مجدداً عاد الملف النووي الإيراني للظهور في الإعلام والتقارير الإخبارية إثر كشف مراقبي الوكالة الدولية الطاقة الذرية عن وجود آثار تخصيب يورانيومبنسبة 84 في المئة.
وبينما حد الاتفاق النووي الإيراني من درجة النقاء التي يمكن لطهران أن تخصب اليورانيوم بها إلى 3.67 في المئة بحلول أبريل (نيسان) 2021، كانت تخصب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، وأخيراً ترتقي الشكوك إلى قيامها بالتخصيب بنسبة 84 في المئة وهي أقل بقليل من 90 في المئة المطلوبة للحصول على سلاح نووي.
ربما التطور الأخير في ما يخص النووي الإيراني لم يقفز إلى أجندة المجتمع الدولي الآن نظراً إلى أولوية الحرب الأوكرانية بالنسبة إلى الغرب، لكن سيكون هذا التطور حاضراً بقوة في الأجندة الإسرائيلية، إذ صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا بد من سلاح فاعل وضروري لمنع الدول المارقة من امتلاك سلاح نووي، وذكر بالضربة الإسرائيلية للبرنامجين العراقي والسوري على التوالي، الأمر الذي يطرح تساؤلاً في شأن هل يمكن لتل أبيب شن ضربة عسكرية مباشرة لتدمير البرنامج النووي الإيراني على غرار ما حدث في سوريا والعراق؟
تتوقف الإجابة هنا على تداعيات الضربة العسكرية الإسرائيلية ورد الفعل الإيراني، فبينما شنت إسرائيل عدداً من الهجمات السرية غير المعلنة على المنشآت الحيوية سواء العسكرية أو النووية أو الاقتصادية في الداخل الإيراني عبر شبكات تجسس وعملاء جندتهم لكنها لم تعلن ذلك، ويتم ذلك في إطار ما يسمى بحرب الظل بين الطرفين، أي كل منهما يوجه ضرباته إلى الآخر من دون الإعلان صراحة.
وفي حين تدير تل أبيب البرنامج النووي كسوابق أخرى في المنطقة سيكون معروفاً بالطبع الطرف القائم به، وهو ما سيكون بمثابة إعلان حرب يمكن لإيران من خلال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة سواء بواسطة الحرس الثوري أو عبر وكلائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة أن توجه تهديداً مباشراً لإسرائيل التي ما زال الأمن هو الهاجس الوحيد لقادتها ومواطنيها.
لا يعني ذلك غياب أي خيارات أمام تمادي طهران في انتهاك التزاماتها النووية أو سلوكها الإقليمي بشكل عام، إذ إن تل أبيب كانت وراء تحريض واشنطن ودول أوروبا ضد إيران بعدما أخبرتهما بإمداد هذه الأخيرة روسيا بالمسيّرات خلال الحرب في أوكرانيا، مما تسبب في نفور أميركي أوروبي وتباعد دبلوماسي عن إيران وفي فرض مزيد من العقوبات عليها، كذلك كانت إسرائيل من كشفت عن الأماكن غير المعلنة التي وجدت فيها آثار تخصيب يورانيوم وحتى الآن لم تجب إيران عن أسئلة الوكالة الدولية في شأنها.
من جهة أخرى هناك خيار “سناب باك” وهو في يد الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، فوفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 الذي كرس الاتفاق النووي، تكون إعادة العقوبات التي تم رفعها من جانب الأطراف الأوروبية والأمم المتحدة حال أقرت الوكالة الدولية بعدم تنفيذ إيران للالتزامات بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن ثم سمحت إيران للمراقبين الدوليين بزيارة طهران للبت في شأن ما عثر عليه من آثار تخصيب بنسبة 84 في المئة. والسلوك الإيراني يوحي بأن طهران تستجيب وتعدل سلوكها حينما يكون هناك إجماع دولي ضدها، وحينما تظهر خيارات العصا والجزرة بالتبادل، ومن ثم التهديد بالعقوبات والضغوط ربما يجدي معها، لا سيما بالتزامن مع الضغوط الداخلية للمواطنين الساخطين من النظام الإيراني بينما تستثيره الأداة العسكرية أكثر على اتباع سياسة عدوانية هدفها استعراض القوة.
اندبندت عربي