يبدو أن صمت رئيس وزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي عن استهدافه سياسياً، كما يرى هو من قبل معارضيه الذين أصبحت بيدهم معظم مقاليد السلطة في حكومة محمد شياع السوداني، لم يدم طويلاً وينذر بتطورات سياسية وقضائية خلال الفترة المقبلة.
فبعد إصدار القضاء مذكرات توقيف بتهمة تسهيل “سرقة القرن” في العراق بحق أبرز الشخصيات التي كانت في حكومة الكاظمي، وهم مدير مكتبه رائد جوحي والمستشار مشرق عباس ووزير المالية علي علاوي والسكرتير الشخصي له أحمد نجاتي، خرج الكاظمي ببيان بدت فيه إشارات واضحة إلى أن الرجل لن يسكت عن استهدافه، بل ربما سنكون أمام صراع سياسي جديد يمتلك فيه الكاظمي أوراقاً كثيرة.
الكاظمي الذي أدار جهاز الاستخبارات العراقي لأكثر من خمس سنوات وتولى المنصب التنفيذي في البلاد لأكثر من عامين يبدو أن لديه تصوراً كاملاً عما جرى من أعمال عنف وفساد ومن يقف وراءها، الأمر الذي يدفع قوى سياسية إلى تحريك نفوذها لمنعه من العمل السياسي أو الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة.
تصفيات سياسية
ووصف الكاظمي صدور مذكرات اعتقال بحق عدد من مساعديه خلال ترؤسه للحكومة العراقية السابقة بأنه استهداف وتصفية سياسية مبيتة، مشدداً على أن حكومته هي أول من كشف عن “سرقة القرن” واعتقلت متهمين بها، ودعا في بيان إلى تحقيق من قبل القضاء يستند إلى تحقيق دولي في القضية.
و”سرقة القرن” في العراق هي عملية استحواذ على الأمانات الضريبية التي سرقت بحيلة قانونية من قبل رجل الأعمال نور الخفاجي وعدد من شركائه والتي قاربت 3 تريليونات ونصف تريليون دينار عراقي (2.5 مليار دولار) عبر صكوك صدرت من مصرف الرافدين الحكومي ودائرة الضرائب.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن عن تسوية ملف “سرقة القرن” عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استرداد الأموال، في خطوة تعد الأولى بتاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي.
وبحسب السوداني، فإن بغداد استردت الدفعة الأولى البالغة 182 مليار دينار عراقي (123 مليون دولار) من أصل تريليون و681 مليار دينار بحدود (1.2 مليار دولار) استولى عليها رجل الأعمال نور الخفاجي، مشيراً إلى أن هذا المبلغ تم تسليمه من قبل الخفاجي وفق اتفاق تسوية سيتضمن الإفراج عن هذا الأخير من قبل القضاء بكفالة لتسليم كامل المبلغ خلال أسبوعين تهدف إلى السماح له ببيع العقارات التي اشتراها بهذا المبلغ وإرجاعه إلى الدولة.
وأصدرت محكمة النزاهة أوامر قبض بحق أربعة من كبار المسؤولين في حكومة الكاظمي لتسهيلهم الاستيلاء على مبالغ الأمانات الضريبية، وهم كل من وزير المالية علي عبدالأمير علاوي ومدير مكتب الكاظمي رائد جوحي وسكرتيره الشخصي أحمد نجاتي ومستشاره مشرق عباس.
ملفات الكاظمي
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي يرى ضرورة إصدار أوامر قبض بحق كثير من المتهمين بالسرقات في الحكومات السابقة لإبعاد شبهة الاستهداف السياسي، مشيراً إلى أن لدى الكاظمي ملفات بحق كثير من الشخصيات في الحكومات السابقة.
وقال إن “هناك مستوى عالياً من الحساسية من قبل كثير من القوى السياسية، فكلما فتح ملف يشعر الطرف الثاني بأن هناك استهدافاً له، فقضية سرقة القرن قضية حساسة وأول تحدي واجهه محمد شياع السوداني هو هذه القضية”، لافتاً إلى أن حديث الكاظمي عن الاستهداف أراد أن يسأل من هي الأطراف الأخرى ولماذا لم تذكر.
