دخلت أطراف سياسية في العراق على خط الجدل بعد استطلاع رأي نشرته صحيفة “الصباح” العراقية عن مصير إقليم كردستان العراق، في حين أكد رئيس التحرير أن التقرير واجه اتهامات دون أن تتم قراءته بشكل صحيح.
أربيل – لم تمضِ سوى ساعات على نشر تقرير في صحيفة “الصباح” العراقية شبه الرسمية بخصوص استطلاع للرأي أظهر رغبة الكثير من المواطنين لحلِّ الكيان الدستوري لإقليم كردستان، حتى أصدرت دائرة الإعلام في حكومة الإقليم بلاغا رسميا ترفض من خلاله صحة المعلومات الواردة في التقرير.
وذكر تقرير نشرته صحيفة الصباح السبت أن معظم سكان إقليم كردستان العراق يؤيدون حل الكيان الدستوري لإقليم كردستان والعودة إلى حضن الحكومة المركزية في بغداد.
واعتمد التقرير الذي حمل اسم “استطلاع: الأغلبية تفضل الارتباط بالحكومة الاتحادية.. هل سيُحل إقليم كردستان”، على استطلاع للمركز الأكاديمي للاستفتاء والتحليل “شيكار”، وهو مركز غير مشهور في العراق.
وعزا التقرير أسباب رغبة المواطنين بالعودة إلى الحكومة الإقليمية إلى الواقع المرير، والأزمة السياسية المزمنة التي يمر بها إقليم كردستان.
وقالت الصحيفة إنه “في ظل تدهور الأوضاع على مختلف المستويات في الإقليم وتضاؤل فرص حل النزاع الدائم بين الحزبين الرئيسيين، كشف استطلاع للرأي أعده المركز الأكاديمي للاستفتاء والتحليل عن وجود قبول شعبي بحل الكيان الدستوري للإقليم، والعودة نحو السلطة المركزية المباشرة”.
وأضافت أن “هذا التقبل لتلك الفكرة التي كان يحرّم مجرد التفكير فيها، يُسلط الضوء أكثر فأكثر على الأزمة المزمنة التي يمر بها الإقليم في ظل مخاطر أمنية واقتصادية وسياسية وداخلية وخارجية”.
ونوهت افتتاحية التقرير بأن الإقليم ينفرد بكيان دستوري واسع الصلاحيات في ظل دولة فيدرالية وفي الكثير من الأحيان تتعامل أربيل مع بغداد معاملة الند للند.
وتتناول وسائل إعلام عراقية في بعض الأحيان آراء وأحاديث لشخصيات سياسية وخصوصا تلك المقربة من إيران، عن مستقبل الإقليم وإمكانية العودة إلى بغداد لكنها تبقى في إطار ضيق وغير محسوبة على الحكومة، لكن تقرير صحيفة الصباح أثار هذا الجدل بسبب شعبيتها وقربها من الحكومة.
وهاجمت حكومة إقليم كردستان الصحيفة، وأصدرت بيانا فنّدت من خلاله تلك المعلومات والأرقام التي اعتمدتها الصحيفة في تقريرها جملة وتفصيلا، واصفة المعلومات الواردة في تقرير الصحيفة الرسمية بأنها معلومات تفتقر للدقة وهي باطلة ولا أساس علميا لها، منوهة بأن إقليم كردستان يتميز بطفرات نوعية وازدهار كبير في شتى المجالات العمرانية والاقتصادية والبنى التحتية وهو يتقدم على جميع المحافظات العراقية بسنوات من حيث التقدم والتنمية والتطور إذن كيف يعقل أن يؤيد أو يتمنى المواطنون حل الكيان الدستوري لإقليمهم، في حين أن معظم المناطق والمحافظات العراقية تعاني من الدمار والخراب في شتى المجالات.
كما أن أهالي معظم المحافظات العراقية يشهدون قبل غيرهم على حقيقة أن إقليم كردستان شهد تقدما وتطورا كبيرين على جميع الأصعدة والمجالات .
وأشار البيان الحكومي إلى أن شعب إقليم كردستان كان قد أدلى بصوته في 25 سبتمبر عام 2017 وأن الغالبية العظمى من مواطني إقليم كردستان كانوا قد أيدوا بصوتهم الحر قرار الانفصال عن العراق لكن الحكومة المركزية آنذاك لجأت إلى استخدام القوات وشن الهجمات العسكرية وفرض الحصار ردّا على الاستفتاء الشعبي الواسع الذي أجراه إقليم كردستان.
ويعود إنشاء إقليم كردستان العراق إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس 1970 بعد الاتفاق بين الحكومة العراقية والمعارضة الكردية آنذاك عقب سنوات من المعارك.
