الخرطوم- تعطي جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مجموعة من الدول الأفريقية إشارة واضحة إلى عزم موسكو على بسط نفوذها في أفريقيا مستفيدة من انسحاب قوى تقليدية مثل فرنسا وارتباك أخرى مثل الولايات المتحدة، في الوقت الذي تمتلك فيه روسيا القدرة على المبادرة والاستجابة بشكل عملي لمطالب حلفائها الجدد.
وخلال لقاءاته بقادة ووزراء أفارقة عبر لافروف عن استعداد بلاده لتقديم الدعم للبلدان التي زارها، ليس فقط على المستوى الأمني من خلال الحرب على الجهاديين، وإنما أيضا الدعم الاقتصادي لهذه البلدان التي ظلت تنتظر طويلا للحصول على دعم فعال من الدول الغربية من دون التوصل إلى أيّ نتيجة.
وتأتي الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الروسي عقب انسحاب فرنسا من الحرب على الإرهاب في غرب أفريقيا ووسطها، وهو ما زاد من غضب الأفارقة عليها، حيث دعت مالي ثم بوركينا فاسو باريس إلى سحب قواتها، فيما تظاهر الآلاف مطالبين فرنسا بالتعجيل بالانسحاب وسط خطاب معاد آخذ في التوسع ضدها.
◙ روسيا يمكن أن تبرم اتفاقيات بأسعار تفاضلية للطاقة والغذاء مع حلفائها الجدد في أفريقيا ما يقوي نفوذها في القارة
وما تختلف فيه روسيا عن فرنسا أو الولايات المتحدة أنها تذهب إلى أفريقيا لإبداء الرغبة في المساعدة المتنوعة أمنيا وعسكريا واقتصاديا، ويجد مسؤولوها في استقبالهم قادة يسمعون ويهتمون على عكس جولات المسؤولين الغربيين، خاصة الفرنسيين والأميركيين، التي تتعامل مع الدول الحليفة على أنها أدوات في خدمة المصالح الغربية.
وتستفيد موسكو من التاريخ لإظهار أنها حليف يمكن الاعتماد عليه أفريقيا، فلديها تاريخ طويل مع دعم حركات التحرر من الاستعمار في القارة إلى حدود تفكيك الاتحاد السوفياتي. كما تخرّج عدد كبير من أفراد النخب الأفريقية من الجامعات الروسية.
ويقول محللون سياسيون إن روسيا باتت الأقرب بالنسبة إلى الأفارقة، بالرغم من حملات الشيطنة التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا ضد الدور الروسي العائد إلى أفريقيا، مشيرين إلى أن القادة الأفارقة ينظرون إلى النتائج وليس إلى الخطابات.
ويمكن أن تعقد روسيا اتفاقيات بأسعار تفاضلية للطاقة مع حلفائها الجدد في أفريقيا، فهي من ناحية تساعدهم وفي نفس الوقت تنجح في كسر حصار العقوبات المفروض على إمداداتها من النفط والغاز. ويمكن لها أيضا أن تقدم دعما آخر في موضوع حساس بالنسبة إلى شعوب القارة، وبأسعار تفاضلية أيضا، وهو موضوع الغذاء خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية التي تحصل عليها الشعوب الفقيرة في القارة.
وفي مارس الماضي امتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت على قرار في الأمم المتحدة يدين روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا، وهو موقف أظهر وجود أرضية مشجعة على تحرك لافروف الذي قاد أكثر من جولة لاستثمار التعاطف الأفريقي مع بلاده والسير به نحو الشراكة.
وفيما تتقدم روسيا للدعم متعدد الأوجه، فإن الدول المؤثرة تقليديا في القارة آخذة في التراجع، ففرنسا تخرج من منطقة الساحل بالتوازي مع تراجع دورها في ملفات داخل القارة وخارجها. كما أن الولايات المتحدة لا تبحث عن شركاء، وتريد حلفاء على مقاس القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، فهي أقرب إلى الملف الأمني والعسكري ولا تهتم بالتعاون الاقتصادي المتعدد، وهو ما تطبقه في الصومال بشكل واضح بالاقتصار على مواجهة حركة الشباب الجهادية.
وتتمايز روسيا كذلك عن الصين التي تقودها أولويات الربح وفي ظل ما يروج من مخاوف تجاه القروض الصينية داخل القارة، ونجاحها في وضع يدها على قطاعات حساسة مقابل هذه القروض.
كما تتقدم روسيا على تركيا في حظوظ بناء علاقات وثيقة مع الأفارقة. ورغم أن نفوذ أنقرة توسّع في مناطق مختلفة من القارة، إلا أنها لا تقبل أن تتصادم مع الجهاديين، وهي معركة مهمة توازي أو تفوق في الأهمية الدعم الاقتصادي بالنسبة إلى الدول الأفريقية التي تعاني من الإرهاب.
ولدى روسيا ورقة فاغنر لمواجهة الجهاديين، سواء من خلال الاشتباك المباشر في حرب العصابات، أو من خلال تدريب الجيوش المحلية وتسليحها. كما أن هذا الدعم يأتي في شكل شركة مرتزقة وليس كتائب عسكرية أميركية أو فرنسية تأتي وتحتمي بدولها.
وكان الوزير الروسي قد وعد الثلاثاء في مالي التي أصبحت موسكو شريكها الأبرز بعد تولي عسكريين مقاليد الحكم، بمساعدة دول الساحل وخليج غينيا في مكافحة الجهاديين، وألمح إلى رغبة بلاده في زيادة حضورها في القارة.
◙ روسيا باتت الأقرب بالنسبة إلى الأفارقة، بالرغم من حملات الشيطنة التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا ضد الدور الروسي العائد إلى أفريقيا
وقال لافروف في الخرطوم الخميس “تتابع الوفود الغربية خطواتنا وتحاول عرقلة جهودنا نحو عالم متعدد الأقطاب”.
وأضاف أن بلاده تنتظر موافقة السودان بشأن إنشاء قاعدة بحرية مقررة على البحر الأحمر.
وسبق أن درس المجلس العسكري الحاكم في السودان السماح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر، وهي منطقة إستراتيجية تتنافس دول الخليج وتركيا أيضا لبسط النفوذ فيها.
وزار محمد حمدان دقلو، الذي يعرف باسم حميدتي، قائد قوات الدعم السريع روسيا في اليوم السابق لانطلاق غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، وعبّر عن انفتاحه على استضافة قاعدة روسية.
ويقول دبلوماسيون ومصادر رسمية غربية إن شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة تعمل في السودان على توسيع عمليات التنقيب عن الذهب، وغير ذلك من الأنشطة.
العرب