وبحسب الفيلي فإن النائب مصطفى سند قال في أحد لقاءاته التلفزيونية إنه “عندما وصلت إلى عدد من الأسماء طلبت منه شخصيات نافذة ضرورة عدم التعرض لها، مما يشير إلى أن هناك أسماء لم تذكر”، مرجحاً بقاء فرضية الكاظمي في أذهان الناس إذا لم يتم مثول شخصيات نافذة في الحكومة العراقية أمام القضاء لإثبات أن العدالة تسري على الجميع.
العدالة للجميع
على رغم من أن الموضوع الحالي فيه بعد قضائي إلا أن كثيراً من الملفات القضائية السابقة لم تحرك قضائياً، ولذلك ستبقى هذه المسألة محل جدل وصراع بين أجيال متعاقبة، بحسب الفيلي الذي شدد على ضرورة إعلان صريح وواضح عن جميع الأسماء والشخصيات الفاسدة.
ورجح أن الكاظمي شخصية غير سهلة ويحتفظ بملفات بعيدة من ملف الفساد مثل ملفات حقوق الإنسان وقمع المتظاهرين، وهذه الملفات تجر إلى عقوبات دولية، مبيناً أن الكاظمي في تغريدته لا يقصد السوداني وإنما جهات عملت على إسقاطه سابقاً وهي تحاول إبعاده من المشهد السياسي.
استمرار الصراع
فيما يرى مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن الصراع السابق ما بين الإطار التنسيقي والكاظمي وفريقه الحكومي ما زال مستمراً، مشيراً إلى أن القضية بيد القضاء وهو من سيحقق في تلك التهم.
وقال إن “الصراع اليوم واضح ومكشوف، فمنذ تولي الكاظمي رئاسة الوزراء وحتى انتقال السلطة إلى محمد شياع السوداني تعرض رئيس الحكومة السابق لهجوم متعدد المستويات وطاولته اتهامات خطرة بالتجسس وباغتيال سليماني والعمالة لإسرائيل وغيرها من الادعاءات التي أثيرت في حقه لتشويه السمعة”.
ولفت إلى أن الكاظمي تعرض لهجوم بالطائرات المسيّرة، مما يؤكد حجم الصراعات الخطرة بين أحزاب الإطار التنسيقي بصورة عامة وبين الكاظمي والطاقم الذي أدار حكومته ومؤسسات العراق المختلفة خلال تلك الفترة، مبيناً أن تلك الفترة انتهت بإنجازات مهمة على صعيد احتياطات الذهب الكبيرة إلى جانب 110 مليارات دولار احتياطات العملة الصعبة في البنك المركزي، وهذا لا يعني أن حكومة الكاظمي لم ترتكب أخطاء.
تهم غير موضوعية
ويرى فيصل أن التهم التي وجهت إلى الكاظمي وطاقمه ورئيس الجمهورية السابق برهم صالح غير موضوعية وغير دستورية وكان من المفترض إحالتها إلى السياق القانوني وليس الهجوم المتعمد والتشويه.
وأشار إلى أن ما يحصل مع الكاظمي وإحالة بعض الشخصيات المحسوبة عليه إلى القضاء متروك للقضاء عبر التحقيق الذي ربما يثبت أنهم متهمون فعلاً أو يصار إلى تبرئتهم.
وأوضح أن من كشف عن “سرقة القرن” هي الأجهزة المتخصصة خلال حقبة الكاظمي، كما أن الشخصيات الملاحقة كوزير المالية السابق علي علاوي كشف في استقالته عن معلومات خطرة متعلقة بالمافيات والتنظيمات المسلحة وخرقها للنظام والاستحواذ على المال العام، لافتاً إلى أن “المافيا تمثل جزءاً من الطبقة السياسية الحاكمة، سواء في السلطة أو خارجها، وهي موجودة في مراكز نفوذ عسكري وسياسي”.
اندبندت عربي