وأوضحت حكومة إقليم كردستان في بيانها أن إقليم كردستان يتمتع بكيان دستوري وقانوني وأن تشكيله هو نتاج دماء تضحيات جسام من دماء الآلاف من المواطنين والشهداء وصمود قوات البيشمركة ولا أحد يستطيع حلّه وإلغاؤه مهما كان ولا الصحيفة التي وصفتها حكومة الإقليم بـ”المفلسة” التي تروج لتلك الشائعات.
وتصاعد الجدل مع اتهام الصحيفة بأن تقريرها جاء بأوامر حكومية، بهدف إعادة الحديث عن السيطرة الحكومية المركزية على الإقليم، وانتهاز فرصة الأزمة السياسية المحتدمة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
ومنذ أشهر، ازدادت حدة الخلافات بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، الاتحاد الوطني برئاسة بافل طالباني، والديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، إذ يثير استمرار الخلافات مخاوف هائلة بين سكان الإقليم، فهم يدركون أن نشوب أي نزاع بين الحزبين الرئيسيين قد يعيد إلى الأذهان الماضي الذي شهد حربا أهلية وبروز أزمات مالية وتشرذم الإقليم.
ودخلت حكومة بغداد على خط الجدال، لتنفي أي علاقة لها بتقرير الصحيفة شبه الرسمية. وأكد المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي أن ما ورد في صحيفة الصباح الرسمية عن إقليم كردستان “لا يمثل وجهة نظر حكومية”.
وقال العوادي في بيان “نؤكد أنّ ما ورد في جريدة الصباح، تحت عنوان (هل سيُحلّ إقليم كردستان؟)، هو رأي شخصي، ولا يمثل وجهة نظر حكومية أو رسمية إطلاقا”.
وأضاف أن “موادّ الدستور العراقي وما ورد فيها من كون العراق دولة اتحادية، وبقية الفقرات التي نظمت شكل العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، هي أحد أهم مكاسب العراق الجديد، التي تعمل الحكومة على ترسيخها ودعمها؛ التزاما منها، حكومة شرعية منتخبة وفقا للدستور”.
افتتاحية التقرير تنوه بأن الإقليم ينفرد بكيان دستوري واسع الصلاحيات في ظل دولة فيدرالية وفي الكثير من الأحيان تتعامل أربيل مع بغداد معاملة الند للند
ومن جهتها، قالت شبكة الإعلام العراقي (ممولة من الدولة) إنها “تعمل وفقا لقانونها النافذ، وتحرص على أن تكون صوتا لجميع العراقيين على اختلاف انتماءاتهم، وتشدد الشبكة على رفضها المساس بالحقوق الدستورية للمؤسسات والكيانات القانونية، ومن ضمنها إقليم كردستان”.
وأضافت الشبكة في بيان أن “ما ورد في الصحيفة لا يمثل رأيا أو توجها للشبكة، وإنما هي مادة صحافية استندت على استطلاع منشور في أغلب وسائل الإعلام ومنها صحف عربية وأجنبية، وأورد تقرير الصباح آراء مخالفة ومعارضة لمحتواه، وعلى الرغم من ذلك وجه رئيس شبكة الإعلام العراقي بفتح تحقيق عاجل بشأن التقرير أعلاه؛ تحقيقا للموضوعية والتزاما بالقانون”.
وبعد الزوبعة التي أثيرت خرج رئيس تحرير صحيفة الصباح أحمد عبدالحسين في تصريح صحافي قال فيه إن “الجريدة لم تجر أي استطلاع وهناك لبس في الموضوع”، مؤكدا أن “الاستطلاع أجراه مركز للبحوث ونحن تابعناه فقط، إضافة إلى ذلك نشرنا في التقرير آراء مخالفة للاستطلاع ونتائجه”.
وأضاف “أنه لا هدف من وراء نشر التقرير سوى المتابعة الصحافية، وهذا هو جوهر الصحافة أن نتابع الملفات ذات الحساسية العالية لكن مع توفر شروط المهنية وعرض كل الآراء”، مشيرا إلى أن “ردود الأفعال كانت غاضبة ويبدو أنها لم تقرأ التقرير جيدا واكتفت بالعنوان ولو قُرئ التقرير لتبيّن أننا تناولنا الموضوع بمهنية عالية”.
وتابع أن “ما يريده الكرد يقرره الكرد، ونحن لسنا طرفا في ذلك، نحن نقلنا تقريرا منشورا في عدة صحف”، مؤكدا أن “إقليم كردستان جزء أساس وعزيز من الدولة العراقية ولهذا فنحن نتابع قضاياه أولا بأول على الصعيدين الشعبي والرسمي”.
وأشار إلى أن “الصباح صحيفة لكل العراقيين وهي تتابع الشأن الكردي بنفس المهنية التي نتابع بها الشأن العربي، وكل ما يهم المواطن الكردي فنحن ملزمون بتغطيته”.
العرب