، بما فيها الفرقة الساحلية الأولى، والكتيبة الساحلية الثانية، وكتيبة الشام، عدداً كبيراً من المقاتلين التركمان، وهي مرتبطة عن كثب ومدعومة من تركيا، مما يزيد غضب أنقرة من تواجد قوات موسكو في سورية.
وثمة شيء كان غير واضح في البداية، والذي يتعلق بمصير الطيارين الروسيين. وقد أشارت أشرطة فيديو وصور التقطت في مسرح الحدث إلى أن الثوار على الأرض أطلقوا النار على الطيارين وقتلوهما بينما كانا يقفزان بمظلتيهما. ومع ذلك، قال عدد من المسؤولين الأتراك إنهم يعتقدون بأن الطيارين ما يزالان على قيد الحياة. وإذا ما صح هذا، فإن بإمكان أنقرة استخدام اتصالاتها مع مجموعات الثوار للعمل بسرعة على إعادة الطيارين إلى العهدة الروسية، ما يخفف من التوتر القائم. لكنهما إذا كانا قد قتلا، فإن روسيا ستصعد على الأرجح من عملياتها ضد الثوار في المنطقة، ومن تصعيد التوتر مع تركيا أيضاً.
كما أن تدمير طائرة مروحية روسية كانت قد أرسلت للبحث عن الطيارين وإنقاذهما سيزيد من مفاقمة الأزمة. وكان الثوار قد أسقطوا المروحية بنيران أسلحة صغيرة، مما أسفر عن مقتل أحد جنود البحرية الروسية، ثم دمروها بصاروخ من طراز “تاو” الموجه والمضاد للدروع -وهو سلاح أميركي زود به الثوار في سورية. وحتى لو نجا باقي أفراد الطاقم، فلن تكون روسيا مسرورة من دخول أسلحة طرف ثالث للقتال ضدها.
تحركات السلام تصبح أبعد منالاً
مما لا شك فيه أن حادث الطائرة الروسية المقاتلة سيرفع من خطر الاشتباكات التي تحدث في المجال الجوي فوق سورية. وكانت الولايات المتحدة قد أحرزت تقدماً كبيراً في نزع فتيل الصراع في المجال الجوي السوري عبر التوقيع على مذكرة تفاهم مع روسيا، والتي بينت الإجراءات المتبعة لمنع نشوء المشكلات عند تنفيذ كل جانب ضربات جوية.
ولكن، ومع غضب الروس من الأتراك، وبينما يعمل الأتراك بتنسيق وثيق مع الأميركيين -خاصة في العمليات المخططة المعادية لمجموعة “الدولة الإسلامية” فوق شمالي حلب- فإن الولايات المتحدة وشركاءها في الائتلاف قد يجدون أنفسهم ينجرون إلى الصراع بين أنقرة وموسكو. لذلك، وعلى الرغم من أي اتفاقيات مسبقة تم التوصل إليها، فإن الولايات المتحدة وشركاءها سيكونون أكثر توجساً بكثير من أي طائرة روسية أو موالية للحكومة السورية يواجهونها في الصراع. وعليه، وعلى الرغم من أن هذا الحادث وحده لن يوقف الضربات الجوية ضد “الدولة الإسلامية” في سورية، فإن قوى الائتلاف ربما تعدل هيكلية الضربات لتضم المزيد من الحماية ضد أي عمل محتمل من جانب الطائرات الروسية أو طائرات الحكومة السورية.
كما سيقوض النزاع أيضاً المحاولات الجارية للتوصل إلى حل للحرب الأهلية السورية، خاصة لأن تركيا تعد راعياً أجنبياً مهماً للعديد من مجموعات الثوار التي كان من المتوقع أن تحجز لنفسها مقعداً على طاولة التفاوض. ومع تداول أشرطة فيديو تظهر مقاتلين تركمانيين من هذه الوحدات وهم يطلقون النار على الطيارين الروس، ربما لن تقبل موسكو مشاركتهم في المحادثات. ونظراً لأن بعض هذه المجموعات تنتمي أيضاً إلى الجيش السوري الحر، وهي جزء من المعارضة السورية الأكثر اعتدالاً، فسيجعل ذلك من الأكثر صعوبة التوصل إلى قائمة الذين تستطيع الأطراف كافة الموافقة عليهم قبل التوجه إلى المفاوضات. وطالما ظلت المحادثات حول التوصل إلى اتفاقية لتقاسم السلطة في سورية تراوح مكانها، فسوف يستمر الرعاة الأجانب للحرب الأهلية السورية في التعامل مع ميدان معركة يزداد تعقداً باطراد.

ترجمة: عبدالرحمن الحسيني

  صحيفة الغد الأردنية